لم تتمكن الأحزاب المساندة لإجراءات يوليو من توحيد صفوفها لتشكل صفاً مسانداً لرئيس الجمهورية. وسط حال من الانقسام السياسي وتمسّك كل طرف بمواقفه ورفضه الحوار، دعت “حركة النهضة” “الأطراف الوطنية المناهضة للانقلاب إلى الالتقاء على أرضية مشتركة، وتنسيق جهودها في طرح بدائل سياسية واقتصادية واجتماعية، تعجّل باستعادة المسار الديمقراطي وتحقق الاستقرار السياسي”.
فإلى أي مدى يمكن للحركة أن تستفيد من المساحة المشتركة مع رافضي قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد؟ وهل يمكن لتلك الجهات السياسية أن تلتقي مع “حركة النهضة” على الرغم من الاختلافات الجوهرية معها؟
تعمل “حركة النهضة” على الاستفادة من اتساع دائرة معارضي الرئيس سعيد، وسط تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، من أجل العودة إلى المشهد السياسي من خلال تحالفات جديدة مع أحزاب تختلف معها أيديولوجياً، وتلتقي معها في الراهن السياسي الذي تمرّ به تونس.
لا تواصل مع “النهضة”
يستبعد الأمين العام لـ”حزب التكتل من أجل العمل والحريات” خليل الزاوية، التواصل مع “حركة النهضة”، معتبراً أن “ما حدث قبل 25 يوليو (تموز) 2021، أسهمت فيه هذه الحركة مساهمة كبيرة، من خلال مظاهر الفساد السياسي وترذيل الممارسة السياسية وتدنّي الخطاب داخل البرلمان، علاوة على دعمها حكومة هشام المشيشي على الرغم من فشلها في إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والاستجابة لمطالب التونسيين”.
ويؤكد الزاوية أن “النهضة لوّثت المشهد السياسي في تونس بممارساتها التي اعتمدت أساساً على المحاصصة الحزبية والمصلحية الضيقة”، مضيفاً أنه “لا توجد أرضية مشتركة بالنسبة إلى حزب التكتل وإلى الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الأخرى، على غرار الحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي للتواصل مع هذه الحركة”.
وإذ يلفت إلى “تناغم مواقف هذه الأحزاب في رفض التواصل مع حركة النهضة”، يشير إلى أن “حركة النهضة تريد استثمار هذه اللحظة السياسية لمصلحتها، وهو أمر مشروع في السياسة، إلا أنها لن تحقق ما ترغب به”.
ولا تبدو صفوف الأحزاب المعارضة للإجراءات الاستثنائية للرئيس سعيد موحّدة، نظراً إلى الاختلافات الأيديولوجية الحادة بينها، على الرغم من اتفاقها على أن الإجراءات الاستثنائية هي انقلاب على الدستور.
محاولة فاشلة للعودة إلى المشهد السياسي
في المقابل، يعتبر رئيس “حزب التحالف من أجل تونس” سرحان الناصري أن “هناك أحزاباً تعمل على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة”، لافتاً إلى أن “حركة النهضة تستغلّ هذه الأحزاب من أجل استرجاع مكانتها السياسية في المشهد الراهن”. ويشدد على أن “وجودها السياسي في تونس انتهى، بإعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021”.
ويضيف الناصري أن “الأحزاب التي تلهث وراء حركة النهضة، وتسعى إلى التحالف معها وإلى تكوين جبهة سياسية معارضة للمسار التصحيحي، ستمكّن الشعب التونسي من فرصة معرفة حقيقة ومعدن تلك الأحزاب”، مؤكداً أن “حركة النهضة دمّرت النسيج الحزبي في البلاد على غرار نداء تونس وأحزاب المؤتمر والتكتل وقلب تونس”.
ويشير رئيس “التحالف من أجل تونس” إلى أن “الأحزاب التي ستتقرّب من حركة النهضة لم تستخلص الدرس، وليست لديها نية إصلاح الأوضاع في البلاد، بل ترغب بالعودة إلى المشهد السياسي فحسب”.
ويدعو الناصري هذه الأحزاب إلى “الكشف عن حقيقتها أمام التونسيين من أجل الفرز بين الأحزاب التي تعمل من أجل مصلحة الشعب وتلك التي تريد الانقلاب على إرادته، ومستعدة للتضحية بالأمن والاستقرار الاجتماعي، من أجل التموقع مجدداً في الساحة السياسية فحسب”.
ويشدّد على أن هذه الأحزاب “لم تعُد تمثل خطراً على الشعب التونسي”، معتبراً إياها “حالة شاذة في العمل السياسي، وهي أحزاب أصولية لا يمكن أن تعود إلى الساحة السياسية”.
مواجهة الإجراءات الاستثنائية
من جهته، أكد سمير بن عمر، القيادي في حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية”، أن الحزب يساند كل مبادرة تهدف إلى مواجهة الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية، وأضاف أن الحزب على استعداد للتحالف مع كل القوى التي تناهض ما سماه الانقلاب، لافتاً إلى أن “المشاورات جارية في هذا الاتجاه من أجل تشكيل جبهة وطنية معارضة لإجراءات قيس سعيد الاستثنائية”.
مشاورات متقدمة لاتفاقات سياسية
وكان عضو المكتب التنفيذي في “حركة النهضة” محمد القوماني صرّح بأن “هناك مشاورات متقدمة في اتجاه تحقيق اتفاقات سياسية وجبهة ديمقراطية لمواجهة الانقلاب”، مؤكداً “ضرورة التأسيس لمشروع إنقاذ لمنع انهيار الدولة وإفلاسها”.
وكشفت لحظة 25 يوليو عن تباينات عميقة في الخريطة الحزبية في تونس. وعلى الرغم من أن الإجراءات الاستثنائية للرئيس سعيد تعارضها أحزاب عدة، إلا أنها لم تتمكّن من توحيد صفوفها لتشكل جبهة معارضة. كذلك، لم تستطِع الأحزاب المساندة لإجراءات يوليو توحيد صفوفها لتشكّل صفاً موحداً متماسكاً داعماً لرئيس الجمهورية، ما جعل النسيج الحزبي مشتّتاً وغيرَ قادر على فرض مشروع وطني يخدم المصلحة العليا للبلاد.
المصدر: اندبندنت عربية