منذ أن قام النظام السوري بتسجيل أولى حالة إصابة بفيروس كورونا في المناطق التي يسيطر عليها، تعامل مع الجائحة وكأنها “خلية إرهابية”، ونشر قواته لمواجهة الفيروس، الذي بدا وكأنه تسبب بأزمة أمنية، لا أزمة صحية.
المدرعات والحواجز الأمنية طوقت العاصمة دمشق لتفصلها عن ريفها، وانتشرت في أرجاء دمشق سيارات رجال الأمن التي نصبت كمائن للمواطنين؛ لتوحي هذه الإجراءات أن النظام يتعامل مع المصابين على أنهم مجرمون فارون من العدالة تتم ملاحقتهم أمنياً.
ففي إطار إجراءات حكومة النظام السوري للحد من انتشار الفيروس، أصدر النظام قبل يومين قراراً يقضي بعزل الأرياف عن المدن الرئيسية، بعد أن اتخذ الأسبوع الماضي إجراءات لمنع تنقل المواطنين بين المحافظات السورية، باستثناء عناصر الجيش والأفراد المصرح لهم.
لكن القرار الأخير، الذي يقضي بعزل الريف عن المدينة، لم يبدُ للناس بأنه إجراء ضروري للحد من انتشار الفيروس، بقدر ما بدا إجراءً اتخذه النظام للتشفي من أهالي المناطق التي حملت لواء الثورة ضده؛ إذ لم يقُم النظام بعزل دمشق عن ريفها بشكل كامل، بل استثنى بعض المناطق من إجراء العزل، مثل قرى الأسد وضاحية قدسيا ويعفور، وهي مناطق تابعة لريف دمشق لم تشهد طيلة فترة الحرب أي اشتباكات أو مظاهرات ضده؛ ليؤكد بذلك أنه يتقصّد معاقبة أهالي المناطق التي احتضنت الثورة ضده، واستثمر مناسبة انتشار وباء كورونا عالمياً، ليتعامل مع هذه المناطق على أنها موبوءة مجدداً، ويفترض أن عزلها يؤمن الحماية لمواطنيه في العاصمة التي اختزل بها سوريا لسنوات.
هذه الأرياف المعزولة، يعاني قاطنوها من سوء مفرط في الخدمات، حيث لا تصل المياه إلى بعض المناطق سوى مرة كل يومين، وتنقطع فيها الكهرباء بنظام مداورة مجحف، ساعة واحدة من الكهرباء مقابل خمس ساعات انقطاع. يعيش أبناء هذه المناطق حالياً ظروف خدمية شبيهة بالظروف التي عاشوها في سنوات الحصار.
أما في ما يتعلق بالحجر الصحي المنزلي الذي فرضه النظام على المواطنين، فهو إجراء شكلي لا فائدة منه، حيث تم تحديد ساعات الحجر ما بين الساعة السادسة مساءً والسادسة صباحاً، في حين تشهد المدينة ازدحاماً خانقاً في ساعات الصباح، في المحال التجارية التي لم يتم ضبط آليات التعامل فيها بما يضمن سلامة المواطنين.
وعندما يحل المساء، فإن الإجراءات المتبعة لضبط الحجر تبدو أكثر اعتباطية، حيث أعطى النظام لعناصره الأمنية على الحواجز أو التي تجول في الطرقات صلاحيات مفتوحة لإيقاف أي مخالف للحظر، من دون أن يذكر لعناصره الاستثناءات التي تسمح للمواطنين بتخطي الحظر في الحالات الصحية الحرجة. وقد جرى اعتقال العشرات على هذه النقاط الأمنية في الأيام الماضية من قبل عناصر أمن لا يدركون الفرق ما بين الحجر الصحي والملاحقة الأمنية.
وقال مصدر من دمشق ل”المدن”: “قبل يومين اضطررت إلى خرق الحظر عند الساعة التاسعة ليلاً لنقل زوجتي إلى المشفى بحالة طارئة، إلا أن عناصر الحاجز في منطقتنا أصروا على احتجازي واحتجاز سيارتي. مثلت أمام القاضي في صباح اليوم التالي بتهمة خرقي لتعليمات الحجر الصحي، وعندما علم القاضي بقصتي وبّخ العساكر، ليأتيه الرد أمامي بأنه ليس هناك تعليمات واضحة لهم بالاستثناءات التي يمكن من خلالها التنقل خلال فترة الحظر الصحي”.
وقد خصص النظام السوري خطاً ساخناً لوزارة الصحة وأوصى بالإبلاغ عن أي حالة أو أعراض مشتبه للإصابة بفيروس كورونا، ولكن الإجراءات التي أعقبت ذلك تسببت ببث الذعر في قلوب المواطنين؛ وفي هذا السياق يذكر مصدر ل”المدن”، أن “هناك فتاة في ضاحية قدسيا ظهرت عليها أعراض الإصابة، فقامت عائلتها بالتواصل مع الخط الساخن، وبعد أخذ المعلومات من الأهل عن وضع الفتاة وأعراضها، طمأنوهم بأنه خلال ساعة من الزمان سوف يصل إلى منزلهم فريق طبي لفحص الفتاة، وشددوا على ضرورة تواجد جميع أفراد المنزل لفحصهم. وخلال أقل من ساعة توجهت إلى منزلهم سيارة من الأمن السياسي، مع عدد من عناصر الأمن المسلحين ليأخذوا الفتاة وأهلها بالقوة أمام الجميع إلى الحجر الصحي دون أن يتم فحصهم، ودون معرفة أي تفاصيل عن مكان هذا الحجر والمدة الزمنية التي ستمكثها العائلة في الحجر”.
تجهيز ملعب الفيحاء بدمشق للحجر الصحي
أما عن أماكن الحجر الصحي في سوريا، فهي لا تزال إلى اليوم مجهولة باستثناء مركز الحجر الصحي الذي أقيم في منطقة الدوير قي ريف دمشق وتم تسريب صوره إعلامياً، مما دفع النظام إلى الاعتراف به. لكن النظام بالعموم يتحفظ على التصريح عن أي معلومات تخص أماكن الحجر وجاهزيتها الطبية. ومع ذلك فإن ناشطين سوريين من الداخل يحاولون أن يوثقوا الوضع الصحي في سوريا في ظل تكتم الدولة، التي لم تعترف حتى اليوم سوى بوجود 9 حالات على أراضيها.
ونشر ناشطون صوراً توثق التجهيزات التي يقوم بها النظام ليحولوا ملعب الفيحاء الرياضي بدمشق إلى مركز الحجر الصحي، وهو ما يوحي بخطورة الظرف الصحي في دمشق وجديته. وقال مصدر من أحد المشافي الخاصة ل”المدن”: “هناك قرار عمّم على جميع المشافي بمنع استقبال أي حالات اشتباه بإصابته في الفيروس ضمن المشافي الخاصة، وحصر استقبال هذه الحالات بالمشافي الحكومية، تحت ذريعة الحفاظ على المصداقية والشفافية بعدد الحالات المصابة”.
المصدر: المدن