يقول محمود درويش: حاصر حصارك لا مفرّ/ واضرب عدوك لا مفرّ/ سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوك لا مفرّ/ وسقطت قربك فالتقطني واضرب عدوك بي/ فأنت الآن حرٌ وحرُّ.
ويكتب الباحث الإسباني جيرمان تورريس لوبيث، في صحيفة عالم العمال، يوم 18 مايو/ أيار الحالي، أن أسس الشرق الأوسط الكبير قد تأسست في ميثاق كوينسي (1945)، في أعقاب اتفاقية سايكس بيكو الفرنسية البريطانية لعام 1916، والتي فضلت التقسيم الإقليمي للسلطة في مناطق النفوذ، وأن الاتفاقية تمخضت، وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، عن ضمان بقاء دولة إسرائيل (1948). وبعد حرب يونيو/ حزيران 1967، اكتمل الحلم الأميركي البريطاني الجيوستراتيجي للشرق الأوسط المتمثل بإنشاء أنظمة استبدادية وموالية للغرب في ليبيا وسورية والأردن والسعودية والعراق وإيران، وبترك الفلسطينيين محصورين في أحياء الضفة الغربية وغزة.
تتباهى الفضائية السورية بعرس انتخابات البلاد المدمرة بالكامل، عرس الفساد والجوع والعتمة والسرقات والاقتتال الطائفي الممنهج من النظام وعصابته
وفي مثار للسخرية وللتوجع، يتباهى الإعلام السوري اليوم بأن النظام الحاكم في دمشق أطلق بضعة صواريخ باتجاه أراضي فلسطين، وقع معظمها في الأراضي السورية، وذلك ربما لأن ذاكرة صواريخ نظام الأسد لم تعد تعرف سوى مدن سورية وبلداتها التي دمرها هذا النظام الديكتاتوري فوق رؤوس سكانها، فقط لأنهم اقترفوا حلم الخلاص من دولة المخابرات والفساد التي بناها الأسد الأب ثم الابن خمسين عاما، وبكل جدارة.
يتباهى النظام الديكتاتوري السوري ويتبجح كأنه هو من أشعل الانتفاضة الثالثة في فلسطين، أو كأن صواريخ إسرائيل لم تنتهك أكثر من مائة مرة عمق الأراضي السورية خلال السنوات السبع الأخيرة، محقّقة إصابات بالغة لأهدافها الدقيقة من دون أي رد من هذا النظام وصواريخه التي فقدت بوصلتها منذ خمسين عاما أيضا، ومتناسيا دوره السابق الوضيع في مجزرة تل الزعتر بحق الفلسطينيين في لبنان، وفي ترحيل الفلسطينيين من لبنان. ومتغاضيا، عن سابق إصرار وتصميم، عن دوره الحالي المرعب في قتل الفلسطينيين الذين يعيشون في سورية واعتقالهم وتشريدهم، وقصفه بيوت مخيم اليرموك بالقرب من دمشق، وكأن سكان هذا المخيم ليسوا فلسطينيين، بل كأنهم قادمون من مجرّة أخرى، أو كأنه أحرص منهم على حياتهم البائسة، فقرّر أن يريحهم منها إلى الأبد.
تتباهى الفضائية السورية بعرس انتخابات البلاد المدمرة بالكامل، عرس من دون عريس أو عروس، عرس الفساد والجوع والعتمة والسرقات والاقتتال الطائفي الممنهج من النظام وعصابته، عرس الموت ثم الموت. تنسى هذه القناة التلفزيونية أن مركز توثيق المعتقلين والمفقودين الفلسطينيّين في سورية وثقهم، في تقرير له أخيرا، في سجون النّظام في عام 2020 بـ12 ألفاً و492 معتقلًا، ومنع ذويهم من معرفة أمكنة اعتقالهم. فضلا عن حالات اعتقال بحقّ أهالي هؤلاء المعتقلين أنفسهم، بعد ذهابهم إلى الأفرع الأمنيّة الكثيرة والمتعدّدة للاستفسار عن مصير أبنائهم. وأشار إلى أن النّظام السّوري يُمارس بحقّ المعتقلين أقسى أنواع التّعذيب، كونهم فلسطينيّين فقط.
ينسى النظام السوري وجود 789 طفلاً فلسطينيًّا في سجونه، بينهم عشرات الأطفال دون خمسة أعوام، يتعرّضون لانتهاكاتٍ مُفجعة
ترقص الفضائية السورية على أنغام العرس الوطني الديمقراطي، وتفخر بصواريخها الفارغة باتجاه إسرائيل وتتبجح بدعم الحرية والفلسطينيين، وتستغرب كيف يضرب الإسرائيليون النساء ويقتلون الأطفال في فلسطين، وتتناسى أن تقرير المركز جاء على وجود 613 معتقلة فلسطينيّة في سجون النّظام، يعانين الاغتصاب والتّعذيب أمام أزواجهنّ أو أولادهنّ، لإجبارهن على الاعتراف بالتّهم الملفّقة لهن، وأن 38 منهنّ توفين جرّاء الاغتصاب المتكرّر، وسوء التّغذيّة، والتّعذيب الجسدي. وينسى أن 789 طفلاً فلسطينيًّا في سجون النّظام، بينهم عشرات الأطفال دون خمسة أعوام، يتعرّضون لانتهاكاتٍ مُفجعة.
تدين اليوم قناة النظام السوري الفضائية همجية إسرائيل بحق الفلسطينيين، وتنسى أن 593 شهيدا فلسطينيا قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد ومسالخه، منهم “77 لاجئاً فلسطينياً تم التعرف إلى جثامينهم عبر صور قيصر المسرّبة لضحايا التعذيب في سجون النظام السوري”.
نعم هو العهر، يا محمود درويش، هو العهر في أنظمة ديكتاتورية لا تزال تقتل شعوبها وتتاجر بدمائكم. يا كل الفلسطينيين، الكل يتسابق لقتلكم، كي لا تفضحهم عيونكم وابتسامتكم، وتلك القوة الطالعة من قلوبكم النازفة. لا إخوة للفلسطيني وليس للفلسطيني إلا يده، نعم ليس للفلسطيني إلا صدره يهجم به على الرصاص وينتصر. “لا أحد في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيان/ لا أحد/ فاجعل كل متراس بلد/ هي هجرة أخرى، فلا تكتب وصيتك الأخيرة والسلاما/ واسحب حذاءك عن بلاط الحكم العربي/ حتى لا يعلقها وساما/ لا إخوة لك يا أخي/ لا أصدقاء يا صديقي/ لا أحد/ كم كنت وحدك يا ابن أمي/ كم كنت وحدك”.
المصدر: العربي الجديد