يؤلمنا ويحزننا، أن تدمر ممتلكات وطننا الحبيب وتُنتهك سيادته، وتستباح حرماته، وتدنس أرضه الطاهرة يومًا بعد آخر، من قوى واحتلالات قديمة وجديدة، تاريخية ومستجدة، يشكل نظام آل الأسد أحد أسوأ أشكالها، وهو الذي فعل كل مالا يخطر على بال، للبقاء متحكمًا بمصير السوريين، وممسكًا بخناقهم، سيدًا لا ينازعه على سلطانه أحد من شعبه.
يؤلمنا ويحزننا أن يصبح وطننا ساحة حرب وتنافس لكل المشاريع الطامعة في المنطقة، والسيطرة على ممتلكاتها ومقدراتها، وملء الفراغ الحاصل فيها منذ عقود، ضاربة عرض الحائط بالقانون الدولي، وكل ما جاءت به الشرعة الدولية لحقوق الانسان التي أصبحت سمة معيارية في عالم اليوم.
يؤلمنا ويحزننا، ويثير غضبنا، وغضب الشعب السوري أن لا تستطيع، حتى الآن، بعض القوى العربية أن تفهم حقيقة مايجري على أرض سورية، وأن تفقد كل قواعد المنطق والتحليل في فهمها لطبيعة النظام السوري، ودوره الداخلي والخارجي، وعناصر قوته، وشرعيتها، منذ الأسد الأب، وحتى اليوم، مع الأسد الابن، وينطلي عليها خطابه في (المقاومة والممانعة) مغمضة عيونها عن مالحق بالسوريين لمجرد مطالبتهم بحريتهم وكرامتهم.
يؤلمنا ويحزننا، أيضًا، ويثير استغرابنا، مواقف بعض القوى السياسية السورية التي دبت فيها الحمية الوطنية، فجأة، على حدث، أو واقعة، ضمن عشرات الحوادث والوقائع المشابهة والمكررة خلال السنوات الماضية، في إطار صراع القوى المحتلة لسورية والمتخاصمة على حدود النفوذ والمصالح، والأمن، في لعبة الأمم التي تستبيح كل القيم والأعراف والشرائع والقوانين.
هذا الموقف الصادم والمخالف للمزاج الشعبي العام، ولفهم معظم القوى الوطنية من مجريات الصراع، والذي صدر عن إحدى جماعات العمل السياسي المهمة، يأتي متسقًا مع مواقف أقرانها وأشباهها في المنطقة، التي تحولت إلى بيادق في أخطر المشاريع التي تهدد المنطقة في حاضرها ومستقبلها، وباتت بكل صلف، وعنجهية، ترى في قاسم سليماني شهيدًا مدافعًا عن ثوابت الأمة الحقة، وتقيم له سرادق العزاء، وتحيي ذكرى مقتله غافلة عن كل ما ألحقه، بما يمثله من مشروع طائفي مذهبي، من خراب وتدمير بعموم المنطقة، ويصبح كل مناهض للمشروع الايراني البغيض (شاذًا) بمفهوم هؤلاء.
ليس جديدًا، ولا مفاجئا أن تتذبب البوصلة الوطنية لبعض قوانا، الوطنية والعربية، أو تتأرجح كبندول الساعة يمنة ويسرة، ولنا في تاريخ العمل الوطني السوري المعارض شواهد وأمثلة عديدة، إنما المستهجن حقًا هو التوقيت، كما في كل مرة، حيث تشهد الحالة السورية حراكًا ونشاطًا محمومًا، ومطالبات جادة وقوية، ومن أكثر من طرف وجهة، لإعادة صياغة مشروع وطني يستجيب لعثرات الماضي واخفاقاته، ويشكل انعطافة جادة في مسعى السوريين للخلاص من نظام الطغيان ومفرزاته، واستجابة حقيقية لتطلعاتهم نحو الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، والتي كانت هذه القوى، أو هذه الجماعة تحديدًا، هي نفسها سببًا في المأزق الذي تمر فيه قضيتنا الوطنية، دون مراجعة جادة لمسيرتها في السنوات الماضية من عمر الثورة، ودون اعتراف بالفشل واعتذار مستحق على الأخطاء التي ارتكبتها، ومارتبته من نتائج كارثية على الوطن السوري، والثورة السورية.
كما أن الموقف الصادم، الذي حاولت تغليفه بالوطنية السورية، يأتي في ذروة صراع المشروع الإيراني، وأدواته، مع دول المنطقة وشعوبها من اليمن إلى لبنان، مرورًا بالعراق وسورية، مايدق إسفينًا في جبهات المواجهة المحتدمة، ويؤخرها، ويجعل هذه الجماعة خارج إجماع الأمة وقواها الساعية لرسم أفق جديد لمستقبلنا.
ثمة إشكال حقيقي في فهم هذا التيار، وسلوكه، تجاه العديد من القضايا الوطنية المطروحة، وهي التي أوصلته إلى المأزق الذي يمر فيه في العديد من البلدان، ويتمثل في غلبة مصالحه على ماعداها، وارتباطاته التي تتقدم على كل ماهو وطني وملح، عدا عن انغلاقها على ذاتها وضيق أفقها، ونحن هنا لسنا بصدد مناقشته والتعرض إليه.
بكل تأكيد نحن لسنا سعداء بما يتعرض له وطننا المستباح، ولا يخفى علينا الخطر الصهيوني وتأثيراته، وفي الوقت عينه لا يغيب عنا خطر المشروع الإيراني في راهنيته، خصوصًا في تمدده واختراقه للنسيج الاجتماعي لوطننا وأمتنا، وفي خلافات المشروعين ونزاعاتهما نحن الضحايا والمستهدفون، ولا نملك من أدوات المواجهة والرد سوى وعينا وتوحيد قوانا وصياغة برنامج وطني شامل، طالما دعونا إليه، لمواجهة كل التحديات والمشاريع وأولها بقاء الطاغية الكوني حاكمًا وحرًا طليقًا رغم كل ما اقترفه من جرائم وفظائع.
صراع المصالح وتنافس المشاريع على أرضنا، لاتستدعي الصمت والمواربة حتمًا، بل وطنيتنا السورية تقتضي منا فهم كل ماحاق بنا وغايات كل المشاريع المعادية لنا.
نحن نبكي حالنا ووطننا وإنساننا السوري. ولن نبكي، لا فرحًا ولا حزنًا، على مايفعله الآخرون ببعضهم البعض .!!