ترجح مديرة المشروع البحثي حول سوريا في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب دكتورة كارميت فالنسي أن تترك الحرب في أكرانيا آثارا سلبية على سوريا وحاكمها بشار الأسد علاوة على فتح فرص جديدة لإسرائيل داخل الأراضي السورية.
وتقول كارميت فالنسي إن “المشي بين النقاط” أم الوقوف “في الجانب الأسلم من التاريخ”؟ وإن هذين التعبيرين قد أصبحا الأكثر رواجاً واستخداماً في السجال الإسرائيلي العام خلال الفترة الأخيرة لتوصيف المعضلة المرتبطة بالسياسة الإسرائيلية المرغوب فيها حيال الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وبرأي فالنسي هي الأخرى تقف في جذر هذه المعضلة الرغبة الإسرائيلية في تجنُّب استفزاز الروس الذين أصبحوا لاعباً مركزياً، مفتاحياً، في سوريا، وقد يعرّضون للخطر حرية الحركة التي يتمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي في مساعيه لمنع التموضع العسكري الإيراني في الأراضي السورية. كما تقول إنه في المقابل، هناك توق في إسرائيل إلى أن تكون جزءاً من العالم الغربي وعضواً في مجموعة الدول الديمقراطية، ولذلك فهي لا تستطيع اتخاذ موقف يتعارض مع قيم هذا العالم، ومع مَن يقف على رأسه، الولايات المتحدة بصورة أساسية. بعد 12 يوما من الحرب تنوه إلى أن إسرائيل لا تزال تعتمد، حتى الآن، سياسة حذرة حيال روسيا، وتتجنب إصدار بيانات تنديد شديدة اللهجة ضدها.
وتعتقد الباحثة الإسرائيلية أن المعادلة الماثلة أمام إسرائيل هي أن الضغط الأمريكي و/أو الإسرائيلي على روسيا قد يعود بالضرر على المصالح الإسرائيلية في سوريا. وهو ما يثير التخوف من احتمال تقييد حرية النشاط الإسرائيلي في سماء سوريا بفعل ردة فعل متطرفة واستثنائية من جانب روسيا، عبر إسقاط طائرة إسرائيلية مثلاً، أو صدور تهديد وتنديد روسيين غير مسبوقين بحق إسرائيل، على الأقل. وتتابع “ثمة تخوف أيضاً من اختيار روسيا تخفيف الضغوط التي درجت على ممارستها حتى الآن بشأن النشاط الإيراني العسكري في سوريا”.
وعلى غرار مسؤولين ومراقبين إسرائيليين تقول فالنسي إن حرية النشاط الإسرائيلي في سوريا، المتأتية، ضمن أشياء أُخرى، من التنسيق الفعال والمتواصل بين إسرائيل وروسيا، ذات أهمية قصوى ولا يجوز الاستهانة بها في إطار منظومة الاعتبارات الحالية. وعن ذلك تضيف “نجحت المعركة بين الحروب الإسرائيلية في عرقلة وتشويش مشروع التموضع العسكري الإيراني في سوريا، ويتعين على إسرائيل ضمان استمرارها. ومع ذلك، ينبغي عدم الانجراف في تصوير روسيا وكأنها دولة عظمى قادرة على كل شيء تقريباً، والاعتقاد أن مصير إسرائيل في الجبهة الشمالية مرهون برحمتها”.
بما يشبه دعوة رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق الجنرال في الاحتياط الباحث عاموس يادلين الذي قال إن الأخلاق تتطلب الانحياز لجانب الغرب وإن الخوف من التهديد الروسي لحركة الطيران في سوريا مبالغ به ترى زميلته في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب كارميت فالنسي أيضا أن القوة العسكرية الإسرائيلية قائمة في حد ذاتها، وتدرك روسيا جيداً مدى قدرة إسرائيل على إحباط أهدافها في سوريا وزعزعة الاستقرار الذي تسعى لتحقيقه منذ زمن بعيد.
وتعتقد فالنسي أن معادلة الردع أصبحت متبادلة وفي هذه المرحلة لا توجد أي مصلحة لروسيا في فتح جبهة إضافية جديدة في مقابل إسرائيل. كما تعتقد أنه علاوة على ذلك، فإن الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل ضد أهداف إيرانية تعود بالنفع على موسكو أيضاً، وهي التي تتنافس مع إيران على التأثير والسيطرة في سوريا. وتتابع “حتى الآن، لم تصدر عن موسكو أي ردة فعل غير عادية على خمس غارات على أهداف سورية، على الأقل، نُسبت إلى إسرائيل خلال الشهر الماضي وحده. بل أكثر من هذا، فقد أعلنت روسيا، في موازاة العمليات العسكرية، أن التنسيق مع إسرائيل في المجال الجوي السوري سوف يستمر”. وبعدما كتبت فالنسي تقديراتها هذه بساعتين شنت إسرائيل هجمة عسكرية جديدة على أهداف في سوريا.
وترى أنه بصورة طبيعية، تنكب جهات إسرائيلية على تحليل الأخطار التي تضع الخطوةُ الروسية إسرائيل حيالها في الحلبة السورية، غير أن هذه الجهات تميل إلى إغفال الإسقاطات السلبية المترتبة على ذلك على النظام السوري. وتوضح أنه بصورة غير مفاجئة، يعلن بشار الأسد، حليف روسيا، تأييد الإجراءات الروسية، فخلال محادثة هاتفية مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، قال الأسد، إن روسيا لا تدافع عن نفسها فقط، وإنما عن العالم بأسره، وعن مبادئ العدالة والإنسانية، وإن الدول الغربية تدعم الإرهابيين في سوريا، والنازيين في أوكرانيا وفي أماكن أُخرى من العالم”. لكن ورغم ذلك ترجح الباحثة الإسرائيلية أنه يمكن الافتراض أن وراء تعابير التعاطف الذي أبداه الأسد، تخوفا جديا في غرف المداولات في دمشق من انعكاسات الحرب في أوكرانيا على الدولة السورية الهشة في العديد من الجوانب والمستويات.
في المجال الاقتصادي
وتقول الباحثة الإسرائيلية إنه في الجانب الاقتصادي، تكابد سوريا منذ سنة 2009 أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتعاني جرّاء نقص خطِر في منتوجات أساسية، مثل القمح والنفط موضحة أن روسيا هي مصدّر القمح الأكثر أهمية إلى سوريا، بما يزيد على مليون طن في السنة. وترجح أن الخوف من وقف معونات القمح من روسيا الحكومة السورية دفع إلى عقد اجتماع استثنائي، في الآونة الأخيرة للبحث في آثار الحرب على الوضع الاقتصادي في سوريا، وخصوصاً في قطاعات الطاقة والغذاء والمواصلات البحرية. وتذكر أن الحكومة السورية أقرت بضع خطوات ينبغي تنفيذها خلال الأشهر القريبة، من بينها إعداد قائمة بمنتوجات الاستيراد الأكثر حيوية، وضبط وإدارة مستودعات المنتوجات الأساسية المتوفرة، إلى جانب إمكانية خفض أسعار بعض السلع الأساسية.
المجال العسكري
أما في الجانب العسكري، من المرجح الافتراض أن النظام السوري يأخذ في الحسبان احتمال إقدام إسرائيل على استغلال انشغال الروس في أوكرانيا وتكثيف غاراتها الجوية ضد أهداف إيرانية في أراضيها، بل ربما ضد أهداف سورية أيضاً.
وتضيف “من جانبها، قد تستغل روسيا تشكيلات المقاتلين التي أقامتها في سوريا وتجندها في العمليات الحربية ضد أوكرانيا، مثلما فعلت في جبهات قتالية أُخرى، مثل أذربيجان وليبيا. وقد نُشر في هذا السياق بعض التقارير التي أفادت بإعداد مرتزقة سوريين من الفيلق الخامس العامل تحت الإمرة الروسية، استعداداً لتجنيدهم في العمليات الحربية ضد أوكرانيا”. أما التخوف السوري الأكبر برأي الباحثة الإسرائيلية فهو أن تبادر روسيا إلى إطلاق عمليات عسكرية من قواعدها في سوريا ضد أهداف أوروبية.
انعكاسات دبلوماسية سلبية
وتتابع “لا شك في أن مثل هذا التطور لن يكون في مصلحة النظام السوري الذي يصارع لترسيخ الاستقرار في أنحاء الدولة. قد تكون للحرب في أوكرانيا انعكاسات على مكانة الأسد الدبلوماسية أيضاً. فحتى قبل سنة واحدة تقريباً، كان الأسد بمثابة “منبوذ” في الشرق الأوسط، بينما شرع بعض الدول العربية، في المدة الأخيرة في مساعٍ لتطبيع العلاقات مع النظام والاعتراف بشرعيته. أما التحالف المتين مع بوتين، الذي يُعتبر، اليوم، عدواً للعالم الغربي، فلا يخدم الأسد في هذه الفترة، بل قد يعود بضرر وخيم على محاولاته الرامية إلى الفوز بالشرعية الإقليمية والدولية”.
كما ترجح الباحثة الإسرائيلية أن الأسد متخوف من أن الضغط الغربي على روسيا، سواء أكان اقتصادياً أم دبلوماسياً، قد يُضعف الدعم الروسي له أو قد يؤدي، على الأقل، إلى الحدّ من تدخُّل روسيا في سوريا. وهذا بالتأكيد إذا ما أخذ في الحسبان حقيقة أنه ليس لدى الرئيس بوتين مشاعر خاصة تجاه الأسد، أو تجاه الدولة التي يقف على رأسها، بل أن ما يشغله ويحكم اعتباراته هو المصالح الروسية، المتغيرة تبعاً للظروف.
وتخلص الباحثة الإسرائيلية للقول “في التحصيل الأخير، في الجدل الجاري في إسرائيل بشأن العلاقة بين ما يجري في أوروبا وبين النشاط الإسرائيلي في سوريا، ينبغي ألّا نستهين بأهمية العلاقات مع روسيا، لكن ينبغي، في المقابل، عدم إغفال موقف إسرائيل القوي وما تمتلكه من أوراق مساومة، بما في ذلك في السياق السوري أيضاً. فهذه إلى جانب الارتدادات السلبية التي قد تصيب سوريا جرّاء الحرب الراهنة في أوروبا، قد تنطوي على فرص جديدة لإسرائيل لا تقل عن المخاطر”.
المصدر: “القدس العربي”