أبدت أوساط إسرائيلية رسمية وصحافية ارتياحها من تضمين بند في نطاق الخطوط الأساسية لبرنامج الحكومة الجديدة في ألمانيا برئاسة زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين، أولاف شولتز، ورد فيه أن “أمن دولة إسرائيل يعتبر بالنسبة إلينا [ألمانيا] بمنزلة مصلحة قومية عليا”. ونوّهت الأوساط نفسها بأن هذا الالتزام هو أشبه بناظم مُشترك يضبط إيقاع جميع الحكومات الألمانية، سواء أكانت بقيادة أحزاب اليمين أو أحزاب اليسار، ولكنها أعربت عن امتعاضها من أن الحكومات اليمينية السابقة، بزعامة المستشارة المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل، أرفقت هذا الالتزام ضمن خطوطها الأساسية ببند آخر يؤكد التزامها بإسرائيل دولة يهودية، بينما اقتصر الأمر في الخطوط الأساسية للحكومة الحالية على الالتزام بأمن إسرائيل من دون التطرّق إلى طابعها، ما يجعله ناقصًا.
انسحب الامتعاض أيضًا على بنود أخرى جرى إدراجها ضمن تلك الخطوط الأساسية، ومنها على سبيل المثال تأييد حل الدولتين للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس خطوط 1967، وشجب الاستيطان الإسرائيلي الكولونيالي في أراضي 1967، والتعهّد باستمرار تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). بيد أن عدم الالتزام بطابع إسرائيل دولةً يهودية اعتبره بعضهم بمثابة “تطوّر مثير للقلق” أكثر من غيره. وأتى ذلك في تقدير صاحب هذه السطور لسببين، كما يمكن أن نستشف من بين السطور: الأول مرتبط بخلفية حملة الهجوم والانتقاد التي تتعرّض لها سياسة إسرائيل حيال الفلسطينيين، وتحديدًا منذ الحرب العدوانية على قطاع غزة في مايو/ أيار الفائت، لا سيما في الولايات المتحدة وبعض أقطار أوروبا، وهي في قراءة تلك الأوساط الرسمية والصحافية حملة غير مسبوقة من ناحية معناها، ولذا سرعان ما تم استلال الادّعاء التقليدي أن دولة الاحتلال ترى أنها تهدف، بالأساس، إلى نزع الشرعية عنها.
السبب الثاني أن ما يختبئ وراء الإصرار على الالتزام العالمي تجاه ترسيخ الدولة اليهودية هو الحصول على شرعية للصهيونية، فكرًا وممارسات، إذ إن جلّ أطياف اليمين الإسرائيلي ما زالت تعتبر أن المعركة التي قامت الحركة الصهيونية من أجل خوضها ما زالت على أشدّها، وأن غايتها النهائيّة المتمثلة في “تحقيق السيادة اليهودية” لم تُنجز بعد. وبمراجعةٍ سريعة، في الوسع القول إن هذا الأمر كان جزءًا من ديدن اليمين الإسرائيلي، وعلى وجه الدقّة ذلك الذي يُوصف بأنه يمين جديد، وتكوّن في الأعوام القليلة المنصرمة نتيجة تقارب أيديولوجي بين تيّار اليمين القومي الذي يدعّي أنه علماني والتيار القومي الديني، وكلاهما باتا، في الوقت الحالي، متحدّين في تيار يمينيّ واحد أكثر تطرّفًا، فضلًا عن أنه يهيمن على الخطاب السياسي الإسرائيلي.
ولدى متابعة ما يظهر من تعليقات في هذا الشأن، يُلاحظ أن هناك تواترًا في تهوية (وتلميع) وجهات نظر يُعدّ الإيمان فيها قديمًا أصلًا، ولكنه آخذ بالتجدّد. لعلّ أبرزها وجهة نظر عبّر عنها أحد الناطقين الإعلاميين بلسان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، تقول إن إسرائيل دولة طبيعية، غير أنها تعيش وسط “جيران غير طبيعيين”، نظرًا إلى أن هؤلاء الجيران يتسبّبون، منذ نحو عقد، في إشعال أديم منطقة الشرق الأوسط على نحوٍ أدّى إلى سيطرة الخوف كسلطة شبه مطلقة، وإلى جعل العنف قانونًا، وإلى اندلاع حرب الكلّ ضد الكلّ بين المسلمين أنفسهم.
وثمّة وجهات نظر أخرى عديدة في الصدد نفسه. ومن الأهمية أن يشار من بينها إلى تلك التي ترى أن الفلسطينيين في أراضي 1948 الذين تسميهم الأدبيات الإسرائيلية “الأقلية العربية” هم أيضًا غير طبيعيين. وهذا ما ثبت، مرة أخرى، في مايو/ أيار الماضي، من خلال انضمامهم إلى هبّة الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. وبرأي عدد من أصحاب وجهة النظر هذه، فإن البارز في هذه الهبّة وما شهدته من مواجهات أنها نشبت، بالتحديد، بعد فترة يمكن وصفها “وردية” في علاقة الدولة بالمواطنين العرب. ومن هنا الاستنتاج بأنهم ليسوا طبيعيين!
المصدر: العربي الجديد