حفل اللقاء الذي أجراه تلفزيون سوريا مع الدكتور رياض حجاب، والذي عرض مساء الأحد، بالعديد من النقاط التي من المهم التوقف عندها بالنسبة لكل المهتمين بقراءة المشهد السوري، وعلى وجه الخصوص مستقبل هذا الملف ومآلاته.
اللقاء الذي عرض في برنامج “منتدى دمشق” يمكن القول إنه أعاد روح التفاؤل إلى السوريين بإمكانية الخروج من عنق الزجاجة، في ظل اليأس الذي يسيطر على الجميع اليوم مع استمرار تعنت النظام وحلفائه، وعدم توافق القوى العظمى على حل.
موقف سبق لحجاب أن عبر عنه في لقائه الأخير مع قناة الجزيرة قبل شهرين، لكنه في المقابلة مع تلفزيون سوريا كان أكثر تفصيلاً ووضوحاً حين كشف عن تحركات تجري خلف الكواليس من أجل التوصل إلى حل سياسي للمسألة السورية، وفق قرارات مجلس الأمن الدولي وخاصة القرار 2254.
يقول حجاب: بسبب التحولات الكبيرة في المنطقة وعلى مستوى العالم، عاد الملف السوري إلى الواجهة بقوة بعد أن تراجع الاهتمام به خلال السنوات الماضية، وهناك تواصُل خلف الأضواء حول الملف السوري، نتمنى أن يثمر عن حل.
هذا التفاؤل المبني على تحركات أعطى رئيس الوزراء المنشق إشارات واضحة حولها: فهي تحركات عربية بالدرجة الأولى، تتم مع الدول الفاعلة في الملف السوري، كما أنها تختلف عن توجهات بعض الدول للتطبيع مع النظام وإعادته إلى جامعة الدول العربية، والتي تعتبر بمثابة مكافأة للأسد على كل ما ارتكبه من قتل وتدمير، كما أنها لن تؤدي إلى النتائج التي يقول أصحابها أنهم يهدفون إلى أن تتحقق من ورائها، وهي إبعاد النظام عن إيران.
“لا يمكن للأسد أن يتخلى عن إيران” جملة كررها حجاب في اللقاء، مستشهداً بعبارة سمعها من رئيس النظام شخصياً قبل انشقاقه عام 2012، حيث أكد الأسد أنه إذا أجبر على المفاضلة بين موسكو وطهران فسيختار طهران، التي استطاعت أن توطن اليوم أكثر من مئة وثلاثين ألفاً من أفراد ميليشياتها بعد أن استحصلت على الجنسية السورية لهم، من أجل دعم مشروع تمددها الفارسي في المنطقة، كما يكشف حجاب.
اللافت هنا هو الموقف الروسي الذي نبه ضيف المنتدى إلى أنه لا يمكن التعويل عليه، مستذكراً أيضاً مضمون لقائه مع وزير خارجية الكرملين سيرغي لافروف بعد خروجه من دمشق عام 2012، ومواقف روسيا التي كان مطلعاً عليها قبل انشقاقه، وهي مواقف شجعت الأسد على المضي قدماً في خياراته الدموية في التعامل مع الشعب السوري وثورته.
فعلى الرغم من تناقض المشروع الإيراني مع المصالح الروسية في سوريا، من حيث رغبة موسكو في الحفاظ على مؤسسات الدولة وفي الوقت نفسه الحفاظ على النظام، مقابل سعي طهران لتقويض هذه المؤسسات على اعتبار أن مشروعها لا يمكن أن يتحقق؛ إلا على أنقاض الفوضى، كما يحدث في الدول العربية الأخرى التي باتت تهيمن عليها، إلا أن روسيا، كما كرر حجاب، مصرة على ألا ترى سوريا إلا من خلال الأسد.
إذاً كيف يمكن أن ينجح أي حراك ديبلوماسي في الوصول إلى حل عادل؟
يؤكد حجاب أن الحراك العربي الذي يتبلور منذ أشهر، والذي يتزامن مع توجهات تركيا للمصالحة مع محيطها العربي، سيكون له دور فاعل في إنتاج مثل هذا الحل، خاصة إذا ما أنجزت الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة حول سوريا، والتي يرى بشكل قاطع أنها لن تتضمن تقديم أي تنازلات تسمح بإعادة إنتاج النظام أو التطبيع معه، كما يعتقد أن وجود شخصيات سبق أن عملت في هذا الملف في السنوات الماضية يضمن أن واشنطن لن تكرر خطأ أوباما عندما استخدم القضية السورية كأداة مساومة مع إيران خلال مفاوضات التوصل لاتفاق معها حول الملف النووي عام 2015.
ويضيف إلى تفاؤله بالموقف الأميركي الموقف الأوروبي المتكرر حول عدم إمكانية التطبيع مع النظام ورفض الانتخابات الرئاسية التي سيجريها نهاية أيار، والتمسك بعدم المشاركة بعملية إعادة الإعمار قبل تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا، للتأكيد على أن تفاعل الإرادة الدولية بهذا الاتجاه سيؤدي إلى إجبار النظام وحلفائه على الرضوخ، بعد أن راهنت كل من موسكو وطهران ودمشق على تغير الموقف الدولي طيلة الوقت الماضي وهو ما لم ولن يتحقق.
حل خارجي خالص، يرسخ حقيقة أن الأمور خرجت من يد السوريين، على الأقل حتى الآن، ولذلك كان من المهم أن يشدد حجاب في اللقاء على ضرورة إصلاح مؤسسات المعارضة الرسمية “التي تعاني من الترهل والفشل، نتيجة عدم التواصل الكافي مع السوريين”، كما قال، وهذا الإصلاح يبدأ “من خلال فتح أبواب هذه المؤسسات لكي تنضم إليها كل القوى السياسية وتلك التي تمثل المجتمع المدني التي أثبتت فاعليتها، بعيداً عن المحاصصة السياسية أو الطائفية”.
لذلك فقد أصاب حجاب عندما أشار إلى ضرورة أن تجري المعارضة مراجعات شاملة وأن تتوقف عن تقاذف التهم فيما بينها والتهرب من تحمل المسؤوليات، وأن تبدأ العمل بشكل جدي من أجل الإصلاح استعداداً للمراحل القادمة.
لكن ما هو الشكل الذي ستكون عليه سوريا في المراحل القادمة؟.. هل نحن في اتجاه تقسيم الدولة، أم أمام ضرورة تطبيق نظام حكم إداري جديد يستجيب لواقع الحال والمتغيرات التي فرضت نفسها اليوم؟
كما كان متوقعاً، فإن حجاب أكد التمسك بوحدة سوريا، وشدد على أنه رغم كل الانقسامات التي يعاني منها السوريون سياسياً واجتماعياً، إلا أن ما يوحدهم اليوم هو (المعاناة) التي يعيشها الجميع، خارج البلاد أو داخلها، وسواء كانوا في مناطق سيطرة النظام أم خارجها، بمختلف قومياتهم وطوائفهم، وهذه المعاناة المتفاقمة هي ما يجب أن يدفعهم للعمل المشترك من أجل مستقبلهم والتخلص من هذا “الوضع الطارئ” الذي يعيشونه اليوم، “فالشعب السوري واحد، هذا ما أكدت عليه أول شعارات الثورة، وهذا ما يجب أن يبقى واضحاً” كما يقول.
لا شك أن الدكتور رياض حجاب لم يجب عن كل الأسئلة التي تدور في أذهاننا، لكنه تمكن من إحياء روح التفاؤل مجدداً بعد أن سيطر اليأس والاستسلام على السوريين، وهو أمر طبيعي في ظل عقد من الخيبات المستمرة، لكن ما نجح به في هذا اللقاء هو أنه استطاع أن يستعيد فكر الثورة ومبادئها، مصاغة بوعي رجل الدولة الذي إذا ما اتفق السوريون على شيء اليوم، فإنهم سيتفقون على أنهم بحاجة إلى رجال دولة يقودونهم للخلاص، بعد أن أرهقهم العبث والتجريب.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا