قال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بعد لقائه، الجمعة، في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن “العلاقات في أدنى مستوياتها”، في تعبير صارخ يشير إلى طبيعة العلاقة المتأزمة التي تربط حالياً دول الاتحاد الأوروبي بروسيا.
ويتصاعد الخلاف مع تشعب الملفات والأزمات، وأهمها في مجال حقوق الإنسان، بينها تلك المتعلقة بقضية أشد معارضي الرئيس الروسي المحامي أليكسي نافالني الذي زُج به في السجن لثلاث سنوات تقريباً بعد عودته من العلاج في ألمانيا، إضافة إلى أنّ موسكو أقدمت، أمس الجمعة، على طرد ثلاثة دبلوماسيين من ألمانيا والسويد وبولندا، بزعم مشاركتهم في احتجاجات ضد سجن نافالني.
وأدت تصرفات قيادة الكرملين إلى زيادة حدة الانتقادات والتهديد باتخاذ تدابير مضادة داخل دول الاتحاد الأوروبي، وأهمها من ألمانيا وفرنسا والسويد وبولندا، والغريب في الأمر أن إمعان الروس في الإهانة الواضحة للأوروبيين مستمر، ووفقاً لما أشارت إليه التقارير، اليوم السبت، فإن بوريل علم بالترحيل المخطط للدبلوماسيين خلال اجتماعه مع لافروف.
وفيما لم يُعلَن تقدم ملموس في قضية نافالني، إضافة إلى ما استجد من طرد الدبلوماسيين، فإن من المرجح أن تكون النتيجة عقوبات جديدة، وذلك بعد أن أوضحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في محادثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أخيراً، أنها لا تريد ربط قضية نافالني بمشروع “نورد ستريم 2″، مبدية انفتاحها على مزيد من العقوبات الشخصية ضد روسيا، ولتبرز أن أوروبا يجب أن تبقي على حواراتها مع موسكو نتيجة لوجود قضايا مهمة للنقاش، منها ما يخص سورية وليبيا ومعاهدات الحد من التسلح وغيرها.
وفي السياق، يريد الاتحاد الآن مناقشة الإجراءات الإضافية المحتملة في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم 22 فبراير/ شباط الحالي، على أن يتناول زعماء ورؤساء الحكومات العلاقة مع روسيا خلال قمتهم المقررة في مارس/ آذار المقبل.
ومن المعلوم أنّ بوريل، في المؤتمر الصحافي عقب المحادثات في موسكو، أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي شريك تجاري رئيسي لروسيا، لافتاً إلى أنّ تقييد العلاقات الاقتصادية بعقوبات جديدة “ستعاني منه أيضاً الشركات الأوروبية”.
وبعد أن بات المشروع يقسم ألمانيا وأوروبا، مع تأييد 80% من أعضاء “البوندستاغ” لـ”نورد ستريم 2″ ومعارضة 90% من أعضاء برلمان الاتحاد الأوروبي، وفق صحيفة “بيلد” الألمانية، برزت تحليلات عن نوع العقوبات الجديدة والخيارات المتاحة أمام الاتحاد الأوروبي لردع روسيا.
وفي هذا الإطار، أشارت “بيلد” أخيراً، إلى أنه مع سقوط القناع الأخير لنظام فلاديمير بوتين في قضية نافالني وتعريض الآلاف من مناصريه للضرب والاعتقال والتعذيب في بعض الأحيان، ينبغي أولاً الإقدام فوراً على الخروج من أهم مشروع للبنية التحتية، وهو خط أنابيب الغاز عبر بحر البلطيق، لأنه إذا ما تم الانتهاء منه، يمكن بوتين أن يربح المليارات، ويستنزف العدو اللدود أوكرانيا ويهرب المزيد من النفوذ والفساد الروسي إلى ألمانيا.
وتذهب بعض التحليلات إلى ضرورة حظر دخول واستثمار النخبة الروسية في أوروبا، وأوردت الصحيفة كلاماً لبطل الشطرنج العالمي السابق والناشط المعارض غاري كاسباروف، قال فيه إنّ العقوبات التي تستهدف “الأوليغارشية” في عهد بوتين، ستكون فقط قادرة على تغيير موقف النخبة الروسية تجاه زعيم الكرملين.
وأضاف: “كانوا يخزنون الأموال المسروقة من الروس في الغرب”، في إشارة إلى عمليات شراء العقارات في عدد من الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا، و”بفقدان أصولهم في أوروبا سينقلبون على بوتين بعد بضعة أشهر، أو سيضعونه تحت الضغط لتغيير سياسته”، وفق قوله.
وعلاوة على ذلك، ظهرت دعوات لاستبعاد ممثلي روسيا من مجلس أوروبا، فبعد أن كان قد طُرد الوفد بين أعوام 2014 و2019 كعقوبة على ضمّ شبه جزيرة القرم وحربه في شرق أوكرانيا، عاد الروس إلى المجلس، على الرغم من أن بوتين لم يعد القرم، حتى إنه بدلاً من الوفاء بالتزاماتها في مجلس أوروبا، لم تمتثل موسكو لأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وتجاهلت أحكامها، وحالة نافالني برهان ساطع على ذلك، حسب الصحيفة.
وأشارت “بيلد” كذلك إلى أنه “يجب منع مشاركة الشركات الحكومية الروسية في الشركات الألمانية ما دامت سياسات بوتين مسؤولة عن الكثير من المعاناة في الداخل والخارج، ولا سيما أنّ هذه الشركات ما زالت تقوم بعمليات تسوق في ألمانيا”، لافتة إلى أنّ هناك شركات صغيرة تابعة للشركات الأم الألمانية مملوكة بالكامل من آلة طبع النقود الروسية “غاز بروم”، كما وصفتها الصحيفة، كما ترعى شركة النفط أيضاً فريق “شالكه” لكرة القدم في الدوري الألماني “البوندسليغا”، علاوة على استثمارها أكبر مدينة ملاهي في ألمانيا بعشرات الملايين من اليوروهات.
كذلك تطرقت الصحيفة إلى العلاقات التي تربط المستشار الألماني السابق الاشتراكي غيرهارد شرودر، المتعاقد مع “غاز بروم” وشركة النفط الأخرى “روسنفت”، ويقبض مئات الآلاف من اليوروهات سنوياً، بالرئيس التنفيذي لـ”روسنفت” إيغور سيتشين وغيره من الموظفين المنتمين لنظام بوتين والمدرجين على قائمة عقوبات الولايات المتحدة الأميركية.
تجدر الإشارة إلى أن قرار طرد الدبلوماسيين الأوروبيين كان محل إدانة من قبل المستشارة أنجيلا ميركل، إذ وصفت نهج الحكومة الروسية بأنه “غير مبرر”، فيما أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أنّ الدبلوماسي الألماني قام بمهامه على النحو المنصوص عليه في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وتوجه للحصول على معلومات عن التطورات على الأرض بالوسائل القانونية.
المصدر: العربي الجديد