يقول هيغل: “كل ما هو معقول فهو واقعي ” بمعنى أن ما تقول به الضرورات قابل للتحقق , وما نشهده اليوم هو بزوغ روح وطنية سورية جديدة تصنعها ضرورات مصيرية .
انيثقت الروح الوطنية السورية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي بفعل الكفاح من أجل الاستقلال عن سلطة الاحتلال الفرنسي , فالشعب السوري بدأ بوعي ذاته حين أصبح وعي تلك الذات ضرورة من أجل الحرية , وحين وعى ذاته تعززت لديه فكرة الوحدة فوق الانقسامات الطائفية والمناطقية , وتركت تلك المرحلة التاريخية الهامة بصمة لاتمحى في صيرورة الوطنية السورية التي دخلت لاحقا في تجاذب مع الأفكار الاشتراكية والقومية بحيث أدى ذلك التجاذب إلى تخفيض الروح الوطنية السورية .
حاولت الروح الوطنية السورية الانبعاث في أكثر من مناسبة في الخمسينات والستينات في مواجهة المخاطر المحيطة بسورية لكن محاولاتها لم تسفر سوى عن هبات متخامدة أكثر من كونها استعادة لمكانتها السابقة .
اليوم لدينا واقع مأساوي ومخاطر مصيرية تدفع باتجاه انبعاث الروح الوطنية السورية على نحو لايماثله سوى بزوغها الأولي في الكفاح من أجل الحرية والاستقلال والوحدة .
اليوم يكتشف السوريون أنهم وحيدون في هذا العالم , ولم يبق لهم سوى أنفسهم , وأن خلاصهم أصبح مرتبطا بوعيهم لتلك الحقيقة .
يكتشف السوريون أن صراعاتهم الدموية البينية لن تسفر عن انتصار طرف على طرف , بل إن ذلك الانتصار لن يكون سوى دخول في صراع قادم أكثر عنفا , يقود إلى مصير مجهول لايمكن ضمانه خارج الوطنية السورية .
وشرط انتهاء الصراعات البينية السورية هو تغلب الروح الوطنية السورية وانتصارها .
دولة القانون , الدولة المدنية التي يتساوى أمامها جميع المواطنين دون تمييز , والتي تضمن الحريات العامة والخاصة وكرامة الانسان والكفاح من أجلها يعادل اليوم القيمة الأخلاقية والروحية للحرية والاستقلال والوحدة التي كانت حاضنة الروح الوطنية السورية الأولى .
الروح الوطنية السورية الجديدة وحدها هي التي ستفتح الطريق نحو المستقبل بدلا من سجن السوريين في الماضي وإبقائهم أسرى لآلامهم العظيمة .
من عذابات السنوات العشر الماضية , ومخاطر التفتت والضياع , لابد لروح الوطنية السورية أن تبزغ من جديد أقوى مما كانت في أي وقت سابق .
المصدر: كلنا شركاء