تسربت مقابلة لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مساء الأحد، إلى مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية في الخارج، تحدث فيها عن دور قائد “فيلق القدس” السابق، الجنرال قاسم سليماني في السياسة الخارجية الإيرانية، ومساعي روسيا التوصل لإفشال المفاوضات النووية التي انتهت إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015 و”تدمير” الاتفاق نفسه.
وتصل مدة المقابلة التي تسربت صوتياً من دون صورة إلى أكثر من 3 ساعات، أجراها ظريف مع الاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز، يوم 24 فبراير/شباط 2021 في إطار برنامج تسجيل “التاريخ الشفهي لحكومة الحكمة والأمل” في إشارة إلى حكومة الرئيس حسن روحاني، التي تنتهي ولايتها بعد نحو 100 يوم.
وقال ظريف، في المقابلة المسرّبة، إن “الميدان” له الكلمة الأولى في السياسة الخارجية، مضيفاً “أنني والقائد سليماني لم نكونا متفقين في كل شيء بالضرورة، لكننا كنا نشعر بأنه علينا أن ننسق مع البعض وكنا نفعل ذلك، وأقول بجرأة إنني أنفقت الدبلوماسية لأجل الميدان (ساحة المعركة) أكثر من أن يضحي الميدان للدبلوماسية”.
وأضاف “خلال عملي، لم استطع، وليس لأنه لم أرغب، من أن أطلب من قائد الميدان أن يفعل فلان عمل، لأنني بحاجة إليه في الدبلوماسية، وفي كل مرة كنت أذهب إلى التفاوض، كان الشهيد سليماني هو الذي يقول خذ هذه النقاط في الاعتبار، كان يقول لي وأنت تذهب للتفاوض (حول سورية) مع لافروف (وزير الخارجية الروسي) أطلب منه كذا وكذا وكذا”.
وأضاف أنه “أمّا أنا، فأطلب منه مثلاً ألا يستخدم طائرات إيران أير (الطيران الحكومي) بين إيران وسورية، لكن لم يكن يقبل”، موضحاً أن “الكثير من التكاليف الدبلوماسية التي تحملناها كانت بسبب أن الميدان كان له الأولوية للنظام وإلى هذا المستوى تم التضحية بالدبلوماسية لأجل الميدان، وهذا نتيجة أن يكون القرار بيد الميدان”.
وأردف قائلاً إنه، بعد إبرام الاتفاق النووي عام 2015 ورفع شركة الطيران الإيرانية الحكومية من قائمة العقوبات الأميركية، “أضيفت طائرات الشركة إلى الرحلات لسورية”، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أبلغه أنه بعد رفع العقوبات زادت رحلات شركة “هما” للطيران الحكومية إلى سورية 6 أضعاف.
وأضاف أنه أخبر كيري بأن “ذلك غير صحيح وأن شركة ماهان تسيّر هذه الرحلات”، مشيراً إلى بحثه الأمر ومعرفته لاحقاً أن تصريحات كيري صحيحة، لافتاً إلى أنه سأل سليماني الذي اغتالته واشنطن في ضربة جوية مطلع العام الماضي في بغداد، بعد أن التقاه، عن استخدام طائرات “هما” وعدم استخدام طائرات شركة “ماهان” كما في السابق، ليرد لأن “هما” أكثر أمانا”، للتدليل على أن “الميدان هو الأساس”.
العلاقات مع سليماني
وعن علاقته بسليماني، قال إنها كانت “علاقات صداقة قوية”، متحدثاً أنه كان يلتقي به كل أسبوع مرة واحدة، وقال إن “الشعب الإيراني يحبذون البطولية في المنطقة، وأنهم بين الدبلوماسية وهذه البطولية يحبذون الأخيرة”.
ولفت إلى أنه، حسب نتائج الاستطلاعات من 2016 حتى 2020 “انخفضت شعبيتي من 90 بالمائة إلى 60 بالمائة، وارتفعت شعبية الشهيد سليماني إلى 90 بالمائة”، مؤكداً أن البلاد تلقت “ضربة كبيرة” بعد اغتياله.
وأضاف أن اغتيال سليماني “وجّه البلاد ضربة كانت أكبر من تدمير مدينة”، مشيراً إلى أن المرشد الإيراني الأعلى كان المنسق بينه وبين سليماني، وفق ما أورده نادي “المراسلين الشباب” حول أجزاء أخرى من المقابلة.
وأضاف أنه بعد توليه الخارجية عام 2013، وقبل بدء مباحثات الاتفاق النووي، سألت سليماني “ماذا نفعل مع المنطقة؟ ولدينا خلافات مع السعودية في أربعة مجالات وعلينا حل هذه الخلافات، في البحرين والعراق وسورية ولبنان والراحل سليماني، قال كذلك اليمن، وذلك قبل أن تبدأ الأزمة اليمنية”.
وبيّن أنه توجّه إلى سليماني قائلاً “اذا رفض السعوديون الحوار معي، هل أنت جاهز للتفاوض معهم، فقال نعم، وأنا وجّهت رسالة شفهية إلى السعوديين، وأعلنت فيها عن استعدادنا للتفاوض على هذه الأصعدة، لكن سعود الفيصل رد أن لا دخل لكم بالعالم العربي”.
الاتفاق النووي وروسيا
وفي جزء آخر من المقابلة، يتطرق وزير الخارجية الإيراني إلى موقف روسيا من المفاوضات النووية التي تُوجت بالاتفاق النووي عام 2015 والاتفاق نفسه، متهماً موسكو بالسعي إلى إفشال المفاوضات وتدمير الاتفاق.
وقال إن “الروس لم يتوقعوا أن يتم الوصول إلى الاتفاق النووي، وفي الأسابيع الأخيرة من المفاوضات عندما وجدوا أنها ستتوصل إلى النتيجة بدأوا بتقديم مقترحات جديدة” لعرقلة الوصول إلى الاتفاق.
وأشار إلى أن روسيا وفرنسا اقترحتا إجبار إيران على الحصول على تصريح من مجلس الأمن لتمديد الاتفاق النووي كل ستة أشهر مرة واحدة، أي “أن تضطر إيران للتفاوض كل ستة أشهر مع خمسة الأعضاء الدائمين والـ10 الأعضاء غير الدائمين في المجلس لتمديد الاتفاق”.
وكدليل على هذا الانزعاج الروسي، أشار إلى غياب وزير الخارجية الروسي في الصورة المعروفة التي جمعت وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتفاق النووي بعد دقائق من التوصل إليه في لوزان السويسرية.
وأضاف ظريف أنه من مؤيدي تطوير العلاقات مع روسيا والصين، لأهمية البلدين، غير أنه أكد أن “من صالح روسيا ألا تكون هناك أزمة في علاقاتنا مع الغرب، لكنها لا ترغب بتطبيع علاقاتنا مع الغرب لسببين، الأول لأنه إذا لم تكن إيران أولوية لإدارة ترامب، لكانت أولويته الصين وروسيا، وعندما تصبح إيران الأولوية تتهمش بقية الأولويات، وثانيا إذا احتجنا إلى روسيا والصين لأجل العداء مع الغرب، فهما ليستا مضطرين لمعاداة أحد لأجلنا، ويمكنهما الحصول على منافع أكثر من خلال تأزم علاقاتنا مع الغرب”.
وأوضح أن روسيا قبل الوصول إلى الاتفاق بثلاثة أشهر وبعدما علم باقترابه، حاولت “بكل ثقله” عرقلته، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الروسي حاول عشية المباحثات وقفها، وأنه أبلغ كيري ومنسقة السياسة الخارجية الأوروبية السابقة فيدريكا موغريني بأنه سيغادر المباحثات ويعود بعد أربعة أيام.
وأضاف ظريف أنه عشية الاتفاق دخل على اجتماع للافروف وكيري وموغريني، مخبراً وزير الخارجية الأميركي الأسبق أنه لن يقبل بما طرحه من نقاط جديدة “حينئذ لافروف، قال أنت إذا ما عندك تعليمات، فلنغادر نحن وننتظر حتى تأتي بتعليمات، هنا غضبت كثيرا منه وخاطبت بكلمة حادة وقلت لا دخل لك بالأمر بتاتا”.
واستطرد قائلاً إن موافقة روسيا على زيارة الجنرال سليماني لها جاءت بعد الاتفاق النووي، نافياً أن يكون تدخل روسيا في سورية بسبب طلب سليماني من بوتين، وقال إن الرئيس الروسي كان قد اتخذ قراره وأرسل السلاح الجوي إلى سورية قبل الزيارة.
وبيّن أن “بوتين قد دخل الحرب بسلاح الجو، لكنه جرّ القوة البرية الإيرانية أيضاً إلى الحرب، لم تكن لدينا قوة برية هناك حتى ذلك الوقت، والسوريون والعرب والأفغان المتطوعين هم الذين كانوا متواجدين”.
وأضاف أنه بعد التوقيع على الاتفاق النووي يوم 14 يوليو/تموز 2015 حتى بدء تنفيذه يوم 16 يناير/كانون الثاني 2016، وقعت سلسلة أحداث وجهت “ضربات” للاتفاق.
وأشار، في السياق، إلى “التطورات مع روسيا وما بعدها والأحداث التي وقعت في المنطقة ومهاجمة السفارة السعودية (في طهران) وكتابة شعار محو إسرائيل عن الوجود على الصواريخ واحتجاز زورقين أميركيين” في الخليج عام 2016 من قبل “الحرس الثوري” واعتقال 10 بحارين أميركيين. ولفت إلى أن “كل ذلك حصل حتى لا ينجح الاتفاق النووي”.
بيان الخارجية
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، علق عليه سريعاً على تسريب المقابلة وتصريحات ظريف بشأن الجنرال سليماني، قائلاً إن “الملف المسرّب مقطع ومنتقى من مقابلة داخلية مدتها 7 ساعات”، مؤكداً أن التسريبات “لا تعكس مدى الاحترام الكبير والإشادات الكثيرة التي أبداها هو، خلال الحوار، للقائد سليماني”.
وأضاف أن “الصداقة القديمة بين الدكتور ظريف والقائد سليماني لا تخفى على أحد، وهذه المقابلة سجلت فقط لأجل تسجيلها في أرشيف حكومة الحكمة والأمل ولم يكن مقرراً نشرها وليس واضحاً من نشرها وبأي أهداف ودوافع بصورة انتقائية على العالم الافتراضي”. وقال إنه “في حال موافقة السلطات المعنية سيتم نشر كل الحوار الذي تصل مدته إلى 7 ساعات”.
دوافع التسريب
ويثير تسريب المقابلة مع ظريف تساؤلات بشأن دوافع هذا التسريب وتوقيته، فهناك من ربطها بالانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراءها يوم 18 يونيو/حزيران المقبل ومن ربطها بالمباحثات الجارية في فيينا والضغوط التي يتعرض لها المفاوضون الإيرانيون من قبل المحافظين.
ثمة رأي يقول إن الهدف هو الدفع باتجاه رفض ترشح ظريف في هذه الانتخابات من خلال هذا التسريب، متهمين جهات محافظة بذلك، لكن هناك أوساط محافظة أيضاً تتهم الحكومة بذلك رداً على الضغوط التي تتعرض لها بسبب المباحثات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة في فيينا.
وقال البرلماني المحافظ عن دائرة مشهد شرقي إيران، نصر الله بجمانفر لوكالة “فارس” الإيرانية إن “على هؤلاء الأفراد أن يعلموا أن سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي مقارعة الاستكبار وعلى رأسهم أميركا المتغطرسة والمتعطشة لنهب العالم”، متهماً ظريف بطرح قضايا “تشكل خطوط حمراء للجمهورية الإسلامية”، مع اتهامه بجهل هذه الخطوط.
كما أن البرلماني الآخر روح الله متفكر قال في تغريدة عبر “تويتر” إن “رسالة السيد ظريف واضحة جداً، إما إن تسمحوا لي بمفاوضات جديدة (مع أميركا) أيا كانت، أو سأرشح نفسي للرئاسة”.
المصدر: العربي الجديد