القول أن مقاطعة الانتخابات النيابية في ظروف طبيعية هو خطأ فادح، صحيح، لكن مع قانون انتخاب هجين ممسوخ، تم تفصيله لخدمة أفراد وجماعات معينة، وكثافة لوائح “مدروسة ومفخخة ومدسوسة” ليست مسبوقة في تاريخ الاستحقاقات النيابية في لبنان، الأمر بحاجة إلى تمحيص جدّي وحقيقي، لا سيّما بعد تجاهل وإنكفاء واستنكاف أحزاب وتيارات سياسية كان يعوّل على دورها الريادي في قيادة “الجماهير ‘الغفورة”، وغرقها في مستنقع تقاسم الحصص، وإبرام الصفقات المشبوهة التي غالبًا ما تتم على حساب الوطن والمواطن.. لمصلحة هذا الزعيم أو ذاك المتنفذ.
ويمكن أن نضيف الى ذلك، سيادة فجور الخطاب المذهبي والطائفي والمناطقي، وحفلات الزجل بين الأحزاب ومرشحيهم في كل المناطق، ونجاح غالبية التيارات والأحزاب السياسية التقليدية والمستجدة المشاركة في السلطة في وأد الحراك الشعبي المسمّى “ثورة”، بالترهيب والعنف والإرعاب وإطلاق الإشاعات.
كما أن فشل غالبية هذه الأحزاب، بكل أشكالها وألوانها في أداء دورها، وتورطها في طحن اللبنانيين من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، وسط تجاهل عربي وعالمي لهذا الكيان البدعة، تحت عناوين وذرائع أقل ما يقال فيها، معاقبة اللبنانيين ومحاسبتهم على أوزار وارتكابات مسؤوليهم.
لذلك، نعتقد.. و”قد نكون على خطأ”، بضرورة إعادة تأهيل البلد والناس جدّيًا على أسس وطنية صافية وواضحة، ليكونوا أهلًا لإجراء إنتخابات نيابية وبلدية لاحقًا.. لأننا اليوم، لا نتمتّع بالأهلية الكاملة والمواصفات الضرورية لممارسة دورنا كمواطنين في بلد ديموقراطي حرّ.. تحكمه قوانين متطورة لا طائفية، برعاية قضاء عادل، لانتخاب لجان بنايات.
نعم.. المقاطعة خطأ فادح. ولكن الخطيئة الكبرى، تكمن في غرق غالبية الأحزاب في المحاصصات والصفقات، وتخليها عن دورها الطبيعي في المجتمعات، وتشرذم المعارضات وتفرّقها وتشتتها، عوامل لا تحفّز على المشاركة في انتخابات شكلية، لن ينتج عنها أي تغيير حقيقي مؤثر، بل على العكس، ستكرّس تسلّط قوى الأمر الواقع، وسنعود إلى المربّع الأول، وتجميل كذبة وبدعة ما يسمّى حكومات “الوفاق الوطني”.
لذا.. لا يمكن إنكار هذه العوامل السلبية التي كشفت ظهر المواطن اللبناني وحطمته سياسياً واجتماعياً وإنسانياً، وجعلت منه “حيوانًا ناطقًا”، ديدنه الدائم اليوم البحث عن لقمة العيش، وأسقطت عنه كل الصفات والملامح الإنسانية، باستثناء الشكل الخارجي.
وتستمر سياسة تجويع وتدجين الناس، لدفعهم قسرًا، وإجبارهم على التأقلم (ولو بالشكل) مع المستجدات غير الطبيعية في بلد مثل لبنان، والعيش كما يعيش المواطن العربي في أنظمة مجاورة، برعاية المنظومة السياسية الحاكمة، مدعومة بكل من يشارك في السلطة من أحزاب وطوائف ومذاهب وتيارات وجماعات وحركات.
ولا داعي للاكتفاء بتحميل الفرس والنظام السوري وتوابعهم وسواهم مسؤولية ما ارتكبته المنظومة الحاكمة فقط، وتجاهل أو تناسي دور ومشاركة المتبجّحين من أهل السيادة والحرية بالولاء للوطن والوفاء للناس، في غالبية حكومات ما بعد “الطائف”، فالكل شركاء في الجرائم الاجتماعية والانسانية والمالية والتربوية والصحية الخ.. التي ترتكب بحق اللبنانيين والمقيمين، ومقاطعة انتخاباتهم باتت أكثر من موقف سلبي، هي واجب.
المصدر: المدار نت