حاول المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي، أن يوصل حقيقة المرحلة الحرجة التي وصل إليها مسار اللجنة الدستورية، إذ أكدت مصادر “العربي الجديد” في جنيف أن “إحاطته تخللتها ثلاث رسائل، تعكس مدى التعقيد الذي يواجهه في مهمّته، وضرورة وجود تدخل وتنسيق دولي جاد من أجل التقدم في الملف”.
وألمح بيدرسون بطريقة غير مباشرة إلى أن مهمته لن تستمر في حال بقي هذا الاستعصاء دون تدخل دولي، في الوقت الذي يحاول فيه الروس إيصال رسالة إلى الأطراف الدولية أن النظام لا يبدو أنه سيدخل في أي مرحلة جدية في المسار قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية بعد أشهر.
وقالت مصادر “العربي الجديد” في جنيف إن “إحاطة المبعوث الأممي إلى سورية تخللتها ثلاث رسائل، تعكس مدى التعقيد الذي يواجهه في مهمّته، وضرورة وجود تدخل وتنسيق دولي جاد من أجل التقدم في الملف”، موضحة أن بيدرسون كان “أكثر انفتاحاً في حديثه أمام المجلس، كون الجلسة كانت مغلقة، وهذا ما أعطاه مساحة أكثر للحديث عن التفاصيل”، وتُرجح المصادر أن يكون بيدرسون هو الذي طلب من رئاسة المجلس، الذي تتولاه المملكة المتحدة هذا الشهر، أن تكون الجلسة مغلقة.
وبحسب المعلومات، فإن رسالة بيدرسون الأولى هي أن مسار اللجنة الدستورية في مرحلة حرجة، وأنه “من خلال التفاصيل التي أوضحها عن الجولة الخامسة من اللجنة الدستورية، أوضح أن النظام السوري هو الطرف المُعطّل من دون أن يُسمّيه بالاسم، وذلك من خلال الحديث عن أن وفد النظام رفض كل المقترحات التي كان من شأنها أن تُكوّن منهجية فعّالة للجولة”.
وترى المصادر أن بيدرسون “لم يقل بشكل مباشر إن النظام هو المعطّل”، إلا أن “حديثه كان واضحاً وأوصل الرسالة بشكل جيّد”.
أما الرسالة الثانية للمبعوث الأممي أمام مجلس الأمن، فهي أن المسار بشكله الحالي بات صعباً جداً، وأن عدم وجود جدية في دفع المسار “سيجعل من استمرار مهمته صعباً”، وهو ما فُهم منه أن بيدرسون يُلمح إلى أن مهمته كمبعوث أممي لن تستمرّ في حال بقي المسار على شكله الحالي. ورجّحت المصادر أن يكون “هذا الخطاب غير المسبوق من بيدرسون هدفه إيصال حقيقة التعقيد الحاصل في الملف، والأفق المسدود إذا لم يطرأ تغيير في الدفع الدولي للملف”.
والرسالة الثالثة التي أراد المبعوث الأممي إيصالها من خلال إحاطته، هي دعوته لتشكيل مجموعة دولية جديدة تسمح لمستوى تنسيق أكبر بين الدول ذات الشأن في الملف السوري. وتقول المصادر إن “مقترح بيدرسون تشكيل مجموعة دولية جديدة من أجل سورية لم يحمل تفاصيل، لكن من المرجح أن بيدرسون ألمح إلى ضرورة التنسيق بين الدول الفاعلة في المسار السوري، والمجموعة ربما يكون مقصده منها أن تتضمن دول المجموعة المصغرة (بريطانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، المملكة العربية السعودية، مصر، والأردن) بالإضافة إلى ضامني أستانة (روسيا، تركيا، وإيران)”.
وكان بيدرسون قد قال خلال مؤتمره الصحافي عقب الإحاطة إنه أشار إلى “ضرورة وجود دبلوماسية دولية بنّاءة بشأن سورية”، مضيفاً أنه “على اقتناع أكثر من أي وقت مضى أنه دون ذلك، من غير الممكن أن يمضي أي مسار قدماً”، مشدداً على “ضرورة سد الفجوات في المواقف الدولية، وتحديد الخطوات المتبادلة، وتحديد الواقعية والدقة لإحراز التقدم، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254”.
ولم تكن الجلسة المغلقة مفيدة للمبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون فحسب، بل أعطت الغرب فرصة أكبر لإيصال رسائل واضحة بأن على النظام ألا يفكر بأن الانتخابات التي سيُجريها بعد أشهر يمكن أن تساعده في إعادة نفسه إلى الساحة الدولية، أو يمكن أن يعترف بها المجتمع الدولي، لأنها “لا تتماشى مع الشروط المنصوص عليها في القرار الأممي (2254)”، وأن إعادة الإعمار بعيدة المنال عن النظام طالما أنه لا يوجد هناك انتقال سياسي في سورية؛ هذه الرسائل كانت موجّهة لداعمي النظام في المجلس، كون موفد النظام لم يكن في الجلسة، وكون الغرب يعلم أن روسيا هي التي تحاول إعادة تعويم النظام بشتى السبل في الساحة الدولية.
وكانت هيئة التفاوض السورية قد أرسلت رسالة إلى بريطانيا كونها تشغل رئاسة مجلس الأمن، وذلك من أجل توزيعها على الدول الـ 15 الحاضرة في الجلسة، تضمنت شرحاً واضحاً لتعنت النظام ورفضه العمل على مسار اللجنة الدستورية والقرار (2254)، وطالبت مجلس الأمن بأن يتبنى آلية فعّالة للدفع من أجل تطبيق القرار (2254)، وذلك من خلال وضع منهجية أجندة واحدة لاجتماعات الدستورية بدل إضاعة الوقت على نقاشات أجندة كل اجتماع، ووضع منهجية للنقاشات أثناء الجولات تكون محدّدة وتقود إلى البدء بمرحلة الصياغة وأن تكون كل جولة مدتها ثلاثة أسابيع. وأكدت الرسالة ضرورة الدفع نحو تفعيل العمل على القرار الأممي (2254) كاملاً، بما فيه سلة الحكم الانتقالي.
من جهة أخرى، حاول الوفد الروسي الذي زار جنيف، برئاسة نائب وزير الخارجية ألكسندر لافرنتيف، خلال الجولة الدستورية الخامسة، أن يوصل رسالة خلال لقائه مع المبعوث الأممي والمعارضة السورية بأن النظام السوري لن يدخل في مرحلة الصياغة قبل أن تنتهي الانتخابات الرئاسية التي سيجريها بعد أشهر، وكان حديث الجانب الروسي من ناحية أنهم يحاولون الضغط على النظام، لكن لا يبدو أنه سيستجيب قبل الانتخابات.
وبحسب مصادر “العربي الجديد”، فإن بيدرسون ينتظر موافقة النظام على طلب زيارته إلى دمشق، والتي من غير المعلوم متى ستأتي إلى المبعوث الأممي الذي ثبّت خلال إحاطته أمام مجلس الأمن وخلال مؤتمره الصحافي، أن وفد النظام هو الذي يرفض وجود منهجية للعمل خلال الجولة، فيما تبدو مشاركته في اجتماع أستانة الأسبوع المقبل في مدينة سوتشي الروسية محاولة أخرى من المبعوث الأممي لتحريك المياه الراكدة في الساحة الدولية، ومن المرجح أن يعيد طرح فكرة وجود مجموعة دولية للتنسيق من أجل دفع الملف السوري نحو مرحلة الإنجاز.
المصدر: العربي الجديد