لم يعلم المسؤولون الإيرانيون الذين أعربوا عن آمالهم في إحداث قريب لخط (شلمجة – البصرة) من أجل وصل إيران بسوريا من جنوب العراق، في الاجتماع الثاني والأربعين للاتحاد الدولي لسكك حديد منطقة الشرق الأوسط، الذي عقد عام 2010 في دمشق، أن هذه الرغبات والأماني سيمضي عليها أكثر من عشر سنوات غيرت وجه المنطقة، دون أن يتقدم هذا الخط الحيوي والإستراتيجي متراً واحداً نحو الجنوب.
وعلى الرغم من أن سنوات عديدة مضت على توافق الدول الثلاث (إيران – العراق – سوريا) على إحداث خط سكة حديد يصل الحدود الجنوبية لإيران بسواحل البحر المتوسط، إلا أن هذا الموضوع لم يتعد نطاق نقاشات وسائل الإعلام الإيرانية والدولية، ولم يأخذ أي بعد أو جانب تنفيذي على أرض الواقع حتى الآن.
حتى عندما كان قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، يتحدث، لأول ولآخر مرة، عن مشروع الهلال الشيعي الاقتصادي في عام 2014، كان ينطق عما يراوده من الأحلام المزينة بلغة التسويف، والتي لم تتحقق ولا يبدو أن البيروقراطية والروتين القاتل فقط قادران على منع تحققها طوال هذه السنين.
ما هو مشروع القناة الجافة؟
يتحدث تقرير نشره موقع (مركز تبيان الإيراني) في 6 فبراير / شباط 2019 عن مشروع القناة الجافة، الذي لم يتحرك متراً واحداً حتى ذاك التاريخ، ويقول: “من المقرر أن يصل هذا المشروع مدينة شلمجة الحدودية في خوزستان بميناء المعقل في البصرة، وثم ببغداد، ومن هناك يصل إلى ميناء اللاذقية على سواحل البحر المتوسط”.
ويضيف التقرير: “الهدف من مشروع القناة الجافة هو ربط موانئ الخليج العربي بقلب أوروبا، وقد تعهدت إيران بدفع تكاليف تنفيذ خط سكة الحديد شلمجة – البصرة الذي يبلغ طوله 32 كيلومتراً، وذلك من خلال إنشاء جسر متحرك بطول 800 متر (فوق شط العرب تمر تحته السفن التي تعبر هذه المنطقة)، بدعم من مؤسسة مستضعفان (إحدى المؤسسات الاقتصادية العملاقة التابعة للمرشد الإيراني خامنئي). وسيتولى العراق تكميل المسير المتبقي إلى الحدود السورية، ليتبقى على الحكومة السورية بناء سكة حديد طولها ٣٢ كيلومتراً (بين مدينتي البوكمال ودير الزور) ليصل بذلك هذا المشروع بخطوط السكك الحديدية السورية”.
من إيران إلى سوريا.. ماذا تحقق من المشروع حتى الآن؟
أولاً: على الجانب الإيراني
في الحقيقة، تتخبط وسائل الإعلام الإيرانية المنتقدة لتأخر تنفيذ هذا المشروع، فتارة تكيل الاتهامات للروتين والبيروقراطية الحاكمة في عمل مؤسسات النظام الإيراني، وتارة تكيل الاتهامات للحكومة العراقية غير المهتمة بتكميل هذه الحلقة المفقودة (خط شلمجه البصرة)، على الرغم من أن الاتفاقات تنص على تكفل إيران ببناء هذا الخط والجسر المذكور أعلاه.
ورغم من أن هذا المشروع الاستراتيجي سيعود بالنفع الكبير على المشروع الإيراني في المنطقة، وسيوفر سبيلاً آخر للتحايل على العقوبات الأميركية المشددة المطبقة ضد إيران، إلا أن هذه العقوبات يبدو أنها بدأت في أخذ مفعولها على الاقتصاد الإيراني، الذي بدا عاجزاً عن إنجاز سكة حديدية لا يزيد طولها عن 32 كيلومتراً.
ما يؤكد حقيقة أن هذا المشروع لم يتحرك متراً واحداً حتى الآن، هو ما نشره تقرير موقع (برات نيوز الإيراني) في 14 ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠، أي قبل أكثر من شهر تقريباً، حيث تحدث التقرير عن فشل كل مساعي الحكومات الإيرانية المتعاقبة في تنفيذ مشروع سكة حديد شلمجة – البصرة، وعدم وصولهم إلى نتيجة على أرض الواقع، وتعدد أسباب فشلهم، وكيلهم الاتهامات تارة للجانب العراقي غير المهتم، وتارة للموضوعات المتعلقة بالاستثمارات.
ويضيف التقرير نقلاً عن مجتبى يوسفي، عضو لجنة الإنشاءات في البرلمان الإيراني: “للأسف، لم يتم اتخاذ أي إجراء أساسي في هذا الصدد، والمشروع متوقف عملياً”.
وفي الاتجاه نفسه، حصل تلفزيون سوريا على صورة طبق الأصل عن القرار الإداري الصادر في تاريخ 6 من سبتمبر / أيلول 2020، والذي ينص على تغيير الشركة المقاولة المسؤولة عن تنفيذ خط سكة حديد شلمجة – البصرة من مؤسسة مستضعفان إلى شركة إيرانية أخرى تسمى (آفرينان فدك).
لكن رغم تغيير الشركة الإيرانية المستثمرة، لم يسر هذا المشروع كما ينبغي، ولم تسمع صفارات قطار هذه السكة الحديدة حتى الآن.
ثانياً: على الجانب العراقي
لا تتوفر الكثير من المعلومات حول مدى جاهزية سكة الحديد التي تصل بغداد بمعبر القائم – البوكمال الحدودي، بعد سنوات من سيطرة تنظيم الدولة على هذه المنطقة.
لكن وفقاً لأحدث تصريح من جانب وزير النقل الإيراني، محمد إسلامي، في 22 من يناير / كانون الثاني 2021، فإن العراقيين لا يبدون رغبةً واندفاعاً كبيراً نحو تنفيذ هذا المشروع بسبب اعتقادهم بأن التجارة مع إيران هي من جانب واحد (أي لصالح الإيرانيين فقط دون العراقيين).
ما يؤكد هذه الحقائق أيضاً، هو سعي حكومة الكاظمي لتنفيذ وإعادة تأهيل السكك الحديدية التي تصل العراق بتركيا وأوروبا، وعدم اكتراثهم بوصل العراق بإيران سككياً.
من ناحية أخرى، بغض النظر عن المشكلات التي خلقتها العقوبات الأميركية ضد إيران، بما في ذلك قضايا نقص التمويل والضمانات والعلاقات المصرفية بين إيران والعراق، تبقى المشكلة الرئيسية الموجودة على الجانب العراقي هي مشكلة مصالحة الحكومة العراقية للأراضي الحدودية المقابلة لمنطقة شلمجة الإيرانية، والتي سيتم تسليمها للشركات الإيرانية لبدء تنفيذ المشروع، وهو ما لم يتم حله حتى الآن، وفقاً لما أكده وزير النقل الإيراني في التصريح السابق.
ومع تعاقب الحكومات العراقية التي اعتبرت أغلبها حكومات تابعة لإيران خلال السنوات الماضية، جرت أكثر من 15 محادثة على مستوى رؤساء الجمهورية ورئاسة الوزراء بين الجانيين الإيراني والعراقي لحل هذه القضية، دون أن تصل هذه المحادثات لأي نتيجة على أرض الواقع، ومن المستبعد أن تصل هذه المحادثات اليوم مع حكومة مثل حكومة الكاظمي لأي مكان.
ثالثاً: على الجانب السوري
المشكلة الرئيسية الأخرى التي تواجه تحرك هذا الخط، ليست خط شلمجة – البصرة بين الجانبين الإيراني والعراقي فقط، بل سكة الحديد الواصلة بين دير الزور والبوكمال التي يصل طولها لأكثر من 147 كيلومتراً، حيث تم إنجاز قسم ضئيل منها (32 كيلومتراً فقط إلى محطة الطابية) في عام 2019، ليتبقى الجزء الأكبر منها دون تنفيذ حتى الآن.
وبغض النظر عن التقارير الصادرة عن وسائل إعلام موالية والتي تحدثت سابقاً عن وجود فساد من العيار الثقيل وأخطاء فنية ناجمة عن سوء تخطيط وتنفيذ في القسم المنجز من خط دير الزور – البوكمال، خاصة فيما يتعلق بنقاط اللحام الضعيفة وتردي نوعية القضبان الحديدية والعوارض الخشبية، إضافة إلى عدم استوائية مسار الخط التي لم تتحقق سرعات أكثر من 50 كم بالساعة، تضررت الشبكة الحديدية السورية بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث تم تخريب 1800 كيلومتر من أصل 2450 كيلومتراً من مجموع طول شبكة السكك الحديدية السورية المحتاجة لإعادة تأهيل.
في خضم ذلك، لا يبدو أن حكومة نظام الأسد مهتمة بتنفيذ ما تبقى من خط دير الزور – البوكمال، وبخاصة بعد ظهور تقارير تتحدث عن وجود تعاون بين نظام الأسد وروسيا لإعادة تأهيل شبكة السكك الحديدة السورية.
وفي الحقيقة لا يمكن إغفال القلق الروسي من هذا المشروع، خاصة أن المسؤولين الإيرانيين لا يخفون حقيقة طموحهم نحو مد خط أنابيب غاز إلى جانب سكة الحديد هذه، في حال تم إنجازها، إلى أوروبا.
في الوقت الحالي؛ تعاني شبكة الخطوط الحديدية السورية التي بني معظمها قبل حكم آل الأسد، من مشكلات جمة، ناهيك عن عدم فعالية هذه الشبكة في وصل جميع المحافظات السورية مع بعضها، وعدم وجود سكة حديد تصل بين دير الزور وتدمر يمكن أن تشكل مساراً بديلاً عن الخط السابق، الذي إن تم تنفيذ أقسامه المفقودة بين إيران وسوريا، ستبقى محافظة إدلب تمنع وصول هذا الخط نحو ميناء اللاذقية، مما سيضطر القطارات لقطع مسافات أكبر من دير الزور نحو حلب ومن ثم إلى حماة وحمص ثم طرطوس إلى اللاذقية، كما يظهر في الفيديو والصورة أدناه.
نهاية الحلم الإيراني.. ميناء اللاذقية لم يعد إيرانياً
رغم أن العديد من وسائل الإعلام السورية والعالمية وصفت مشروع القناة الجافة أو الممر البري بالجائزة الكبرى لإيران في سوريا، إلا أن هذا المشروع يبدو مستحيل التطبيق في ظل الظروف السياسية والأمنية، وحالة اللا حرب واللا سلم التي تعيشها سوريا، أو غير قابل للتطبيق على المنظور القريب والمتوسط على الأقل.
ومع تمديد عقد الإدارة المشتركة بين شركة (سوريا القابضة) والشركة الفرنسية (CMA CGM) لميناء اللاذقية لخمس سنوات أخرى في صيف العام 2020، يبدو أن الصراع الإيراني-الروسي قد حسم لصالح الروس، مما جعل من المستحيل تحقيق أحلام طهران باستثمار مرفأ اللاذقية، وأفقد الإيرانيين موطئ قدم على الساحل السوري، حتى لو تم فعلاً مد خط سكة الحديد، وتخلصت طهران من كل العوائق التي تواجه تنفيذ هذا المشروع على طول سكة حديد افتراضية يصل طولها لأكثر من 2000 كيلومتر بين إيران وسوريا.
وبناءً على العوائق والوقائع المذكورة، فإن خط السكة الحديدية إيران – البحر المتوسط لم يوجد إلا في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وفي الحقيقة هو خط افتراضي لا تحمله القضبان الحديدية والعوارض الخشبية، وإنما تنسجه مخيلات الإيرانيين بألحان ومفردات التسويف.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا