أسامة العاشور ناشط سياسي مستقل اعتقل لما يزيد عن ستة عشر عامًا على خلفية انتمائه لحزب العمل الشيوعي، وهو من أسرة وطنية دفعت ثمنًا فادحًا في مواجهة الاستبداد والفساد.
شارك في ربيع دمشق الموؤود، وفي كل الفعاليات السياسية والثقافية قبل الثورة السورية العظيمة، وكان من المبادرين الأوائل على مستوى مدينته (حلب) بفعالية كبيرة في شهورها الأولى والسلمية قبل أن تضطره الظروف الأمنية لمغادرة سورية واللجوء إلى ألمانيا مثل مئات آلاف السوريين.
أسامة العاشور من الذكور القلائل المنخرطين في الحركة النسوية السورية والعاملين في صفوفها وأطرها، وينشط في مجالات عديدة أخرى.
كان لنا معه هذا الحوار بمناسبة صدور كتاب رياض سيف (سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ) الذي ساهم في تحريرها وإعدادها للنشر مع زميله الكاتب أكرم البني. وسألناه:
س 1 – أنت أحد محرري مذكرات المعارض السوري رياض سيف حيث صدر جزؤها الأول مؤخرًا. ما أهمية هذه المذكرات من وجهة نظركم.؟
_غالبًا ما يستند التاريخ المكتوب إلى الوثائق والمستندات والمذكرات السياسية الرسمية مما أدى إلى تهميش التاريخ الاجتماعي والواقع المعاش، لذلك نشأ مدخل آخر لقراءة وكتابة التاريخ من خلال المذكرات والسير واليوميات، التي تعبر بقوة عن الوقائع المعيشية وما تختزنه من تجارب مشبعة بالمعنى الإنساني كما توضح التقاطع والاتصال بين الماضي والحاضر، بالنسبة لنا كمحررين (أكرم وأنا) وجدنا في سيرة رياض سيف رغم خصوصيتها وفرديتها تقاطعها الكبير مع الشأن العام ليس من ناحية التاريخ الزمني فقط – انطلقــت شــركة 400 ( ســيف إخـوان) فــي صيــف 1963 وهو نفس عام استيلاء حزب البعث على السلطة – بل من ناحية المراحل والمنعطفات الحاسمة التي مرت بها سورية.
إضافة أخرى جديدة هي دخول رياض سيف المعترك السياسي من بوابة الاقتصاد وليس من باب النظريات أو الثقافة أو الأدب – وهذا ما أخذه عليه بعض المثقفين – ودفع رياض ثمن اكتشاف أوهام الاصلاح الاقتصادي وأوهام الديموقراطية في ظل الاستبداد فقدان ولده الأصغر إياد والإفلاس الاقتصادي ورفع الحصانة عنه في مجلس الشعب وإغلاق منتدى الحوار الوطني واعتقاله في أيلول/سبتمبر عام 2001 ومكوثه بالسجن حتى الشهر الأول من عام 2006، حيث ودّع بعدها نشاطه الاقتصادي نهائيًا وتفرغ للعمل السياسي، بالإضافة إلى قناعتنا الذاتية كمحررين “بأن رياض سيف كان مغرماً بجعل وطنه سورية أفضل وأجمل، وكان مستعداً للتضحية بالمال والطاقة والامتيازات والمناصب، فالسياسة عنده ليست نشاطاً نستثمره أرباحاً ومنافع شخصية بل إيثاراً وتمكناً من جني أفضل النتائج والثمار”، نأمل أن تفيد هذه المذكرات وغيرها في المساهمة لاستخلاص الدروس والعبر للأجيال القادمة.
س 2 – بعض من قرأ المذكرات وكتب عنها أخذ على رياض سيف ذاتيته المتضخمة، وتجاهله أدوار الآخرين، كهيئة الدفاع عنه مثلاً، وزملائه في تجربة مجلس الشعب، كمأمون الحمصي، هل تشارك هؤلاء انتقاداتهم.؟
_لنكن موضوعيين عند إطلاق الأحكام على ما يُكتب ويُنشر وننظر إلى حدود العمل ومجاله أولاً وصدقه وإتقانه ثانياً، المذكرات والسير دومًا ذات طابع ذاتي ومن الصعب على أي إنسان أن يتجرد من أهوائه وميوله وآرائه ورؤيته للحياة عند تدوين تفاصيل الأحداث، التي كان طرفاً فيها، أما بخصوص تجاهل أدوار الآخرين، ودوري هنا ليس الدفاع عن الكاتب ومواقفه، ولكن رياض سيف يعلن منذ البداية أنه يكتب سيرة ذاتية أي يتحدث عن دوره وفعله هو، وبالتالي ليس موضوعه إبراز أفعال الآخرين والحكم عليها تقزيماً أو تعظيماً، كما أنه يقدم شهادة للتاريخ وليس تاريخًا للمرحلة التي يتكلم عنها لأنه بالأساس ليس مؤرخًا ولا يدعي ذلك. فالمذكرات تعكس نظرة جزئية للواقع بالضرورة ولا تستطيع أن تحيط به من كل جوانبه ولا بكل تفاصيله. وهي منحازة قطعًا، وهذا ليس نقصاً ولا مثلمة فيها، بل صفة ملازمة لها وهي تعكس بصمات المؤلف والزمن الذى عاش فيه ويمكن للمؤرخين من خلال السير والمذكرات والمراسلات استعادة الوظيفة الاجتماعية للماضي وكتابة التاريخ أي طرح أسئلة الحاضر على الماضي وتوسيع دائرة الرؤية للحدث بتقاطعها مع الشهادات والوثائق الأخرى والانتقال من الذاتي إلى الموضوعي وأحب أن أستعيد ما كتب على غلاف الكتاب “إن الآراء والمواقف الواردة في هذا الكتاب يُسأل عنها رياض سيف” وتنحصر مهمتنا كمحررين في ضبط الوثائق والتسلسل التاريخي والمنطقي للأحداث وسلاسة العرض وسلامة اللغة أي لا علاقة لنا من الناحية الأخلاقية والسياسية بما تضمنه الكتاب من مواقف، ولا حتى التقسيم بين المتن والهامش، فقد كنا نقترح ونناقش ولا نقرر وأنا بالطبع مع التوسع في شرح دور هيئة الدفاع عن المعتقلين ولكنه وللإنصاف ذكر دور وكلاء الدفاع في أكثر من موضع وأفرد له الهامش رقم 2 ص 130 ويمكن الدخول على الرابط http:// ly.bit 2/ للتوسع أكثر ، كما تمت الإشارة إلى مأمون الحمصي – رغم اختلاف مساره وصيرورته مع مسار وصيرورة الكاتب – بشكل مفصل بالهامش رقم 3 ص 130 بعنوان تقريـر مراقبـة قضائيـة فـي محاكمـة النائبين ريـاض سـيف ومحمـد مأمـون الحمصـي فـي دمشــق إعــداد المحامــي أحمــد فــوزي ) نشـــر في مصــر وموجود على الرابط
http: // hras- syria tripod. com. / Report_Trial 12_2001.htm
وأحب أن أشير إلى سابقة تقنية جديدة تضمنها الكتاب وهي أرشفة جميع هوامش الكتاب إلكترونيًا وتبلورت الفكرة عندما واجهتنا كمحررين صعوبة ذكر العدد الكبير من الوثائق التي اشتغلنا عليها والمستشهد بها وإدراجها في كتاب ورقي وحرصًا منا ومن الكاتب على المصداقية والموضوعية وتعميم الفائدة وبالاتفاق مع فريق العمل تم تصميم موقع إلكتروني دائم خاص برياض سيف عنوانه https://www.riadseif.net/ فيه جميع الوثائق والهوامش بشكل مفصل.
س 3 – هل تعتقد أن رياض سيف قال كل ما لديه، وخصوصًا ما يتعلق بتجربة إعلان دمشق، هذا إذا تجنبنا الحديث عن فترة ما بعد الثورة التي لم يتطرق لها بعد، أم أنه تجاهل بعض الوقائع وصمت عن بعضها تجنبًا لإثارة مزيد من الصراعات والانقسامات.؟
_ لا أستطيع تأكيد أو نفي تجاهل أو صمت رياض سيف على بعض المحطات أو النقاط التي لم يتم ذكرها – إن وجدت – والأسباب التي أدت إلى ذلك ،لأننا ببساطة “كمحررين” لا نعرف هذه المحطات ولكننا نؤكد أننا لم نهمل أية وثيقة استطعنا الوصول إليها كما حاولنا الخوض والتوسع قدر الإمكان في مواضيع حساسة للرأي العام كالعلاقة مع الخارج وآلية تشكيل المجلس الوطني للإعلان وتفاصيل انعقاد المؤتمر وانتخاب الأمانة العامة الجديدة ومالية الإعلان وتمويل قناة بردى التلفزيونية والانسحابات والاعتقالات ..الخ ولم نغفل أي تفصيل ولم يرفض رياض الاجابة على أي سؤال وجه إليه أو أي نقطة أثيرت معه و أستطيع القول كناشط في الإعلان سابقًا وكأحد محرري سيرة رياض سيف لاحقًا أن انضمام رياض سيف إلى إعلان دمشق وإلى أمانته العامة كان إيجابيًا ومنتجًا وثراً وشهادته وروايته للأحداث التي ذكرت تنسجم مع ما عايشته وعرفته.
س 4 – من وجهة نظرك ما الجديد الذي قدمته رواية رياض سيف للأحداث، وما الذي كشفته لنا أو أضافته للتاريخ.؟
_ الجديد في سيرة رياض سيف هو اعتمادها التوثيق على حساب السرد والرأي الشخصي، إن نشر الوثائق حول كافة الأحداث التي تم ذكرها وفي أغلبها سري نتيجة ظروف سيطرة الديكتاتورية التي سيطرت على سورية ما يقرب من ستين عامًا باعتقادي عمل مهم جدًا لكل باحث أو مؤرخ سيعمل على كتابة تاريخ هذه المرحلة لاحقاً.
النقطة الثانية هي إظهار دور الفاعلين الاجتماعيين الذين شاركوا في هذه الأحداث إن سلبًا أو إيجابًا في كل مرحلة بالأسماء والزمان والمكان وحسب ما توفر لدينا من الوثائق كان الإصرار على إعطاء كل ذي حق حقه ونسب كل جهد مهما كان صغيرًا إلى صاحبه.
النقطة الثالثة الاضاءة على ممارسات النظام الاستبدادي التي لم تكن ظاهرة للعلن كاستخدام التلاعب الضريبي لكسر إرادة المعارضين أو استمرار ولاء الموالين وعرض تفاصيل اشتغال العقل الأمني من خلال المساومات والرقابة على الإعلام وطريقة تعامل بشار الأسد كديكتاتور صغير مع الدول الكبرى فيما يخص قضايا المعتقلين كما ورد في حادثة لقاء السيناتورين آرلين سبكتر وباتريك كنيدي بتاريخ 30/ 12/2007 ” ولم تكد طائرتهما ترتفع عن أرض المطار حتى خرج النظام وكذّب الوعود المنسوبة لبشار الأسد” بالإفراج عن معتقلي إعلان دمشق .ص271 .
ورد بشار على طلب جون كيري بالإفراج عن رياض سيف” أنـه جـرى إخبـار سـيف أن يرفَـع طلـب استــرحام إلـى الرئيـس بشـار الأسد، وسـينظر الأخير فـي الإفراج عنـه ” ، ص 274 وطبعا كيري لم ينقل الطلب لأنه مهين بحقه وحق الدولة التي يمثلها، ورياض سيف لم يطلب.
س 5 – لم يكتب غير القليل عن المرحلة الخصبة الممتدة منذ ربيع دمشق 2000 وصولاً لليوم 2021 مرورًا بعشرية الثورة التي ستجعل الباحثين يقاطعون الأحداث ويدققون بالوقائع بنزاهة وأمانة علمية لكتابة تاريخ فترة من أخطر وأدق مراحل تاريخنا الحديث، هل يدفعكم ذلك لتحفيز آخرين على كتابة مذكراتهم؟ وهل هناك في حدود علمكم من عكف على توثيق تجربته وشهادته مقتديًا برياض سيف.؟
_ بالتأكيد نحن نطالب ونأمل من جميع من شارك في الثورة أن يبادر إلى تدوين ذلك، فدومًا التاريخ المكتوب أقوى أثرًا من التاريخ الشفوي وصحيح أن هناك الكثير من الأعمال الأدبية والفنية والكتب السياسية التي أرّخت للثورة السورية ومنعطفاتها مثل “الثورة المستحيلة لياسين الحاج صالح ” الانفجار الكبير لمنير شحود ” “سورية الثورة اليتيمة” لزياد ماجد ، ثورة المتروكين أحمد أبازيد ، “سورية: درب الآلام نحو الحرّية – محاولة في التاريخ الراهن” لعزمي بشارة “الأسد أو نحرق البلد”لسام داغر وغيرها الكثير ولكن الثورة كحدث مفصلي في التاريخ السوري ما يزال مستمرًا ولم تُستنفذ مقارباته ولا يمكن أن ينتهي تأويله
وتأتي خطوة رياض سيف في كتابة مذكراته أو سيرته أو شهادته لتكمل ما سبقه إليه آخرون، منها مثلًا عطب الذات لبرهان غليون وزمن المحنة ذكريات الشيخ سارية الرفاعي عن الثورة السورية كتاب الثورة السورية والنظام السوري لعزت السيد أحمد ، “دفاتر سورية: في داخل انتفاضة مدينة حمص”. للصحفي الأميركي – الفرنسي جوناثان ليتل وسيليها بالطبع مشاريع وكتابات أخرى، ولكنني أفضّل أن يتكلم أصحابها عنها لأنهم الأقدر على ذلك.
س 6 – نتوقع أن يتضمن الجزء الثاني تطورات ما بعد ثورة 2011 فهل سيطول انتظارنا له؟ هل قدم فيه مراجعة لتجربته وتحالفاته؟ وأين أخطأ وأين أصاب برأيكم.؟
_ أتمنى أن لا يطول موعد صدور الجزء الثاني وأدعو الله أن يمد بعمر رياض سيف ويعطيه الصحة والعافية لمتابعة ما بدأه لأن الأمر مرهون بصحته وقدرته على القراءة والتذكر والتعديل وبالنسبة لمراجعة تجربته وتحالفاته فقد أوضحنا كمحررين في مقدمة الكتاب ” أن الرجــل – أي رياض سيف – وقبــل البــدء بمســاعدته فــي تحريــر روايتــه، أعلــن أنــه لا يخشــى لومة لائم من عرض سـيرته علـى الملأ، وأنـه علـى أتـم الاستعداد للاعتراف بالأخطاء التـي اعترت مسيرته ” وأما إلى أي حد نجح في ذلك فهذا حكمه للتاريخ ولأقرانه الذين عاشوا معه التجارب نفسها ولجمهور القراء والباحثين.
س 7 – هل لك أن تضعنا في صورة موضوعات الجزء الثاني من الكتاب ومحاوره؟ وهل لك أن تعطينا أهم ما يتضمنه.؟؟
_ في الجزء الثاني يتحدث رياض سيف عن الفترة (2010-2018) منذ خروجه من السجن للمرة الثانية أي عمليًا منذ انطلاقة ثورات الربيع العربي حتى الاستقالة من رئاسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة واعتزاله العمل السياسي نهائياً ارتبطت حياة رياض سيف في هذه الفترة بشكل وثيق بالثورة السورية ومؤسساتها وبالتالي ستكون محطات السيرة الذاتية هي نفسها المحطات التي مرت بها الثورة السورية وتتضمن عناوين مثل الخروج من السجن في 2010 الخروج من سورية..2012 ، عجز المجلس الوطني..، انعقاد مؤتمر القاهرة..، مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في باريس، لجنة متابعة مؤتمر القاهرة..، هيئة المبادرة الوطنية..، إعلان تأسيس الائتلاف. ، أسباب الاستمرار في الائتلاف وخطة اصلاحه، وصولاً إلى استقالته من رئاسته كما يتضمن الكتاب أيضًا مناقشة العديد من القضايا التي أرقت الثورة السورية كوهم الرهان على سقوط سريع للنظام وعسكرة الثورة.. وأسلمة الثورة.. ومسار التفاوض، والأقليات والقضية الكردية.. ولماذا خسرت المعارضة الدعم الدولي، وتحت هذه العناوين تفاصيل ووثائق كثيرة وبحاجة إلى جهد كبير لإنجازها.
س 8 – نعرفكم ناشطًا سياسيًا ومعتقلا سابقًا ثم ناشطًا في مجال الحركة السياسية النسوية، وها أنت تطل علينا الآن كاتبًا ومحررًا مشاركًا في تحرير مذكرات رياض سيف مع زميلك أكرم البني، فهل ننتظر منك أعمالًا كتابية أخرى مستقبلًا.؟
_ صحيح تمامًا هذا قدرنا في سورية كناشطين في الشأن العام أن يكون اهتمامنا الأول هو العمل الميداني لمواجهة الديكتاتورية ودفع ضريبة ذلك مما جعل حيواتنا الفردية متقطعة والتراكم فيها قليل بحكم ظروف الملاحقة والتشتت والبحث عن الرزق ومؤخرًا اللجوء مما يمنع السياسي غير المشتغل بالمجال البحثي أو الأكاديمي أو في المجال الصحفي من التفرغ للكتابة وعندما تسنح للناشط في الشأن العام الفرصة والوقت فإنه سرعان ما يهرب إلى الكتابة ليفرغ ما يجول في رأسه أو ما يجيش في صدره، وبالتالي دومًا مساهماتي في الكتابة غير منتظمة، وأما مشاركتي في المجال النسوي المدني منه والسياسي فهو التزام أخلاقي وإنساني أولاً لأن مفرد كلمة الإنسان رجل وامرأة معاً وكلاهما متساويان في الوجود والكينونة والكرامة الانسانية والحقوق وهو التزام سياسي ثانيًا فلا خلاص من الديكتاتورية ولا ديموقراطية في سورية بدون المساواة الكاملة وحقوق المواطنة للجميع رجالًا ونساء، وجلّ ما أتمناه أن نكون قد وفقنا فيما قدمناه وأن نوفق فيما سنقدمه وأن يحمل الفائدة وبشائر الخلاص لشعب سورية العظيم .