ترقّب الأيام الأخيرة للرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب في الشرق الأوسط، ليس مثله في أي منطقة من العالم. يُطبق حَبسُ أنفاس من طهران إلى غزة، مرده إلى تخوف أميركي من عمل إيراني انتقامي، مع مرور سنة على تصفية قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بواسطة طائرة أميركية مسيّرة قرب مطار بغداد في 3 كانون الثاني (يناير) الماضي.
وفي رسالة “ردع” لإيران، عزّزت القوات الأميركية من مستوى التأهب، وتقوم القاذفات الاستراتيجية من طراز “بي-52” بطلعات منتظمة قرب المجال الجوي الإيراني. كما أطلق ترامب تحذيراً من أن أميركا “سترد بقوة” على أي هجوم يُقتل فيه أميركي واحد. جاء ذلك، بعد استهداف محيط السفارة الأميركية في بغداد بصليات من صواريخ الكاتيوشا. وكان ذلك بمثابة رسم خط أحمر أمام إيران.
وفي الجهة المقابلة، ثمة تحذيرات صادرة عن إيران، مفادها أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرّضت لهجمات أميركية، مع الحرص على الإيضاح للولايات المتحدة عبر “قنوات” معينة، أن طهران ليست ساعية وراء التصعيد، وأنها راغبة في خفض التوتر. لكن مسؤولين أميركيين لمسوا تعزيزاً للبحرية الإيرانية في الخليج، من دون أن يتضح ما إذا كان لأغراض دفاعية أم تحضيراً لعمل عسكري. كما تحدثوا عن استعدادات فصائل عراقية موالية لإيران للقيام بعمل ما في هذه المناسبة.
وفي إسرائيل، ثمة استنفار على الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، مع توقع ضابط إسرائيلي كبير أن يعمد “حزب الله” في “وقت قريب” إلى الرد على مقتل أحد عناصره في تموز (يوليو) الماضي بغارة على سوريا. ومنذ أيام تجري إسرائيل مناورات في مرتفعات الجولان السورية. وبينما يعيش “حزب الله” حال استنفار في الجنوب اللبناني، في مواجهة التأهب الإسرائيلي، شكلت المناورات التي أجرتها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة قبل أيام، حدثاً لافتاً ينطوي على دلالات كبيرة في هذا التوقيت، ويحمل أكثر من رسالة.
وفي العراق، تدور حرب كلامية بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والفصائل الموالية لإيران. الكاظمي يسعى إلى إبعاد العراق عن سياسة “المحاور” في المنطقة، بينما تسعى الفصائل إلى تحويل العراق ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة.
ومع التصعيد الواضح، قالت إسرائيل إنها تراقب الساحتين العراقية واليمنية، خشية أن يكون العراق أو اليمن، منطلقاً لضربة انتقامية ضد إسرائيل، في ذكرى سليماني، وعلى خلفية الاتهامات الإيرانية لتل أبيب باغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في إحدى ضواحي طهران. وسرت أنباء في الأيام الأخيرة عن إدخال إسرائيل غواصة إلى مياه الخليج، وذلك بعد وقت قصير من إعلان أميركا عن دخول الغواصة النووية “يو إس إس جورجيا” إلى المنطقة.
هذه التوترات، ليس مصدرها فقط ذكرى سليماني، بل متصلة أيضاً بمخاوف إيرانية من أن يعمد ترامب في الأيام الأخير ة من وجوده في البيت الأبيض، إلى الإقدام على توجيه ضربة عسكرية لإيران، بهدف تصعيب الأمور على الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي لمّح إلى رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي كان ترامب سحب أميركا منه عام 2018، وشرع في ممارسة سياسة “الضغط الأقصى” لشل الاقتصاد الإيراني وعرقلة تمويل “أذرعها” في المنطقة.
ويتخوف المراقبون من أن تسفر أي ضربة أميركية عن انفجار شامل في المنطقة، يمتد لهيبه من طهران إلى غزة مروراً بالعراق وسوريا ولبنان واليمن. ولعل انفجاراً بهذا الحجم، هو الذي تترقبه إسرائيل، وتضع في حساباتها تعرّض جبهتها الداخلية، لمئات الصواريخ يومياً، وبعضها من النوع الدقيق الذي استخدم في قصف منشآت شركة أرامكو السعودية في أيلول (سبتمبر) 2019.
ولذلك، تتجه إسرائيل الى ممارسة ضغوط على بايدن، كي لا يعود إلى الاتفاق النووي، قبل الحصول على تنازل إيراني في ما يتعلق بالصواريخ البالستية والأنشطة الإقليمية لإيران.
مما لا شك فيه، أن الأيام المتبقية لترامب في البيت الأبيض، ستكون زاخرة بالتوتر، خوفاً من انفجار برميل البارود بفعل شرارة أو خطأ في الحسابات.
المصدر: النهار العربي