إبراهيم نصر الله روائي فلسطيني، كتب العديد من الروايات، قرأت أغلبها، وكتبت عنها. تبدأ الرواية وتستمر على شكل حوار ذاتي داخلي نفسي في ذات بطلها. منذ البدء نحن أمام استحالة واقعية. شاب يستيقظ متأخرا ليذهب إلى عمله بروتين يومي محدد، سيفاجأ انه امام مدينته الخالية، هي عمران دون بشر، سنسير معه نحمل تعجبه، نسمع صوته الداخلي. هو من عمّان، من اسرة فقيرة. سنعيش معه تفاصيل حياته، والده الذي رباه على العصامية، قرينة الفقر والحاجة، والدته نموذج الأم الحانية التي تندر حياتها لأهل بيتها، لذلك عندما انتهى دورها بتزويج ابنتها مرة ثانية تقرر الموت وتموت.؟!!. هو يفهم الحياة وقوانينها. يعرف ان عليه ان يرتاب من كل شيء، حتى من نفسه، خوفا من الوقوع في المحظور مع السلطة والعائلة والمجتمع. يخاف كل هؤلاء ويمارس الحديث مع نفسه كآخر علاج عند المقهور. أحلامه بسيطة وهي أن يجد عملا، يجده بعد تعب، الحياة بلا عمل عار وفقر وذل. يُحبّ وحبه له علاقة بالجمال إنه ضعيف امامه، كل مغامراته داخل نفسه ومتابعة بعض الأفلام التي يحبّ بطلاتها ويتفاعل معهنّ بالحلم والتخيّل. احبّ صديقته في العمل، حاول أن يفاتحها بحبه، لكنه لم ينجح، واخذتها الأقدار في حادث مرور. متفلسف كبير هو، ومنظّر ايضا. له رأي في كل شيء؛ بالهواء والماء والحب وأهل الفضاء والسينما. لا يقترب من الشأن العام ابدا، ربّاه والده على حكمة: لا ترفع راسك للعالي تقصف رقبتك، تعلم من الحياة العملية ومن صديقه المخبر؛ أن لا تأمن جانب المواطن. يتحدث عن اخته وحلم زواجها، لأنها ان عنّست جلبت العار، كما يتحدث عن زوجها صديقه الملقب امريكي؛ المهووس بالسيارات الامريكية. يذهب للعمل في السعودية، يشتري سيارة ويصبح ضحيتها، بحادث سير، لتعود اخته وابنها والسيارة. وتتزوج مجددا من شاب يعمل في امريكا، وليكون ابن اخته استمراره بالتمثيل. نعم لقد مثّل بعض أدوار الكومبارس الصغيرة على المسرح وفي التلفزيون. حلمه في التمثيل مُجهض. تجربة صاحبنا مع الحياة دروس قاسية. لاحق فتاة وركب جوارها لمدينتها، لم يكلمها، عاد يحمل خيبة جمال ضائع. واخرى ركب جوارها، ذهبت به في حافلة إلى دمشق، وبعد نكبته الماديّة والنفسية. عاد في نفس اليوم ليجد نفسه بمواجهة مع الحكومة، لماذا ذهبت وعدت في يوم واحد.؟!. اكتشف انه مشروع إرهابي. نتابع معه في تنظيره حول الكون عن التصالح مع سكان الفضاء. عن عمله الذي يخلص به ويتقنه، وانه للان لم يستطع ان يتزوج، وقد لا يستطيع أبدا. تفيده الاحلام والاوهام كثيرا. يعمل مدققا في مكان لا ندريه؛ لغويا اولا ثم للمعاني ثم للأفكار والصحف والمقالات. هو جزء من ورشة فلترة للكلمة التي تضخ يوميا للناس. المهم ان ترضي الفوق وفوق الفوق وان لا تتورط ابدا مع السلطة ولو بالخطأ. يتذكر دوما رحلته الحزينة إلى دمشق. يتنقل ونحن معه في عمّان الخاوية، وكأن سكان الفضاء خطفوهم ونسوه هنا. لن يصطدم بالزحام في المواصلات. لن يجد تكسي، يذهب مشيا على الاقدام، ما اسوأ مدينة دون ناسها. سيصل للعمل ويدخل مواقع لم يدخلها في الاحلام. يثبت حضوره للعمل ويعود ادراجه، يتفقد نفسه وينام. لا يدري ما الذي حصل معه بالضبط. يستيقظ في اليوم الثاني ويعود إلى رحلته نفسها، يكتشف انه يحلم، وأنه عاد مجددا للحياة نفسها، بكل عبثيّتها وقهرها
في ختام الرواية نقول: نحن أمام رواية القهر وتبعاته النفسية والحياتية على حياة المقهور. تتحدث الرواية عن الأفكار المسبقة والعلاقات الخطأ، عن السلطة المحتلة للواقع والوجدان وذاتية الإنسان. انها رواية الانسان العربي المهدور، يصرخ بكيانه كلّه مطالبا بالحرية والعدالة والكرامة والأمان والحياة الأفضل. رواية مليئة بالمرارة والسخرية السوداء والبيضاء.؟ !!.