خلال مشاركته في أعمال منتدى «فالداي» الدولي للحوار في موسكو، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن النزاع في سوريا يبدو في وضع مجمّد، وأن استمراره على هذا النحو يهدّد بانهيار الدولة السورية.
فسّر البعض تصريح لافروف على أنه تهديد مبطن للمجتمع الدولي، بأن موجة لجوء سورية كبيرة قادمة، إذا لم يوافق المجتمع الدولي على فكّ الحصار عن سوريا، والبدء بإعادة إعمارها.
بعيداً عن تصريح لافروف، وبعيداً عن غاياته، وعما قام به الروس على الأرض خلال سنوات تدخلهم العسكري المتوحش في سوريا، وبعيدا عن مدى مشاركتهم في انهيار الدولة السورية، فإن كل المؤشرات العلمية والمعايير المعتمدة لتقييم انهيار الدولة من عدمه، تذهب بنا إلى حقيقة أن الدولة السورية منهارة الآن، وأن ما يُبقي هيكلها الخارجي الذي يغطي انهيارها واقفاً، ما هو إلا محاولة من روسيا وإيران بهدف تحسين شروطهما في بازار الكارثة السورية.
لن أتحدث عن انهيار مجمل الركائز الأساسية للدولة السورية، وسأتطرق هنا فقط إلى الانهيار الاقتصادي، وهو المعيار الذي طالما كرر المدافعون عن الدولة السورية استعماله كدليل على بقائها.
فيما يلي أهم المؤشرات التي تدل في حال وجودها، على أن الدولة منهارة اقتصاديا:
1- التراجع الاقتصادي الكبير في عوامل الاقتصاد الداخلي للدولة، مثل الدخل القومي، وسعر صرف العملة المحلية في مواجهة العملات الأخرى، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، ومعدل النمو، وكيفية توزيع الثروات، ومعيار الشفافية، وتفشي الفساد، والتزامات الدولة المالية.
2- عدم القدرة على تقديم الحد الأدنى من الخدمات العامة للمواطنين، واستنزاف الإمكانات والثروات المتوفرة، وعدم القدرة على تجديدها.
3- غياب الرقابة والمحاسبة الحقيقية، التي تشترط بالضرورة أن يكون جميع أفراد هذه الدولة تحت سقف القانون.
4- غياب التنمية الاقتصادية في مختلف القطاعات: التعليم، توفير فرص العمل، معدل الدخل، وتخفيض مستويات الفقر.
5- حدوث انقسام حاد في الطبقات الاجتماعية، واقتصارها على طبقتين، إحداهما فاحشة الثراء وأخرى مسحوقة، وغياب الطبقة الوسطى التي يؤشر حجمها وفاعليتها عادة على طريقة توزيع الثروة.
6- غياب الفرص الاقتصادية المتاحة للجميع، واحتكارها من قبل أقلية مميزة.
7- ازدياد أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
8- انعدام القدرة على الحفاظ على الموارد الاقتصادية وتنميتها.
9- انتشار الفساد على نطاق واسع.
10- الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية والقروض، وبيع أو تأجير الأصول السيادية، دون أن تُوظف الأموال المحصّلة من هذه المصادر في مشاريع تطوير حقيقي ملموس، الأمر الذي سيرتب مديونية متصاعدة، تُرهق كاهل الموازنة العامة.
اعتماداً على كل المؤشرات والمعايير السابقة، يُمكن القول ببساطة شديدة – ليس من قبل المختصين وحسب، بل ومن قبل المواطنين السوريين- إن الدولة السورية هي دولة منهارة اقتصادياً.
إن تحول أي دولة من جهة يُفترض بها أن تدير الاقتصاد وتضع خطط تنميته، وتعمل على تطويره لتلبية حاجات المجتمع الأساسية، إلى جهة جباية فقط، وتخصيص كامل ما تجبيه من أجل بقاء السلطة المتحكمة بها، هي دولة منهارة اقتصادياً، وهي في طريقها إلى التفكك.
لكن الصدمة التي يسببها تصريح لافروف، والذي يوحي بقلق روسيا وحرصها على بقاء الدولة السورية، تستدعي السؤال المهم، وهو ماذا فعلت روسيا لتمنع انهيار الدولة السورية، وهل أراد التدخل الروسي حماية الدولة أم حماية النظام حتى لو تطلبت حمايته إضعاف الدولة وانهيارها؟
يمكن لأي متابع لتفاصيل التدخل العسكري الإيراني، ومن بعده الروسي، أن يستنتج بسهولة أن هذا التدخل لم يحم الدولة السورية إلا بمقدار ما يخدم بقاء هذه الدولة مصالح روسيا وإيران، وأن المساعي الحثيثة التي بذلتها موسكو، وكان آخرها لقاء الدوحة الذي جاء بعد جولة خليجية، وجمعها مع وزير الخارجية التركي والقطري، لم تكن لإنقاذ الدولة السورية من انهيار ما تبقى منها، بل كان أساساً لمحاولة تحشيد دعم عربي للإبقاء على الأسد، كون بقائه هو الذي يبقي على المصالح الإيرانية والروسية، وهو الذي يشرعن ما نهبتاه، أو ستنهبانه من جسد سوريا المتداعية.
إن غياب إيران عن قمة الدوحة لم يكن محاولة لإقصائها، أو لإضعاف حضورها في المشهد السوري، كما حاول الروس الإيحاء به، بل كان مُتعمداً لعدم إثارة مخاوف بعض الدول الخليجية، ودفع هذه الدول للتوافق على الخطة الروسية، والتي تخدم فعلياً إيران وروسيا.
يعرف الروس جيداً أن إنقاذ الدولة السورية يعبر من ممر وحيد، هو صيغة لحل سياسي يفضي إلى التخلي عن بشار الأسد، وما يمثّله، وإن كانت روسيا لا تستبعد هذه الصيغة نهائياً، إلا أن إيران سيكون من الصعب جدا أن توافق عليها، فما تريده إيران من وجودها في سوريا يختلف عما تريده روسيا، فضلاً عن أن المصالح الروسية لا تلقى المعارضة القوية من الأطراف الدولية، بالمستوى الذي تلقاه المصالح الإيرانية.
إن المساهمة في صياغة حل سياسي حقيقي في سوريا، يتطلب من روسيا الاعتراف بأن بقاء عائلة الأسد هو عقبة حقيقية أمام أي حل قابل للحياة، وأن مجاراتهم للرؤية الإيرانية سيبقي سوريا في حالة استعصاء قد تودي بها، فهل يستمر العناد الروسي في تشبيك المصالح الروسية والإيرانية، متجاهلين الانهيار الحاصل في المجتمع والدولة السورية؟
لن يتمكن الروس من الوصول إلى نتائج حقيقية، إذا ما استمروا في التنكر لحقائق السنوات العشر الأخيرة، فهم في خضم معادلة سورية شديدة التعقيد، ولن تفضي المراهنة على الموقف الأميركي المتأرجح والمتناقض، والذي لايزال ملتبساً الى أي جدوى، فهناك في النهاية قرار أميركي، وهناك أيضاً أطراف أخرى، وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي، ترفض الموافقة على حل سياسي مفخخ، قد ينهار في أي لحظة.
من هنا يأتي غموض الموقف الروسي حيال الانتخابات الرئاسية في سوريا، وترددهم حيالها، ففي الوقت الذي يعتبرها الإيرانيون وبشار الأسد إنقاذاً لهما، يراها الروس مشكلة قد تتسبب في إطالة المعضلة السورية لسنوات، لن يستطيع الروس اللاهثون لحل سريع تحمّلها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا