ماتزال الجهود الهادفة إلى معالجة أزمة اللاجئين السوريين في المنطقة تعاني من النقص في الطواقم البشرية والتمويل، حيث تستمر أوضاع اللاجئين في التدهور، إذ يواجهون مزيداً من القيود والمشقات الاقتصادية، ويتعرّضون في حالات كثيرة للعنصرية والضغينة. حيث صنفت الأحداث في سورية بأنها حالة طوارئ من الدرجة الثالثة في منظومة الأمم المتحدة، بعد أن أشارت التقديرات إلى أن أكثر من سبعة ملايين شخص باتوا في حاجة إلى المساعدة اعتباراً من آب/أغسطس 2013 وهذا جعلها أولوية عالمية للنظام الإنساني الدولي.
منذ تصاعد الأحداث في سورية واشتداد قصف عصابات الأسد للمدن السورية بدأت الهجرات الكثيفة تتجه إلى دول الجوار، حيث ترزح البنى التحتية للبلدان المضيفة تحت ضغوط شديدة، وتتخبّط لمواجهة التأثير الاقتصادي الواسع الناجم عن تدفّق اللاجئين، ماولّد ضغوطاً داخلية شديدة تؤثّر في الأداء الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي، وفي نهاية المطاف، في الإستقرار الداخلي. في هذا السياق، تشكّل زيادة المساعدات للاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم أولوية استراتيجية أساسية، لكن المجتمع الدولي فشل في تخصيص الموارد الكافية من أجل الاستجابة للإحتياجات الإنسانية.
إلا أن أي من البلدان المضيفة لم يُسبِغ الوضعية الرسمية على اللاجئين السوريين على أراضيها، وفضّلت مجموعة متنوّعة من التصنيفات الأخرى، ورتّب على عدم الوضوح بشأن الوضع القانوني الغموض بما يحق للسوريين قانوناً ومايحصلون عليه من حيث الخدمات ويختلف هذا من بلد إلى آخر، إضافة لجعل واقع اللاجئين عرضة إلى التغيّرات السياسية، كما كانت الحال في مصر.
وإن كان يتعيّن على البلدان المضيفة الإستمرار في السماح بدخول اللاجئين الشرعيين. إلا أنه لايمكن للمجتمع الدولي الإلحاح على هذا الطلب من دون تقديم الدعم والمساعدة لإيجاد الحلول. وينبغي أن يأتي هذا الدعم والمساعدة عبر مزيج من الإستثمار في التنمية على المدى الطويل والإهتمام بالإحتياجات الإنسانية العاجلة، في إطار جهد يشمل البلدان المضيفة، والمجتمع المدني السوري، ونظيره في البلد المضيف، ومنظمات الإغاثة، والمؤسّسات متعدّدة الجنسيات. في بعض البلدان، سبق الركود الاقتصادي تدفّق اللاجئين، وثمة مناطق متخلّفة تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين الذين هم في أمسّ الحاجة إلى تحديث البنية التحتية وخلق فرص العمل. أي أنه، عندما تمضي عملية السلام قُدُماً، يجب أن يشمل أي حلّ العودة الطوعية الكاملة للاجئين.
في جميع البلدان المضيفة، ينبغي أن يكون دور منظمات الإغاثة الدولية، في ظروف مثالية، مساعِداً ومكمِّلاً لدور الدولة، لا أن يحلّ محلّه. فمعظم اللاجئين في بلدان اللجوء المجاورة يعيشون في أشدّ المناطق فقراً، وتفيد تدفّقات رأس المال والعمال بصورة كبيرة الشركات وأصحاب العقارات، في حين تؤثّر سلباً على الطبقتَين الوسطى والدنيا من خلال الأجور المنخفضة وزيادة تكاليف الإيجار. وتمثّل أموال الإيجار وحدها انتقالاً كبيراً للثروات من السوريين والمجتمع الدولي إلى أصحاب العقارات في بلدان اللجوء المجاورة لسورية. إذ نجد اللاجئين يرزحون تحت وطأة الصراعات والتوتّرات اليومية، في حين يتقوقع الأكثر فقراً منهم على نحو متزايد في أمكنة صغيرة غير آمنة وغير صحّية. وهم يشكون من الاستغلال عبر ارتفاع أسعار الإيجار والغذاء والدواء. ويعبّر الكثير من اللاجئين، ولاسيما النساء، عن رغبتهم في العودة أو إعادة التوطين، لأنهم لايستطيعون تحمّل البقاء في دول اللجوء المجاورة لسورية في ظروف صعبة ومهينة.
تنطوي المبادرات التنموية التي تقدمها الدولة، مثل الاستثمار في البنية التحتية للخدمات، والرعاية الصحية، والتعليم، وخلق فرص العمل، واستهداف المجتمعات المضيفة، وكذلك اللاجئين، على ميزة تعزيز قدرة الدولة وتخفيف حدّة التوتر إلى جانب مساعدة اللاجئين. ومع أن المبادرات الشاملة تنطوي على بعض المخاطر، إلا أن الأمر نفسه ينطبق على التقاعس عن العمل، ولاسيّما عندما يتململ اللاجئون والمجتمعات المضيفة بصورة متزايدة. كما أن زيادة المساهمات المحلية، والشفافية، والتوعية الإعلامية، هي أساسية لإشراك المجتمعات المحلية والقطرية في هذه المشاريع، وإطلاع مجتمعات اللاجئين على حقوقها بصورة أفضل.
قضية اللاجئين السوريين في المنطقة ليست مجرّد قضية شعب يحتاج إلى المساعدة. فتشريد المجتمع السوري بصورة جماعية، يعني أن هناك الآن لاجئين سوريين من مختلف الأطياف العرقية والطائفية والاجتماعية والاقتصادية. وتشمل هذه المجموعة أعداداً كبيرة من الأشخاص الذين لديهم رأسمال بشري مرتفع نسبياً وقدرات ريادية ومشاريع سياسية مختلفة، وذلك لأن الثورة السورية أنتجت مجتمعاً مدنياً مزدهراً في جميع أنحاء البلاد. فقد تحوّل العديد من منظميها إلى أعمال الإغاثة عندما جرت عسكرة الثورة، والكثير من هؤلاء يؤسّسون أو ينخرطون في منظمات غير حكومية، هي إما سورية حصراً أو تضم أعضاء من البلد المضيف. وغالباً ماتعكس المشاريع التي يديرونها صورة مصغّرة عن المجتمع السوري. وتساعد هذه المنظمات في توفير فرص العمل للشباب السوريين، وإبقائهم في المنطقة، وبناء قدرتهم على تولّي أدوار قيادية في المستقبل عند عودتهم إلى سورية. ولذا، ينبغي على الحكومات المضيفة ومنظمات الإغاثة الدولية أن تستهدف هذه الجماعات، وتعمل معها بصورة مستمرة لدعم مبادراتها.
ينبغي أن تكون احتياجات اللاجئين وحقوقهم أولوية بالنسبة إلى المجتمعات الإقليمية والدولية، ولاينبغي أن يتم نسيانها فهناك الملايين من اللاجئين المسجّلين في جميع أنحاء العالم ممَّن يعيشون في أوضاع لجوء طويلة الأمد، من دون أن تلوح في الأفق احتمالات جدّية بالتوصّل إلى حلول دائمة. فقد استغرقت عودة مايقرب من نصف النازحين البوسنيين إلى أماكن إقامتهم السابقة أكثر من اثني عشر عاماً. وبالتالي ما لم يتم الشروع في تنفيذ آليات واضحة لضمان العودة الطوعية إلى الوطن، عندما يكون ذلك ممكناً، من المرجّح أن يبقى الكثير من السوريين في طي النسيان على المدى الطويل. فالحلّ الأمثل، هو العودة الطوعية إلى الوطن، حيث إن معظم اللاجئين يتصوّرون العودة إلى سورية عاجلاً أو آجلاً. إلا أن خيارات الناس هي العودة إلى ديارهم وليس إلى مخيمات أو ملاذات آمنة أخرى داخل سورية.
المصدر: إشراق