لم تنف البطريركية المارونية في لبنان، تصريحات للكاردينال بشارة الراعي، تداولتها مواقع إلكترونية بينها «زمان الوصل» حول اللاجئين السوريين في لبنان. فالراعي، دعا خلال حديث مع إذاعة الفاتيكان، إلى عودة اللاجئين ولو بشكل إلزامي إلى بلادهم، لأن الحرب «انتهت» خصوصا وأنهم يعيشون «أفضل من اللبنانيين ويتلقون مساعدات». وشرح، كيف تمكن من تغيير موقف بابا الفاتيكان فرانسيس، الداعي لإدماج اللاجئين، عبر توضيح تركيبة لبنان السكانية بين مسيحيين ومسلمين، وإمكانية إخلال التوازن، عبر وجود «مليوني لاجئ سني» وتكرار الحرب الأهلية التي وقعت عام 1970.
هذه التصريحات، التي أثارت ردود فعل عنيفة من قبل معارضين سوريين تجاه الراعي، مرتبطة على الأرجح، بالقراءة التي يتبناها البطريرك للحرب الأهلية، وهي قراءة اليمين المسيحي الكلاسيكي، حيث الحرب سببها اللاجئون الفلسطينيون فقط، وليس الانقسامات الحادة، وهشاشة البناء الداخلي الذي يهتز بسبب أي عامل خارجي.
والبطريرك إذ يستسهل، استبدال اللاجئين الفلسطينيين باللاجئين السوريين، معتمداً الانتماء الطائفي معياراً، يغفل عدم وجود منظمة تحرير أو سلاح بيد السوريين المقيمين في لبنان، الذين يعدون كتلة سكانية بدون فعالية، وعاجزة عن إحداث أي تعديل بموازين القوى، بدليل الاعتداءات المتواصلة التي تستهدفهم، من دون إحداث أي ردة فعل ترقى لخطر يستدعي حذر الكنيسة. عدا عن أن الحرص على التركيبة اللبنانية لا يستقيم، مع الصمت، قبل استفاقة متأخرة، على امتلاك حزب يمثل جماعة، لسلاح يوجه ضد بقية الجماعات ويفرض معادلات السياسة، ما أوقع البلد في عدة حروب أهلية مصغرة. ما يعني أن قراءة البطريرك لمسألة اللاجئين والمخاوف منهم، تتعلق بزمن سابق يرتبط بشرارة الحرب الأهلية، وليس بالظروف السياسية التي أدت للجوئهم، بفعل قمع حراك ضد نظام مستبد. على العكس، رأس الكنيسة، طالب بـ»مواجهة أولئك الذي يسعون لتحقيق أهدافهم بحجة نشر الديمقراطية، فيتسببون في الحروب وترحيل الناس من بلادهم. وهذا ما حدث في سوريا والعراق، اللذين كانا على مستوى عال من التطور الاجتماعي والاقتصادي، واليوم تعرضا للسقوط، تراجعا 50 عاما». الواضح، أن البطريرك خاف من تداعيات الثورات على المسيحيين في لبنان، انطلاقا من الانتماء الطائفي للمشاركين فيها، لكنه عالج هذه الحساسية، بسردية الحرب الأهلية، متبنياً، أفكار اليمين وتوقعاته المحسومة حيال ما سيحدث حال حصول تغيير سياسي. وإن كان ليس غريبا جداً حساسية البطريرك تجاه المسيحيين، بسبب التجارب السابقة شديدة المرارة في المنطقة، ولبنان تحديداً، فإن الغريب يتبدى في عدم تطوير مقاربة جديدة لهذه الحساسية، تضمن للمسيحيين موقعا في أي تغيير سيحصل، بدل الانكفاء والتمسك بروايات الحرب الأهلية الناقصة. وعلى الأرجح، هذه المقاربة الجديدة، كانت، تحتاج بيئة حاضنة لدى الفاعلين في عملية التغيير، وحساسية مقابلة، تجاه الأقليات، تعترف بها وتقدم لها تطمينات وعروضا سياسية، وليس نفي وجودها عبر إنكار ثنائية أكثرية وأقليات، وتسويق مقولات مدرسية حول الوحدة الوطنية. والهجوم على البطريرك، من قبل معارضين سوريين، يشير إلى انعدام هذه الحساسية، والاكتفاء برواية صلبة حول الثورات، لا تبالي بالانقسامات وتقفز فوقها.
وقد لا تكون هزيمة الثورات، بعيدة عن كسل الطرفين، أي البطريرك وخصومه من دعاة التغيير، في تطوير أفكار حيال المخاوف بين الجماعات، فرأس الكنيسة المارونية في لبنان، فوّت فرصة، للخروج من عقلية الحرب الأهلية، وتقديم طروحات، تراعي حساسية المسيحيين، انطلاقا من موقعهم في التغيير، وليس في مقاومة الأخير والعمل ضده. أما خصوم البطريرك، وتحديداً بعض المعارضين السوريين، فخسارتهم كانت أكبر، إذ إن تجاهلهم، لحساسيات الأقليات انعكس على معركتهم ضد الاستبداد، الذي نجح في استنفار الجماعات الخائفة خلفه، في ما الخطاب المعارض كان يتوزع بين إنكار الانقسامات الطائفية، والتحريض على الطوائف. وكلام البطريرك وردود الفعل عليه، ليسا سوى دليل إضافي على فشل التغيير، الذي جرى التعامل معه كحالة قدرية مقبلة لا محالة، وليس ديناميكيات، تتطلب أفكارا وطروحات، لجذب الممانعين وإغرائهم بالمشاركة. والدعوة لترحيل اللاجئين السوريين من لبنان بالقوة، أحد نتائج الفشل، خصوصاً أن من يدافع عن اللاجئين لا يملك أي تصور أو قدرة على حل أزمتهم أو دعمهم، أي أن هؤلاء الذي يعانون ظروفا قاسية وقهرا يوميا، ضحية، خطاب الخائف من التغيير، وكذلك، ضحية خطاب من فشل في إحداث هذا التغيير، علما أن الطرف الأول مسؤول أكثر، لأن مخاوفه تدفعه لدعوات لاأخلاقية، أخطرها، إعادة لاجئين إلى نظام سبق أن هجرهم، واحتمالات انتقامه منه عالية جداً.
كاتب سوري
المصدر: القدس العربي