لا تبدو عمليات الفصل والاستبعاد لبعض الكتل وممثليها داخل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مجرد مرحلة ضمن عملية إصلاح وهيكلة جديدة لهذا الجسم السياسي، الذي يعد من أبرز أجسام المعارضة السورية.
وقد يكون سبب هذه العمليات الاتهامات المتبادلة بين بعض أعضائه، ما يعني أن تصفية الحسابات هي الهدف الرئيس من وراء الفصل والاستبعاد، لا سيما مع حالة التنافر والخلاف بين المكونات داخل الائتلاف منذ تشكيله في عام 2012 وحتى اليوم.
وخلال اجتماعها الطارئ، أول من أمس الخميس، أقرّت الهيئة العامة في الائتلاف بالغالبية النظام الداخلي الجديد له، وبذلك تم استبعاد أربعة من مكونات الائتلاف، وهي: “حركة العمل الوطني” و”الكتلة الوطنية المؤسسة” و”الحراك الثوري” و”الحركة الكردية المستقلة”، وزيادة تمثيل “رابطة الممثلين الأكراد” من مقعد إلى ثلاثة، بالإضافة للتصويت على عضوية ممثلي كتلة الحراك الثوري، ما أبقى على كل من الرئيس السابق للائتلاف نصر الحريري وهشام مروة كمستقلين، واستُبعد ياسر الفرحان.
ومن بين كتلة الحراك الثوري ظلّ عضوان، هما يحيى مكتبي ومحمد الدغيم. وأشارت مصادر من داخل الائتلاف، فضّلت عدم الكشف عن هويتها، إلى تلقيهما دعماً من قبل أعضاء كتل وازنة في الائتلاف، ويتم البحث لهما عن فتوى لإبقائهما تحت أي صيغة، وربما كمستقلين على غرار ما حدث مع مروة والحريري.
وكان عضوان في الائتلاف قد أقدما على الانسحاب قبل يوم من جلسة مناقشة النظام الداخلي والتصويت، بعد إدراكهما أن قرار فصلهما آتٍ لا محالة، وهما محمد ولي وحواس خليل. وكان الائتلاف قد أقال، مطلع الشهر الحالي، 14 عضواً من أعضائه بالإضافة إلى إجراء عملية تبديل في تمثيل المجالس المحلية للمحافظات، في إطار ما قال إنها خططه للإصلاح الداخلي.
انتقادات المفصولين من الائتلاف
وهاجم بعض المفصولين القرارات الصادرة، بالإشارة إلى أنها كيدية وتقف الشخصنة وراءها بشكل رئيسي، لا سيما البيان الذي أصدره “الائتلاف الوطني السوري – تيار الإصلاح” ووزّعه رئيس “حركة العمل الوطني” أحمد رمضان، الذي تم استبعاده مع حركته، الخميس.
ووصف البيان ما جرى بأنه “حالة انقلاب على يد فئة مرتهنة”، معتبراً أن قرارات الفصل والاستبعاد بمثابة “نزع شرعية”. وهدّد البيان بـ”كشف مكامن الخلل والفساد، وفضح الفاسدين والدخلاء مهما كانت خلفياتهم، وكشف أعمالهم وفسادهم وارتباطاتهم”.
وبحسب رمضان، الذي تحدث مع “العربي الجديد” فإن “تيار الإصلاح” برز في الفترة الأخيرة بعد تنامي الخلافات داخل الائتلاف، بما يخص عملية الإصلاح، ويضم بعض الأعضاء الحاليين ومن تم استبعادهم بالإضافة إلى شخصيات وطنية سورية.
وقال إن من بين الأسماء المنضوية فيه جلال الدين خانجي وجواد أبو حطب ورياض الحسن وعدنان رحمون وزكريا ملاحفجي ونحو 50 عضواً حاليين وسابقين في الائتلاف.
وعبّر رمضان عن أسفه للإجراءات التي اتخذها رئيس الائتلاف، معتبراً أنها “لم تكن من صلاحياته وفق النظام الداخلي ولم تكن قانونية أو شرعية، فقد حلّ لجنة العضوية المشكّلة من الهيئة العامة واحتكر صلاحياتها، وتجاهل عمل اللجان التي شكلت للتقييم والإصلاح، واستهدف الفاعلين، ومن بينهم رؤساء وأعضاء 9 دوائر ومكاتب نشطة وأبقى غير الفاعلين لغايات انتخابية”.
وأضاف: “بعد انقضاء اجتماع الهيئة العامة الأخير رقم 61 دعا الائتلاف بعد 48 ساعة إلى اجتماع طارئ لعرض تعديلات النظام الداخلي، ولكنه رفض تزويد مكونات الائتلاف بنسخ منها لدراستها، وأثناء التصويت تم عرض نسخة تختلف عن النسخة التي عملت عليها لجنة خاصة، وهو تدليس خطير”.
وكشف أن “في هذه النسخة جرى حذف أسماء مكونات مؤسِّسة للائتلاف ومن قبله المجلس الوطني السوري، مثل حركة العمل الوطني من أجل سورية التي تأسست في فبراير/ شباط 2011، وتعتبر من الحركات السياسية الفاعلة. ولم يقم الائتلاف بإبلاغ أي جهة بذلك ومن دون أو يقدم أي تبرير، وهو فعل شائن يضع رئيس الائتلاف في موقع الإخلال بالمسؤولية وتعريض المؤسسة لخطر التفكك والتدمير من الداخل من خلال ضرب علاقة المكونات ببعضها وتقويض الثقة المشتركة”.
واعتبر رمضان أن “ما يجرى ليس له علاقة بالهندسة أو الإصلاح، إنه عمل تخريبي بامتياز يشارك فيه بدرجة رئيسة رئيس الائتلاف سالم المسلط ورئيس الحكومة المؤقتة المنتهية ولايته عبد الرحمن مصطفى وبدر جاموس، وهؤلاء يشكلون فئة مرتهنة تستخدم الائتلاف لغايات خاصة، وإن ما تم سيؤدي إلى انهيار مؤسسة الائتلاف، خصوصاً بعد فشل الرئيس في نقله إلى الداخل وإضعافه للمكاتب والدوائر التي جرى قطع الدعم عنها”.
خطط “لإصلاح” الائتلاف
وقال رمضان إنهم في الحركة يعملون “بالتنسيق مع شركائنا الوطنيين على طرح خطط جدية للإصلاح أمام الرأي العام السوري، وكشف مواقع الخلل والفساد والمتورطين فيها، والسعي بالتعاون مع القوى الثورية والمدنية والسياسية على نزع الشرعية عن الفئة المتسلطة على الائتلاف، وانتخاب قيادة وطنية جديدة، ووضع الشعب السوري في صورة ما يُحاك من دسائس عبر الفئة المرتهنة، ومحاولة فرض أجندات وتنازلات مريبة في إطار المفاوضات”.
وكشف أنه “شكّلنا فريق عمل للتواصل مع الدول الشقيقة والصديقة وشرح حقيقة ما يجرى في الائتلاف، وأن هدفنا هو إصلاح المسار الوطني واحترام الأنظمة والقوانين ورفض أي تجاوزات لها أو الاستقواء بأي طرف كان”.
من جهته، قال رئيس الهيئة الوطنية لشؤون المفقودين والمعتقلين، ياسر الفرحان، الذي تم استبعاده، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إن عضويته في الائتلاف انتهت بعد سنوات بذل فيها ما يستطيع “لأجل أهلي وشعبي ووطني، وسأستمر وفياً لقضيتي في الثورة والعدالة، منحازاً للمعتقلين والضحايا، حتى إسقاط النظام ومساءلة المتورطين”.
وأضاف أنه و”الحراك الثوري” سيواصلون الالتزام بأهداف الثورة السورية في الحرية والعدالة “بغض النظر عما إذا كانوا في الائتلاف أم خارجه”.
وأشارت مصادر من داخل الائتلاف فضلت عدم الكشف عن هويتها في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنّ الرغبة في الإصلاح من قبل كثير من الأعضاء تلاقت مع الرغبة التركية كذلك.
وأشارت المصادر إلى أن أنقرة دعمت بقوة ما جرى داخل الائتلاف، الخميس، موضحة أن عملية الإصلاح لم تكن لتتم لولا الدعم التركي لها، لأن جميع الكتل تقبل الإصلاح على غيرها لا على نفسها.
من جهته، قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، عبد المجيد بركات، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إن ما حدث جاء بعد مرحلة من التحضير والنقاشات المطولة، مضيفاً: “بدأنا بالإجراءات العملية منذ حوالي 9 أشهر، حين تشكلت لجنة دراسة النظام الأساسي الممثلة من معظم مكونات الائتلاف، وناقشت لمدة ثلاثة أشهر وقدمت مقترحها للهيئة السياسية وبدورها الهيئة ناقشته وتم إقراره”.
وأشار بركات إلى أن “عملية إصلاح الائتلاف مستمرة، وستتضمن توسعة الائتلاف من خلال إضافة بعض المجالس المحلية، وحضور المجتمع المدني من خلال المنظمات والنقابات والروابط ليكونوا في موقع صناعة القرار داخل الائتلاف”.
من جهته، دافع رئيس الائتلاف سالم المسلط عما اتخذ خلال جلسة الخميس، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول لهذا الشأن، أمس الجمعة، وقال للصحافيين إن الائتلاف سيتعامل مع أي استفسار بكامل الشفافية ومحاضر الجلسات مفتوحة أمام الجميع.
كما كشف عن تقرير مقدم من قبل وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، محيي الدين هرموش، حول عمالة عدد من أعضاء الائتلاف للنظام، مشيراً إلى أن البعض بدأ يتهم بأن هذا التقرير متعلق بعمليات الفصل والاستبعاد التي حصلت، وأكد أن ذلك غير دقيق، منوهاً إلى أن التقرير المقدم سيناقش ويتخذ بعده القرار المناسب.
المصدر: العربي الجديد