فقدت الحركة الوطنية السورية في الأيام الماضية أربعة من قاماتها الوطنية الرفيعة عطاء وإلتزامًا وإخلاصًا وتضحية ليس فقط في السنوات العشر الأخيرة التي هي عمر ثورة الشعب السوري ضد نظام القهر والإستبداد والفساد؛ وإنما منذ ما يقارب خمس عقود هي عمر تغول ذلك النظام وبطشه بكل صوت وطني حر وبكل حركة شعبية وكل مطالبة بإصلاح أو بإلغاء قبضة الرعب الأمنية عن رقاب السوريين.. حبيب عيسى، ميشيل كيلو، تيسير الحاج حسين وأخيرًا محمد خليفة، أربعة مناضلين أشداء على الظلم والقهر ما توقفوا يومًا عن مقارعة نظام الإستبداد المأجور.. دفعوا من حياتهم أثمانًا باهظة…ليس أقلها النفي والحصار والخناق ..أربع شهداء قضوا وهم صامدون ما هادنوا الظلم ولا إستكانوا لجبروته..أربع شهداء ليسوا الأوائل فقد سبقهم على طريق الجلجلة عشرات آلاف الشهداء من أبناء سورية العظيمة من كل المناطق والمستويات والإتجاهات…اشتركوا في هم واحد مشترك جمعهم جميعًا: تحرير سورية وشعبها من الجلادين المأجورين وإستعادة حريتها وسيادتها على أرضها وقرارها ومواردها.
وكما جمعتهم قضيتهم في موقع واحد وهم أحياء فإستشهدوا في سبيلها، ها هو الموت يجمعهم بالحزن والعزاء والمواساة على أرواحهم ومن سبقوهم في الشهادة…هذا الموت الذي بدا سريعًا مستعجلًا مفاجئًا، وكأنه جاء نذيرًا يخاطب من بقي حيًا من طلائع الشعب السوري ونخبه الوطنية الناشطة الحرة ..وكأنه يقول لهم: أرأيتم ما أسرع الموت وما أسبقه إلى الإنسان دونما استعداد ودونما استنفاذ فرص العطاء والتضحية والعمل..ماتوا جميعًا وفي صدورهم الكثير من حب الوطن وعشق الحرية الذي كان ممكنًا تجسيده في مزيد من العطاء ومزيد من العمل لتحرير سورية من أعداء الداخل وأعداء الخارج معًا..داهمهم الموت ولم تكتحل عيونهم برؤية أرض سورية التي دافعوا عنها بعنفوان المؤمنين المجاهدين…فلم تتحرر سورية بعد فيدفن أغلبهم خارج الأرض التي ينتمون إليها حبًا وولاء وعطاء…أليست مأساة جديدة تضاف إلى مآسي الشعب المنكوب بسلاطينه المجرمين ونظامه القاهر لهم والمأجور لأعدائهم ؟؟
الموت مناسبة ليتعظ الأحياء فهل نحن فاعلون ؟؟
لتكن هذه الأحزان المتجددة نداء لجميع الوطنيين السوريين لتدارك الواقع الراهن وما فيه من تعثر ونكبات وتشتت وبعثرة ومعاناة على صعيد الناس والأهل؛ ومن احتلالات وتسلط وعدوان على الأرض والسيادة والوطن… هذا الواقع الذي يحتاج إلى تلاحم كل الوطنيين السوريين في جسم واحد ينافح عن ناسهم وأهلهم وأرضهم وعن وجودهم هم ذاتهم ويرد عنهم العدوان الذي تمادى حتى صار كأنه قدر محتوم سكت الكثيرون عن مجابهته.
إخوتنا في قوى وتيارات ومواقع ومنابر ومنصات العمل الوطني في كل مكان..في سورية وفي بلاد التشتت والمغترب؛ سورية بحاجة شديدة الإلحاح لوحدتنا جميعًا لإنقاذها من نظامها المجرم أولًا ومن العدوان الخارجي الإحتلالي بكل أذرعه والذي يقتسم سورية ومواردها وسيادتها ويقسمها ويوزعها حصصًا على قواته وقواه المحلية .. سورية محتاجة إلينا الآن وليس غدًا وأكثر من أي وقت مضى لنكون صفًا واحدًا لإنقاذ أنفسنا وشعبنا وأهلنا وأرضنا..سورية التي نحلم ونناضل لأجلها منذ عقود متواصلة مهددة بالتقسيم والتشتت والضياع في مطامع القوى المعادية لها المعتدية عليها.
إن القوى الدولية التي خادعت الشعب السوري وتدخلت بشتى الوسائل لإفشال ثورته واخترعت عشرات الأدوات المحلية لتحريف الثورة وتفريغها من كل مضمون إنساني حضاري وطني متحرر من التبعية والوصاية الخارجية؛ تتبادل الأدوار والمصالح والمنافع والحصص وترسم مستقبلًا لسورية بعيدًا عن إرادة شعبها وعن مشاركته أصلًا..ولن تنتج إلا تسويات مؤذية مخربة لغير صالح الشعب والوطن والإنسان..فماذا نحن منتظرون ؟؟
في كل الحوارات الدولية يُغيبِّون الشعب السوري وهم يقررون مصيره ومستقبله..والسبب أن كتلته الوطنية ليست حاضرة فاعلة لأنها ليست موحدة..ويتصدر المشهد جماعات وأشخاص ارتضوا أن يكونوا أدوات يحركها التدخل الدولي ويستخدمها كشهود زور ستكون وظيفتها إعطاء شرعية مزيفة مشبوهة لما يختارونه لمستقبل وطننا الحبيب ويتفقون عليه.
أيها السوريون الوطنيون الأحرار..
هذا وقت المصير ولا يليق بنا وبتضحيات شعبنا أن نبقى مبعثرين.
لا يليق بعذابات المعتقلين ومعاناة النازحين المهجرين أن نبقى مشتتين لا فعالية لنا.
أيها السوريون الأحرار.. هذا أوان الفكر الوطني الجامع…فليبق كل في خياراته وقناعاته السياسية والفكرية والحزبية…ولكن أن تتوحد جهودنا جميعًا في كتلة وطنية جبهوية واحدة تضع برنامج عمل مرحلي موضوعي ومدروس لمواجهة الأخطار وإنقاذ شعبنا ووطننا الحبيب..
تستحق سورية وشعبها المشرد والمقتول والنازح والمنكوب والمعتقل أن نترفع عن إختلافاتنا الحزبية والفئوية والفكرية لصالح اجتماع على قواسم القضية الوطنية المشتركة والتي لا يختلف أحد فيها أو حولها.
سورية الوطنية الناشطة المخلصة تمتلك من الطاقات والإمكانيات النضالية والبشرية ما هو كثير وكثير جدًا وفي كل المجالات وفي كل المواقع.
ولن تصبح فاعلة مؤثرة بغير توحدها في كتلة وطنية جامعة…
بقاء النظام الذي باع سورية وخربها ودمرها وهجر شعبها، مرهون باستمرار تشتت قواها الوطنية المخلصة..أيها السوريون المخلصون.لا تتركوا غصة الأحزان تمر دون جدوى..توحيد القوى هو التجسيد العملي الموضوعي لبدء مسير الإنقاذ بدلًا من مسير الآلام والبكاء والفناء.
إننا في ملتقى العروبيين السوريين لم نزل نسعى ونعمل لتوحيد الصفوف الوطنية من كل المشارب والإتجاهات…القضية الوطنية أكبر منا جميعًا وتحتاجنا جميعًا معًا يدًا واحدة لوضع حد لشلال الدم ونهر الأحزان المتدفق.
أعداء سورية يرسمون لمستقبلها كما يرغبون لعشرات السنين…وفي متناولنا كقوى وطنية إن توحدنا الآن أن ننقذ بلدنا وأهلنا ونبني مستقبلاً حرًا لنا ولأبنائنا وأجيالنا من بعدنا ..فإن لم نفعل لن يرحمنا هؤلاء جميعًا وسيرجمنا التاريخ حينما لم نتغلب على ذاتياتنا وإختلافاتنا وكل فئوية من أي نوع داخلنا، لنرتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية التي قدمنا لها جميعًا تضحيات عظام لا تقوى عليها إلا الهمم الرفيعة والشعوب العظيمة.
نناشد أنفسنا وإياكم جميعًا ألا نفرط بتضحياتنا نحن أولاً ..فجميعنا قدم من التضحيات ما يستحق أن يكون منجزًا قادرًا على صياغة مستقبل يليق بها وبقضية الشعب الذي ضحى كما لم يسبق لشعب آخر أن قدم مثله.
توحيد الكتلة الوطنية كلها؛ أفرادًا وقوى ومواقع ونخبًا وناشطين وفاعلين؛ مهمة ملحة جدًا فلنعلن حالة طوارىء حركية لإنجازها..وما أكثر المخلصين من أبناء شعبنا.
هذا موقعنا منبر مفتوح لكل سوري وطني حر ..وهذه أيادينا مفتوحة لمصافحة الجميع والعمل معًا بدون قيد أو شرط ..معًا لخدمة قضيتنا الوطنية الواحدة.
فإن لم نفعل فلن يسلم أحد من شر قد إقترب…ويوم لا ينفع الندم ولا تنفع كل حوارات التشخيص والتحليل والتوصيف والتلاوم بعد فوات الأوان..ألف رحمة ونور على أرواح شهداء شعبنا الأبي، جميعًا لا نفرق بينهم ولا نستثني أحدًا منهم..كبيرًا أو صغيرًا ..وألف تحية وتقدير لكل سوري يعمل لإنقاذ سورية وتحريرها..أيًا كان موقعه وحجم عطائه ونوع مساهمته.
النصر مرهون بوحدة النفوس والعقول والسواعد.
أيها الوطنيون السوريون إتحدوا.