لعل القليل يمكن له اليوم أن يجادل في كون سورية تمر بمرحلة إعادة تأسيس الدولة، فالحرب لم تدمر المدن والأرياف والاقتصاد الوطني فقط ولكنها دمرت أسس الدولة السورية الحديثة التي نشأت بعد الاستقلال، وقد حدث ذلك بسبب تماهي النظام السياسي مع الدولة بحيث أصبح ” إسقاط النظام ” يعني في الواقع ” إسقاط الدولة “، ورغم أن النظام لم يسقط لكنه تعرض لهزة عنيفة من جهة، ولخروج أجزاء واسعة من سورية عن سيطرته من جهة أخرى، كما فقد جزءا مهما من قوته بوجود القوى العسكرية الخارجية داخل البلاد.
والأهم مما سبق أن النسيج الاجتماعي الوطني قد تضرر وأصبح بحاجة إلى استعادة الوحدة والتماسك.
يميز جان جاك روسو في كتابه ” العقد الاجتماعي ” بين عقدين اجتماعيين ضروريين لبناء الدولة , عقد اجتماعي بين أفراد الشعب لتكوين ” الشعب ” ككيان اجتماعي – سياسي , وعقد اجتماعي بين ” الشعب ” والسلطة السياسية .
ماتحتاجه سورية اليوم ليس فقط العقد الاجتماعي بين السلطة السياسية و” الشعب” ولكن أيضا شكل من أشكال العقد الاجتماعي بين افراد المجتمع ومكوناته لإنتاج كيان اجتماعي – سياسي واحد .
يطرح ماسبق إشكالية الهوية . وتحديدا الهوية الوطنية السورية وعلاقتها بالهوية العربية .
بعد الاستقلال عن فرنسا نشأت الهوية الوطنية السورية مترافقة مع حاملتها الاجتماعية وهي الطبقة الأرستقراطية المدينية , ثم ضعفت مع صعود التيارات القومية والاشتراكية التي حملتها الطبقة الوسطى المدينية المدعومة من الأرياف .
واليوم ونحن في مرحلة إعادة تأسيس الدولة تنبسط أمامنا إشكالية العلاقة بين الهوية الوطنية السورية والهوية العربية .
لايمكن إنكار الهوية العربية لسورية , ذلك يعني ببساطة إنكار حقائق تاريخية وثقافية عميقة الجذور , بل إن إنكارها يصيب اللحمة الوطنية السورية ذاتها بالضرر .
ولا يمكن جعل الهوية العربية لسورية بديلا عن الهوية الوطنية السورية كما حاولت الأحزاب القومية العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي القيام به . فالهوية الوطنية السورية شرط لاستعادة العقد الاجتماعي بين السوريين اليوم .
بالتالي فنحن أمام هويتين لابد من البحث عن طرق تكاملية بينهما بدلا عن المنافسة .
نحن سوريون دون تردد , وعلينا التمسك بالهوية الوطنية السورية بكل قوة كخشبة خلاص وكحقيقة في واقعنا الاجتماعي السياسي .
لكن ذلك لايعني إنكار الهوية العربية , ذلك أيضا غير ممكن وغير حقيقي .
بناء الدولة الوطنية بحاجة للهوية الوطنية السورية . لكن ليس على أنقاض الهوية العربية .
أما كيف سيتم ذلك فذلك ماينبغي التفكير فيه .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي