تسعى روسيا جاهدة لكي تحافظ على المسار السياسي الذي ترعاه في سوريا، بالتزامن مع إظهار واشنطن أول بوادر التركيز على هذا الملف من خلال تعيين مبعوث خاص جديد مؤقت، بينما يحاول المبعوث الأممي غير بيدرسن استغلال ذلك من أجل تحقيق تقدم في الجهود التي يبذلها ولم تسفر عن نتائج مهمة حتى الآن.
وعقب انتهاء الجولة الخامسة عشرة من أعمال مسار أستانة الأربعاء، في مدينة سوتشي الروسية، كثفت موسكو نشاطها الديبلوماسي للبناء على ما تحقق في هذه الجولة ومنحه زخماً يقطع الطريق على القراءة السلبية لما أسفرت عنه، سواء من حيث الشكل حيث اقتصر الحضور على المساعد الثاني لوزير الخارجية في الدول الثلاث الراعية للمسار (روسيا، تركيا وإيران) أو من حيث المضمون، حيث اقتصرت النتائج على الاتفاق على تمديد الهدنة في إدلب وتوسيعها لتشمل جميع مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب البلاد، بينما لا يزال الاستعصاء السياسي يفرض نفسه وبقوة على الجميع.
وشهد يوم الخميس نشاطاً روسياً واضحاً، حيث أجرى الرئيس فلاديمير بوتين مكالمة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، تركزت حول نتائج مؤتمر أستانة.
ورغم أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في سوتشي حول تثبيت خطوط الاشتباك بين المعارضة والنظام يعتبر أحد أهداف تركيا الرئيسية، إلا أن أنقرة تعاملت ببرود مع الجولة الأخيرة من أعمال أستانة، في موقف يرى فيه البعض تريثاً تركياً تفرضه الاتصالات الأخيرة مع الولايات المتحدة، حيث تعتبر العلاقات بين أنقرة وموسكو على رأس اهتمامات واشنطن، وخاصة في ما يتعلق بالملف السوري.
لماذا البرود التركي؟
اعتقاد جعل أصحابه يرون في المكالمة الهاتفية التي أجراها لافروف مع وزير خارجية النظام السوري فيصل مقداد، والتي تركزت، حسب بيان للخارجية الروسية، “على نتائج لقاءات سوتشي، والزيارة المرتقبة لبيدرسن إلى دمشق، ومهام تعزيز التسوية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وأعمال اللجنة الدستورية”، أنها تضمنت أكثر من مجرد ما تمّ الإعلان عنه في البيان.
كما أجرى لافروف محادثات مع بيدرسن الذي يزور موسكو قبل توجهه المقرر إلى دمشق، وذكرت الخارجية الروسية، في بيان، أن الجانبين أوليا “اهتماماً خاصاً لعمل اللجنة الدستورية”، وأن لافروف وبيدرسن أكدا أنه “لا بديل للحل السياسي للأزمة السورية بناء على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن”.
لقاء سبقه أيضاً اجتماع بيدرسن مع نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين. وإذا كان لافتاً أن يلتقي بيدرسن بمسؤول عسكري روسي رفيع، إلى جانب لقائه لافروف، فإن اللافت أيضاً عودة موسكو للتأكيد في جميع التصريحات الصادرة عنها على دور الأمم المتحدة في الحل السياسي في سوريا، وكذلك في العمليات الإنسانية، الأمر الذي يرى فيه معارضون سوريون محاولات روسية لمحاصرة أي تحرك غربي أو أميركي جديد في هذا الملف.
ويرى عضو الإئتلاف الوطني المعارض زكريا ملاحفجي أن “التحرك الروسي الأخير المختلف، تحكمه معطيات عديدة جعلت من موسكو تكثف نشاطاتها مؤخراً على صعيد الملف السوري، وفي مقدمة هذه المعطيات انتهاء ترتيبات الإدارة الأميركية الجديدة وتعيين مبعوثة خاصة إلى سوريا، من المتوقع أن تستأنف حضور الولايات المتحدة في هذا الملف بشكل أكبر، وهو ما ترى روسيا بالتأكيد أنه يجب العمل على التلاقي معه بالمستوى المطلوب، بالإضافة طبعاً إلى تفاقم تأثر النظام بالعقوبات الإقتصادية المفروضة عليه”.
وكشف ملاحفجي أنه “بينما تسعى روسيا لمنح الأمم المتحدة دوراً أكبر في الملف السوري بما يخدم توجهاتها في إبعاد الغرب ما أمكن عنه، فقد اصطدمت بالإحاطة التي قدمها المبعوث الدولي إلى مجلس الأمن حول أعمال اللجنة الدستورية، وحمّل فيها النظام مسؤولية فشل الجولات السابقة، كما بدا واضحاً ارتباكها من مساعي الدول الأوربية والأميركية لإصدار بيان يدين النظام بسبب هذا التعطيل، وقد توج كل ذلك بموقف حازم من بيدرسن في اجتماعات أستانة حين وجّه اللوم للنظام وحليفته روسيا بسبب تعثر الجهود الديبلوماسية حتى الآن”.
وأوضح أن رد فعل رئيس الوفد الروسي في سوتشي تجاه إشارة وفد المعارضة، إلى أن السوريين يرون اليوم في روسيا دولة إحتلال بسبب دعمها المطلق للنظام، كان مثيراً للانتباه، وهو أمر ليس جديداً بطبيعة الحال وسبق أن سمعته من بعض المعارضين الذين زاروا موسكو في أوقات سابقة، لكن يبدو أن ذلك كله يدفع الروس للتحرك من أجل ممارسة ضغط من نوع مختلف من أجل إنقاذ المسار الدبلوماسي الذي تتبناه، وعلى رأسه اللجنة الدستورية التي بلغت طريقاً مسدوداً.
لا يمكن الاكتفاء بما ورد في بيانات موسكو الرسمية حول الاجتماعات والاتصالات المكثفة الأخيرة التي أجرتها بخصوص سوريا، ولا بد أن هناك ما لم يتم الكشف عنه لكن من دون الوقوع في فخ المبالغة كما يقول معارضون سوريون في تعليقهم على هذه التحركات، في وقت يترقب فيه الجميع ما تحمله حقيبة المبعوثة الأميركية الجديدة إيمي كترونا، ورؤية الإدارة الجديدة بشكل عام لهذا الملف.
المصدر: المدن