مقدمة الترجمة
أعدَّت الصحافية أني مجلوميان تقريرا نشره موقع “أوراسيا نت” الأميركي، تتناول فيه فرص التطبيع بين تركيا وأرمينيا، لا سيما بعد انتهاء النزاع بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم قرة باغ، وانتصار الأخيرة في حرب العام الماضي التي دعمتها تركيا أثناءها.
نص الترجمة
هل أرمينيا وتركيا مستعدتان أخيرا لإعادة بناء علاقاتهما؟ بعد ثلاثة عقود تقريبا من انقطاع العلاقات وغلق الحدود بينهما، يبدو قادة البلدين أكثر تفاؤلا مما كانوا عليه قبل سنوات. فقد صرَّح رئيس الوزراء الأرميني “نيكول باشينيان” مؤخرا أن يرِفان (عاصمة أرمينيا) تلقَّت “بوادر إيجابية علنا” من تركيا. وأضاف باشينيان في اجتماع الحكومة يوم 27 أغسطس/آب الماضي: “سنُقيِّم هذه البوادر الإيجابية ونرد عليها بمثلها”. ومن جانبه، قال الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بعد ذلك التاريخ بيومين: “يمكننا العمل من أجل تطبيع علاقاتنا تدريجيا مع الحكومة الأرمينية التي أعلنت استعدادها المُضي قُدما في هذا المسار”.
بيد أن بوادر إيجابية ظهرت قبل أكثر من عقد مضى، تحديدا عام 2009، تمثَّلت في الجهود الدبلوماسية لعودة العلاقات، التي عُرفت بـ “البروتوكولات”، لكن هذه الجهود تعثَّرت في الأخير، إذ ضغطت أذربيجان على حليفتها تركيا لإفشالها. أما بعد حرب العام الماضي بين أرمينيا وأذربيجان المدعومة من تركيا، فقد تغيَّرت حسابات الدول الثلاث، إذ يقول محللون ومسؤولون من منطقة القوقاز إن احتمالية إعادة العلاقات هذه المرة أقرب من أي وقت مضى. ومع ذلك، تحوم التساؤلات حول إمكانية أن تلعب روسيا دورا لإفساد الأمر.
قواعد جديدة
لقد اعترفت تركيا رسميا باستقلال أرمينيا عام 1991، فور انهيار الاتحاد السوفيتي. لكن بعد ذلك بعامين أغلقت أنقرة الحدود بين البلدين من جانب واحد، وذلك أثناء الحرب بين أرمينيا وأذربيجان؛ ردا على احتلال أرمينيا أراضي أذرية في محيط إقليم “ناغورني قرة باغ” الذاتي الحكم في عهد الاتحاد السوفيتي. ومنذ ذلك الحين، ظلَّت الحدود الأرمينية الشرقية والغربية -مع أذربيجان وتركيا على التوالي- مغلقة، في حين تُرك لأرمينيا متنفَّسان فحسب يربطانها بالعالم الخارجي: جورجيا وإيران.
بيد أن حرب العام الماضي، التي استمرت 44 يوما، وانتهت بهزيمة أرمينيا، غيَّرت قواعد اللعبة. وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، سلَّمت أرمينيا الأراضي المحتلة إلى أذربيجان، ما يعني انتفاء مُبرِّر أنقرة الأصلي لقطع العلاقات. ويقول “حسن سليم أوزَرتَم”، المحلل السياسي المقيم في أنقرة، لموقع “أوراسيا نت”: “عارضت أذربيجان التطبيع بين أرمينيا وتركيا عام 2009 على أساس أن تركيا أغلقت الحدود بعد احتلال مدينة ’كلبجار‘ عام 1993. وقبل انسحاب أرمينيا من هذه المنطقة، رأت باكو (عاصمة أذربيجان) فتح تركيا للحدود بوصفه خيانة وانتقدت ذلك انتقادا لاذعا. أما الآن، وبعد الهدنة، لم تعُد هذه المسألة محل نقاش، ولن يكون مفاجئا أن تُخفِّف أذربيجان من لهجتها مقارنةً بما كانت عليه عام 2009”.
لم تأتِ تصريحات أردوغان حول احتمالية عودة العلاقات على ذكر أذربيجان أو قرة باغ، كما التزمت أذربيجان صمتا غريبا إبَّان تبادل أرمينيا وتركيا البوادر الإيجابية علنا. وقد ذكر الرئيس التركي حاجة البلدين إلى “احترام وحدة أراضي بعضهما بعضا”، فيما تُعتبر هذه اللهجة استفزازية بالنسبة لبعض الأرمن، خصوصا هؤلاء الذين يعيشون في الشتات، ممن يطالبون تركيا بتسليم أراضٍ في شرق تركيا، ويُطلِقون عليها “أرمينيا الغربية”.
بيد أن هذه المطالب نادرا ما يُعبَّر عنها على المستوى الرسمي، كما تضمَّنت بروتوكولات عام 2009 صياغة بشأن احترام وحدة أراضي الدولتين. في غضون ذلك، يخشى الكثير من الأرمن أن يتطلَّب أي اتفاق بين أنقرة ويرِفان تخلي الأخيرة عن جهودها لنيل اعتراف دولي بوصف ما جرى للأرمن بأنه “إبادة جماعية”، كما أن بروتوكولات 2009 لم تذكر أي شيء بخصوص هذه المسألة.
يقول “راغب صويلو”، مدير تحرير مكتب موقع “ميدل إيست آي” الإخباري في تركيا: “الاختلاف الأساسي هذه المرة هو أن أذربيجان لن تقف في طريق المصالحة بين تركيا وأرمينيا، فقد سويت مسألة قرة باغ تقريبا، وقدَّمت تركيا ما يفوق التوقُّعات لمصلحة باكو، وهناك مستوى جديد من التعاون والتحالف بين تركيا وأذربيجان قائم على ثقة وتفاهم عميقين. ومن ثمَّ يمكن لتركيا فتح حدودها، إذا توقَّفت أرمينيا عن التلويح بفكرة (أرمينيا العظمى)”.
لقد كانت المساعدات التركية لأذربيجان أثناء حرب العام الماضي مساعدات ضخمة: استشارات عسكرية، ومعدات، بل وإرسال مرتزقة سوريين للقتال في صفوف الأذريين. وقد تطلَّعت أذربيجان إلى أن تجعل تركيا أكثر انخراطا في العملية الدبلوماسية، بما في ذلك دفع تركيا كي ترأس “مجموعة مينسك” (إلى جانب فرنسا وروسيا والولايات المتحدة)، وهو كيان دأب على الوساطة في محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا طيلة عقود. في نهاية المطاف، استُبعِدَت تركيا تماما من اتفاق ما بعد الحرب، وحازت روسيا موقعا أقوى في المنطقة، وانتهى الأمر بتركيا إلى حيازة تمركز صغير لمُشغِّلي المسيَّرات المخصَّصة للمراقبة في أذربيجان. ويقول المسؤولون الأرمن إنهم يعتقدون بأن باكو ما زالت مَدِينة لأنقرة، ولذا فمن غير المرجَّح أن تقف عقبةً أمام شيء تريده تركيا.
قال مسؤول رفيع المستوى في الحكومة الأرمنية لأوراسيا نت، تحدَّث شريطة عدم ذكر اسمه: “لقد أعطت تركيا ما تدين به لأذربيجان، وقد تُقوِّض أذربيجان المحادثات مجددا، وأرمينيا مستعدة لهذا السيناريو. بيد أنه على أذربيجان عدم الاستهانة بنفوذ تركيا طويل الأجل هناك، بما في ذلك السياسيون المؤيدون لتركيا واعتماد أذربيجان الجديد على التسليح التركي”.
تمارس أذربيجان الضغط على أرمينيا لتوقيع حل نهائي للنزاع في قرة براغ يتضمَّن اعتراف الأخيرة بأن الإقليم أرض أذرية. بيد أن باكو التزمت الصمت حين تبادل أردوغان وباشينيان البوادر الإيجابية، ومن غير المرجَّح أن تحاول أذربيجان الدفع بأجندتها في العملية، وذلك بحسب “فريد إسماعيل زاده”، نائب رئيس جامعة “أدا” في باكو. وقد أضاف إسماعيل زاده لأوراسيا نت: “لا أعتقد أن الاتفاق الثنائي بين أرمينيا وتركيا سيرتبط بالضرورة بمسألة قرة باغ، لكن عموما، المتوقَّع هو أنه إذا ما طبَّعت تركيا وأرمينيا علاقاتهما، فستكون هناك المزيد من الفرص للسلام في قرة باغ أيضا”.
العامل الروسي
في حين يبدو الجميع مؤيدا للتطبيع هذه المرة، ثمة اختلافات في توقُّعات الأطراف المختلفة إزاء كيفية تنفيذه. ويعتقد معظم المحللين والمسؤولين الأرمن أن على يرِفان السعي للتطبيع مع أنقرة بمفردها دون روسيا أو أذربيجان أو أي طرف آخر. أما تركيا فتبدو أكثر اهتماما بالتطبيع بموجب الخطة “3+3” التي اقترحتها سابقا، وهي عبارة عن منتدى إقليمي يتألَّف من دول جنوب القوقاز وجيرانها: أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، إضافة إلى إيران وروسيا وتركيا.
وأوضح صويلو أن تركيا “تُخطِّط لضم كل مَن في المنطقة إلى هذا التطبيع مع يرِفان، ولذا فإن أذربيجان أيضا ستكون جزءا من الخطة، كما تأمل تركيا أن تستعد روسيا لتكون جزءا من الخطة التي ستُطبِّع العلاقات مع أرمينيا، بيد أنه يصعب التنبؤ بما إذا كانت روسيا ستصير شريكا متحمسا لذلك”. ومن جانبهم، تحدَّث مسؤولون روس بإيجابية بشأن الخطاب الجديد بين أرمينيا وتركيا، وعبَّروا عن استعدادهم للمساعدة. فقد قال وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” في 3 سبتمبر/أيلول: “الآن، وبعد انتهاء الحرب في ناغورني قرة باغ، هناك ما يدعو لفك جمود العملية السياسية، واستعادة العلاقات في مجالات الاقتصاد والنقل، وسيكون منطقيا أن تستأنف أرمينيا وتركيا جهودهما لتطبيع العلاقات”.
يعتقد بعض المسؤولين في يرِفان أن تدخُّل روسيا قد يساعد بالفعل بالنظر إلى أن المعارضة المحلية، التي يؤيد معظمها روسيا، تحشد مؤخرا ضد فكرة التطبيع. ويقول “حايك ماميجانيان”، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأرمني، إنه يعتقد أن تركيا في الحقيقة ستضع شروطا استباقية للتطبيع لم يأتِ أردوغان على ذكرها في تصريحاته الأخيرة، وأن الحكومة تُخفي هذا الأمر عن الشعب الأرمني. وقد صرَّح ماميجانيان لإذاعة أوروبا الحرة في 3 سبتمبر/أيلول قائلا: “إما أن تُبدِّد هذه الشكوك الآن، وإما أن ذلك يعني أنك قرَّرت شيئا من وراء ظهور الشعب الأرمني”.
وفقا لهذا المنطق، سيُلطِّف الانخراط الروسي في الوساطة بين أنقرة ويرِفان من حِدَّة هذه المعارضة. بيد أن آخرين في الحكومة يُرجِّحون أن تلعب روسيا دورا يُفسِد التطبيع، بالنظر إلى الطبيعة المُتقلِّبة للعلاقات بين أنقرة وموسكو. وقد قال المسؤول الحكومي الأرمني المذكور آنفا إن أرمينيا “تحاول إبعاد روسيا فيما يخص التطبيع مع تركيا”، وبينما تبدو العلاقات بين البلدين جيدة حاليا، فإن “أرمينيا تعي أن عليها الإسراع قبل أن تُسقط تركيا طائرة روسية أخرى وينغلق هذا الباب. بعبارة أخرى على يرِفان أن تنجز التطبيع قبل أن تعترض روسيا”.
يأمل بعض المحللين الأرمن أن يكون لدى أنقرة ما يُحفِّزها لإبقاء موسكو بعيدة عن العملية، وتُرجِّح التصريحات الصادرة مؤخرا من موسكو أنها غير منخرطة، وأنها تحاول اللحاق متأخرة ليس إلا، وذلك بحسب “ريتشارد غيراغوسيان”، مدير “مركز الأبحاث الإقليمية” في يرِفان. ويُضيف غيراغوسيان أن تركيا تشعر بتهميشها من جانب روسيا بعد حرب القوقاز الأخيرة، فقد استُبعِدَت من مهمة حفظ السلام الروسية، وغابت عن مجموعة العمل التي تضم أرمينيا وأذربيجان وروسيا بشأن إعادة فتح طرق النقل الإقليمية. ومن ثمَّ فإن التطبيع “طريقة تركيا للرد والضغط على روسيا وحجز مقعدها على الطاولة”.
هذا وأضاف المسؤول الحكومي الأرمني: “على أي حال، إذا كانت هنالك محادثات جادة جارية، فإنها لا تزال تقتصر على المستويات العليا وبصورة غير رسمية. ولربما يكون الأشخاص الوحيدون العالِمون بهذه المحادثات هم رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورئيس الاستخبارات”. ولا يزال المسؤول الحكومي الذي رفض ذكر اسمه متفائلا بشأن تركيا هذه المرة، إذ “تحتاج أنقرة إلى قصة واحدة سعيدة على الأقل هذا العقد، وهذه هي فرصتها” على حد قوله.
___________________________________________________________________
هذا التقرير مترجم عن Eurasianet ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
المصدر: الجزيرة. نت