يعتبر عجز الموازنة أهم تحدي تواجهه السياسة المالية القائمة وتزداد المشكلة وضوحا عندما تكون الإيرادات العامة في أدنى مستويات تحصيلها وخاصة في ظل غياب أسواق مالية حقيقية وتعطل شبه كامل لعملية الإنتاج في القطاعين العام والخاص وهنا يكمن الخطر الحقيقي والمستقبل القادم ينبؤنا أن الوضع المعيشي سيكون أكثر سوءا .
المصرف المركزي السوري يقوم بتمويل الإنفاق الحكومي ومع تنامي زيادة الحاجة للإنفاق وقلة تحصيل الإيرادات اللازمة للتمويل وتوقف عمليات التصدير وعدم وجود مصادر للقطع الأجنبي وإقتصار دور المصرف المركزي سابقا على التدخل كبائع للقطع في استراتيجية إعتبرها ستحمي سعر الليرة من التهاوي مما أوصله الى إستنزاف الأحتياطي من القطع الأجنبي وهو يتراوح اليوم بين الإعلان عن الإفلاس والإفلاس .
في الأحوال العادية تعمل السياسة المالية على تأمين الموارد المالية اللازمة لتمويل الإنفاق العام وهي تعتبر السياسة الأقتصادية الأساسية للنشاط الأقتصادي لتحقيق أهدافه .
موارد الموازنة العامة في سوريا تعتمد على مصادر أساسية ثلاث :
الضرائب المباشرة والتي تتأتى من الحرف والمهن التجارية والصناعية وهي شبه متوقفة اليوم وضريبة الرواتب والأجور في ظل التضخم وتدهور سعر الصرف لم يعد لها قيمة كبيرة قياسا لمتوسط راتب الموظف السوري الذي يتراوح ما بين ( 50 – 60 ) الف ليرة سورية أي ( 20 – 25 ) دولار أميركي بالإضافة إلى رسوم السيارات والتسجيل العقاري عند الفراغ وينطبق عليهم ما سبق
أما الضرائب غير المباشرة فتتحصل من الخدمات كالكهرباء مثلا وهي حلم كل مواطن سوري اليوم والرسوم الجمركية على الواردات وحركة الإستيراد شبه معطلة وتقتصر على بعض السلع الغذائية ورسم الإنفاق الإستهلاكي والمواطن السوري اليوم لا يستطيع تأمين احتياجاته الأساسية فأين المصاريف الكمالية .
المورد الثاني يشتمل على إيرادات غير ضريبية وهي إيرادات أملاك الدولة وبدلات الأملاك العامة واستثماراتها وقد تم رهنها إلى روسيا وإيران بموجب إتفاقيات وعقود إستثمار وتفاهمات لعشرات السنين القادمة وخرجت من حصة الموازنة بالإضافة إلى إيرادات النفط وهي قسم خارج السيطرة وقسم تم منحه بموجب عقد أو إتفاق إستثمار طويل الأجل لروسيا أو إيران ويدفع النظام ثمن شراء النفط تهريبا عن طريق شركة قاطرجي داخل الأراضي السورية والنفط يعتبر المصدر الرئيسي للتمويل الذي تعتمده السياسة المالية العامة ورسوم الترانزيت عن طريق المعابرحيث لايوجد تجارة بينية مع دول الجوار ولم يتم الاستفادة حتى من معبر نصيب
المورد الثالث هو الإيرادات الإستثمارية وتتكون بشكل رئيسي من فائض القطاع العام الأقتصادي فالمؤسسات العامة لديها ميزانية مستقلة في جانبي الإيرادات والنفقات وترتبط بالميزانية العامة للدولة والفرق بينهما يشكل إما عجزا أو إيرادا واليوم كافة المؤسسات العامة في الدولة على الأغلب في حالة عجز وعدم قدرة على التشغيل وبطالة مقنعة يعيشها معظم موظفيها
بالمجمل تدهور النشاط الاقتصادي في سوريا يسير بشكل متسارع بسبب الحرب والعمليات الأمنية التي يصمم عليها بشار الأسد للحفاظ على كرسيه غير مكترث لإنعكاساتها على الشعب السوري وعملية النقل والانتقال سواء كانت للأفراد أو للسلع في غاية الصعوبة وتتعرض للحواجز ودفع الأتاوات على الطرقات مما يزيد من كلفة السلعة وسعرها على المواطن وأغلقت معظم المشاريع في مختلف القطاعات كالسياحة والصناعة والتجارة والصناعة وحتى الحرفية والمشاريع الصغيرة و الأشد صغرا وهذا له تأثيراته الكبيرة على التراجع في الإيراد الضريبي والنمو الإقتصادي ويشكل عجزا كبيرا على الموازنة والإيرادات في الوقت الحالي والمستقبل
ومن الطبيعي أن يرتفع عجز الموازنة بشكل حاد وأن يصل إلى مستويات قياسية ليست مألوفة بسبب الحاجة المتزايدة للأنفاق العام والأنفاق العسكري بشكل خاص في وقت انعدمت فيه الإيرادات وهذا أكبر من قدرة الأقتصاد السوري على تحمله
لا يستطيع النظام اليوم زيادة موارده بالإجرائات العادية كزيادة الإيرادات المحلية عن طريق الضرائب وتحصيلها أو مكافحة التهرب الضريبي عن طريق أقسام الإستعلام في وزارة المالية أو زيادة فرص الإستثمار أو ضبط الإنفاق العام وترشيده لأنه بالمحصلة خارج سيطرته وضمن سيطرة الميليشيات وأيضا الخسائر الكبيرة التي تعرض لها القطاع العام والخاص وعدم قدرتهما على تسديد الضرائب بالإضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة على قطاع النفط وخروجه عن السيطرة وقطاع المال والمصارف والأزمة اللبنانية وإنعكاساتها على الأقتصاد السوري وقانون قيصر وملحقاته ويتضح أن المشكلة ستزداد تعقيدا وسيقتصر الحل على تمويل المصرف المركزي في ظل هذا الواقع المرير
هناك أخطار حقيقة تهدد الإستقرار العام في سوريا ويتمثل ذلك في تزايد أرقام العجز واتضح في ميزانية 2021 حيث وصل إلى نسبة غير مسبوقة في تاريخ سورية مع إنعدام لمصادر التمويل نتيجة الإصرار على مواصلة الحرب والبقاء على الكرسي وغياب أي استراتيجية واضحة وعدم القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية وحتى أسواق الدول المجاورة بالإضافة إلى شعور عام لدى المواطنين السوريين بعدم الرغبة في تسديد الضرائب والرسوم و حتى فواتير الماء والكهرباء والهاتف وعدم الرغبة في الإيداع لدى البنوك بل زيادة السحوبات والقروض البنكية مما أدى إلى تراجع الاحتياطيات في المصارف وإمتناع المقترضين عن السداد
إستمرار بشار الأسد في الحكم سيؤدي إلى المزيد من التدهور الاقتصادي وستزداد الأسعار والعقوبات الدولية وعدم استقرار سعر الصرف وإرتفاعه والإستمرار في تمويل الإنفاق العام عن طريق الإصدار النقدي وطباعة العملة مما سيؤدي إلى مزيد من التضخم الجامح في ظل غياب التمويل عبر الأسواق المالية ولن تستطيع إيران وروسيا تمويل النظام بسبب أوضاعهم الأقتصادية وسوف تستمر الة الحرب والدمار وستزداد سطوة الميليشيات وسترتهن سوريا بالكامل ويبقى الأسد على كرسي البلاهة تائها ينتظر مصيره .
المصدر: سوريا الامل