جهاراً نهاراً، يتجول عناصر يعلنون تبعيتهم لتنظيم “داعش” بدراجاتهم النارية وأسلحتهم داخل بلدة البصيرة والقرى المحيطة بها في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي التي يفترض أن تكون خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، مطالبين السكان بدفع “الزكاة” ومتوعدين كل متخلف أو رافض للدفع بالقتل والقصاص.
فبعد خسارته مصادر التمويل التي كان يعتمد عليها، وعلى رأسها النفط والقمح، أصبحت الأتاوات المفروضة على سكان ريف دير الزور المورد الوحيد المتبقى لعناصر التنظيم المتواجدين في المنطقة التي تعتبر بحكم المحاصرة، مع سيطرة القوات العراقية على محافظة القائم والمناطق القريبة من الحدود السورية العراقية، وقطعها خطوط الإمداد بين هذه العناصر وبين جيوب التنظيم المتواجدة في صحراء الأنبار، وانحسار تمركزه في الكهوف والمنحدرات الصخرية في منطقة البادية السورية.
الأتاوات على سكان دير الزور
لا يكاد يمر يوم دون قيام عناصر يعلنون تبعيتهم ل”داعش” بمداهمة الأسواق والأزقة في مدن وبلدات ريف دير الزور، والبحث عن مطلوبين بتهمة التخلف عن دفع الزكاة. قبل أيام أقدم عناصر يستقلون دراجة نارية على استهداف منزل أحد المدنيين في ناحية البصيرة بالرصاص، إضافة إلى اطلاق الرصاص على عدد من المحال التجارية التي وُسمت بعلامات تدل على امتناع أصحابها عن الدفع، وإحراق منازل مدنيين بعد رفضهم دفع الأتاوة المفروضة عليهم.
ويتبع عناصر التنظيم في إخطار المستهدفين بدفع الأتاوة الموسمية، أساليب توحي بقوة نفوذه على المدنيين، حيث تبدأ بالاتصال الهاتفي أو عن طريق الانترنت، ثم الابلاغ المباشر نهاراً، ويتبعها عمليات إنذار بالقنابل الصوتية أو إطلاق الرصاص على المكان، وفي حال التأخير أو الرفض تكون العقوبة القتل، وهو ما يجبر السكان على الدفع أو الفرار، خاصة مع مماطلة قوات قسد بتسيير الدوريات بين الأزقة والأسواق الشعبية، كما يوضح الناشط الميداني أحمد ديراني.
ويقول ديراني ل”المدن”، إنه “نتيجة تزايد حالات التهديد الهاتفي، قام عدد من الوجهاء بتقديم شكوى لقيادة التحالف الدولي، بعد رفض قسد اتخاذ أي اجراء يحمي المستهدفين، ليتم بعد تتبع الأرقام تنفيذ عمليات إنزال مظلي من قبل التحالف وإلقاء القبض على عناصر التنظيم، لكن التهديدات ما تلبث أن تتوقف حتى تعود إلى سابق عهدها من رقم جديد”.
ويضيف أن المناطق التي يفرض فيها التنظيم الأتاوات تشمل كذلك مناطق سيطرة النظام على الضفة الغربية من نهر الفرات، “بالرغم من القبضة الأمنية المشددة في مراكز المدن والقرى التي حولتها الميليشيات الايرانية إلى معسكرات تدريب تابعة لها”، موضحاً أن “البادية والمراعي تُعتبر الخاصرة الأمنية الأضعف، حيث يفرض عناصر التنظيم الأتاوات على الرعاة، وتكون عبارة رأس غنم عن كل عشرين رأس، إضافة إلى أصحاب عربات النقل الداخلي المارين من منطقة بادية الشام”.
ونتيجة تنامي تهديدات التنظيم والإنفلات الأمني، وغضّ قوات قسد الطرف عن الشكاوى المقدمة من قبل السكان، اضطر العشرات من التجار والأطباء وأصحاب حراقات النفط إلى الفرار من ريف دير الزور نحو الحسكة ومركز محافظة الرقة أو عين العرب (كوباني)، نتيجة الأتاوات الكبيرة التي تُفرض عليهم وتختلف بحسب مهنة كل شخص. فالتاجر يُجبر على دفع مبلغ 8000 دولار والطبيب 5000 دولار وأصحاب الحراقات بين 6000 إلى 12000 دولار سنوياً.
هل تتعمد قسد نشر الفوضى؟
تعتبر ناحية البصيرة والبلدات التابعة لها، مثل الشحيل والصبحة بريف دير الزور الجنوبي الشرقي أحد أبرز المناطق التي تنشط فيها خلايا التنظيم. فعلى الرغم من التواجد الأمني والعسكري المكثف لقوات قسد، إلا أن حوادث الخطف والقتل والابتزاز آخذة بالانتشار حتى صارت تستهدف الجميع، في ظل تزايد الاتهامات للإدارة الذاتية بالتقاعس عن تأدية واجبها، بل ورضاها عن انتشار الفوضى في هذه المناطق التي لا يُخفي بعض مسؤولي الإدارة العسكريين والسياسيين اتهامهم للسكان فيها بأنهم مؤيدون لداعش.
ويرى الناشط الميداني مهاب ناصر في حديث ل”المدن”، أن الكثير من العصابات التي تتبع للنظام وأخرى من قطاع الطرق، قد بدأت بارتداء عباءة التنظيم لترهيب السكان والحصول على المال، وقد بدا ذلك واضحاً بقيام التنظيم قبل يومين بإعدام شخصين من ناحية البصيرة يفرضان الأتاوات على التجار باسم الدولة.
لكن مثل هذه التصرفات من قبل “داعش” لا تعني دائماً تأديب من يمارس السطو باسم التنظيم، إذ سبق وأن أعدم قبل ذلك أشخاصاً بهذه التهمة وتبين لاحقاً أنهم غير مسؤولين عن هذه الأفعال، ما يعتبروه الكثيرون محاولة لتجميل صورة التنظيم بين الأهالي.
ويعتقد سكان ريف دير الزور أن بإمكان قسد فرض الأمن بشكل كامل في مناطقهم لو أرادت، إذ سبق وشنت حملات ضد قطاع الطرق وعصابات الخطف وخلايا “داعش” والنظام، وكان الأمن يسود بشكل جيد بعد كل حملة.
ويؤكد ناصر أن قسد قادرة على ضبط المنطقة وقد تم ذلك فعلياً في أكثر من مرة، لكنها مرتاحة لتواجد عناصر التنظيم والعصابات في القرى العربية بريف دير الزور، لإشغال الأهالي عن الخروج في مظاهرات ضدها، كما يحدث اليوم في ناحية البصيرة وبقية المناطق للمطالبة بتحسين الواقع الخدمي المزري، وتخفيض أسعار النفط والمحروقات.
ومنذ اعلان قوات سوريا الديمقراطية، بدعم من التحالف الدولي، هزيمة تنظيم “داعش” في سوريا عام 2019، لم تتوقف خلايا التنظيم التي تجوب قرى وبلدات ريف دير الزور عن جباية الأتاوات المفروضة على السكان والنازحين المقيمين، ونتيجة الانفلات الأمني وغياب سلطة قسد عن المنطقة، اضطرت عشرات العائلات للرحيل.
المصدر: المدن