لم يعد مفاجئاً أن يجاهر بعض المحسوبين على الثقافة من سوريين وعرب بتأييدهم لبشار الأسد، والتهليل لجيشه الذي انتصر على الشعب في مجزرة يندى لها جبين العالم، ولكن يبقى التعويل على النخب التي ظُلمت، وعانت ما عاناه السوريون من تهجير ونفي.
بالأمس يكتب الشاعر العراقي سعدي يوسف- أحد الذين لجؤوا إلى سوريا عام 1979هارباً مما كان يسميه الطاغية صدام حسين ونظام البعث- عن السوريين الهاربين من جور الأسد ومنعتهم الجزائر من دخول أراضيها، وتحدثت أخبار عن اختفائهم في صحراء الجزائر.
المنشور الذي يقطر حقداً يبدأ بعنوان غبي وتحريضي: (الجنرال بُرهان غليون يرسلُ جنودَه إلى الجزائر)، ويضيف يوسف: (أعلنت المصادرُ الرسمية في الجزائر العاصمة، أن هناك حشوداً في جنوبيّ الصحراء الجزائرية، مكوَّنةً من سوريّين كانوا في حلب، تريدُ التسلُّلَ إلى الجزائر).
لا يكتفي “سعدي يوسف” بنقل الرواية الجزائرية المغرضة، بل يستذكر الحرب الأهلية الجزائرية للإشارة إلى أن هؤلاء إرهابيون سوريون من النمط الذي حاربوه هناك كمتشددين إسلاميين: (الحقُّ أن علينا العودة إلى سنين سبِقَتْ ما اصطُلِحَ عليه في الجزائر “العشريّة” أي السنين العشر العِجاف التي كبّدت الجزائر تضحياتٍ كبرى، من الجيش الوطني الشعبي، وضُبّاطه، أبناءِ الشهداء، دفاعاً عن الوطن، في محاولةٍ فرنسيّةٍ خبيثةٍ ، تحت لواء الإسلام ، لاستعادة الجزائر).
ثم يبدأ الحاقد سعدي بنسب صفات على برهان غليون على أنه كان مستشاراً لعباس مدني القيادي الإسلامي الجزائري، ويعقب ذلك بالمديح لانتصار الجيش الأسدي وهروب الإرهابين ومنهم هؤلاء التائهين في صحرائها: (بعد صمود سوريّا العروبة، وجيشِها، الجيشِ العربيّ السوريّ، وهزيمةِ المرتزقة، ومن بينهم مرتزقة فرنسا، يرسلُ الجنرال بُرهان غليون فلولَه من حلب إلى الجزائر عبرَ المحميّات الفرنسية جنوبيّ الصحراء).
توليف حكاية غريبة للنيل من اللاجئين واتهامهم إلى الإرهاب والتحريض على قتلهم يبدو أنها صارت مهنة بعض المثقفين والنخب العربية، وهذا ما نراه في كل دول الربيع العربي التي بدا فيها اصطفاف هؤلاء مع الطغاة.
ومن الطبيعي أن ينبري بعض الأحرار من العرب والسوريين لهذا التزييف والتخريض فيرد أحدهم على المنشور: (هل يعقل شخص عاقل ويدعي انه شاعر الحرية والانسانية يقف مع من ساهم في قتل مليون من الشعب السوري وارتكب مجازر في لبنان والعراق …..للحديث بقية).
آخر استغرب الخلط والدس المتعمد وإطلاق لقب جنرال على برهان غليون: (تعرف فخري كريم الي نهب حسابات الحزب الشيوعي وانت تلميذ عنده وماعم تفرق بين غليون استاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة السوربون).
كما لم تخل الردود من شتائم واتهامات لسعدي يوسف واليسار العراقي الذي يحابي القتلة في دمشق، وآخرون استغربوا هذه الانعطافة من رجل كان يدعي ثورته على الظلم: ( كيف اصبحت شاعر وانت تقف مع مجرم قتل مليون انسان اين انسانيتك ياابن الرافدين).
أجد المعلقين اختصر حكاية ما يجري في سوريا، وأن كل ما تبثه النخب العربية هو دفاع عن الطاغية، وغباء في توصف الحالة السورية: (سوريا محتلة يا غبي).
المصدر: زمان الوصل
5 كانون الثاني 2019