من إعداد: صبر درويش، والناشر: رياض الريس للكتب والنشر. يتألف الكتاب من عدة دراسات كتبها عدة باحثين، تتعلق بموضوع تجربة المدن المحررة من سيطرة النظام في سورية، وتحولها لسيطرة الثوار والقوى المسلحة السورية، وهذه الدراسات أقرب لرصد ميداني غطى فترة زمنية تبدأ مع بداية الربيع السوري آذار/مارس ٢٠١١م، وحتى نهاية عام ٢٠١٤م تقريبًا.
- اليرموك في قلب الثورة.
يتحدث هذا البحث عن مخيم اليرموك الفلسطيني الذي يعتبر امتدادا لدمشق، محاذيا غوطتها الشرقية، هذا المخيم الذي يحتوي على اكبر عدد للفلسطينيين الموجودين في الشتات، وذلك منذ نكبة اللجوء عام ١٩٤٨م . يستعرض الباحث واقع الفلسطينيين بشكل مختصر ومركز في المخيم، فهم مندمجين مع محيطهم السوري بشكل شبه كامل مع علاقة ايجابية مع الشعب السوري الذي ينظر للقضية الفلسطينية من موقع المنتصر لشعبها وحقوقهم، كما ينوه الى كون المخيم كان الخزان البشري الذي أمدّ فصائل الثورة الفلسطينية بكثير من الكوادر، منهم الشهداء والمناضلين. واطلع على واقع الفلسطينين داخل المخيم وفي الواقع السوري، فعلى المستوى السياسي، هناك تمثيل لكل الفصائل مثل فتح والجبهة الشعبية وحماس والجهاد الإسلامي، لكن القيادة العامة -احمد جبريل- تمثل الفصيل الذي ينتمي بممارسته السياسية الى النظام السوري على كل المستويات. كما نطل سريعا على محاولة النظام السوري ومنذ عقود أن يستخدم الورقة الفلسطينية سياسيا، لذلك حاول حافظ الاسد وابنه بشار بعده أن يصادر هذه الورقة دوما، مما عنى الاصطدام مع قيادة الثورة الفلسطينية ممثلة في أبو عمار الذي كان يهادن النظام السوري ولا يستسلم له. كان للنظام السوري أدوارا سيئة انعكست على القضية الفلسطينية، فمن جهة استمر النظام يزاود على الفلسطينيين، لكنه لا يتقدم لعلاج مشكلتهم أو مشكلته هو الخاصة في الجولان المحتل، ومن جهة اخرى يحاربهم على الأرض ففي لبنان شكل النظام السوري مع الكيان الصهيوني المطرقة والسندان الذي أدى الى حصار التواجد الفلسطيني المسلح ومحاربته وإخراجه من هناك في ثمانينات القرن الماضي، كما أن الحراك الفلسطيني السياسي في الداخل السوري محاصر وتحت المراقبة والمحاسبة كل الوقت. لذلك كان الشارع الفلسطيني في سورية عدواني تجاه النظام الاستبدادي السوري، وتضامنيا مع الشعب السوري ومظلوميته على كل المستويات. وعندما حصلت بوادر الربيع العربي و انتقلت الى سورية، كان الشباب الفلسطيني في المخيم متضامنا مع الشباب السوري الذي بادر الى التظاهر السلمي، وتشكلت تنسيقية للشباب الفلسطيني في المخيم، وسرعان ما بادر شبابها لمساندة الحراك في المخيم والمناطق المحاذية له، دعما للحراك السلمي الذي تطور بعد ذلك و تحول الى ثورة. عمد النظام المستبد السوري الى العنف العاري مع مطالب الشعب السوري بثورته: الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية باعلى درجات العنف، قتل واعتقال مما دفع الشباب الثائر الى البحث في خيارات العمل المسلح لمواجهة النظام، وبما أن المخيم الفلسطيني يقع على خزان بشري ومجاور دمشق، فقد اعتمد النظام على فصيل أحمد جبريل القيادة العامة ليقوم بدور الشبيحة على الحراك السلمي في المخيم، كما انه بدأ في صناعة بعض المجموعات المسلحة التي اعلنت انها من فصائل الجيش الحر، وبدأت تعمل للدخول الى المخيم، النظام لم يقبل أن يكون المخيم خارج سيطرته، وسرعان ما قامت بعض المجموعات المسلحة المحسوبة على الثورة السورية بالدخول الى المخيم وسيطرت عليه، ويتبين بعد ذلك أن اغلب هذه المجموعات هي من صنع النظام تعمل بإمرته، وسرعان ما أصبح المخيم ضحية قصف مستمر من النظام ضمن سياسته مع كل المناطق المحررة، وهذا ادى بعد حين لنزوح أكثر من نصف مليون انسان، وهم أغلب سكان المخيم سوريين وفلسطينيين، وبقي به حوالي الأربعين ألفا، و يحاصر المخيم، ويتعرض لحملة قصف وتدمير وتجويع مستمرة. أما واقع السيطرة على المخيم داخليا، فقد تبين أن بعض الفصائل تابعة للنظام، والبعض يمارس أساليب النظام من القتل والتنكيل و السرقة والتشبيح، وسرعان ما هيمنت عليه مجموعات ذات توجهات اسلامية، جبهة النصرة، وأحرار الشام.
ينتهي البحث في أواخر ٢٠١٤ م، وما لم يذكره البحث هو انتقال المخيم بعد ذلك الى سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية داعش، ثم سيعود المخيم الى سيطرة النظام في مطلع ٢٠١٥م كما أغلب المناطق السورية. وسيكون الحساب الختامي لأهل المخيم تشريد جديد، ودمار للمخيم، فقدان للبيوت ومصدر الرزق، قلائل من عادوا واغلب سكانه كما اغلب المناطق السورية تشردوا في اقطار الارض كلها.
- عندما حمل السلاح..
زملكا نموذجا.
يتحدث الباحث في هذا الفصل عن حراك الربيع السوري في منطقة زملكا المحاذية لدمشق، وكيف انطلق شبابها السلميين في تظاهراتهم مطالبين بالإصلاحات، وكيف واجههم النظام بالعنف الذي ادى لسقوط الشهداء، وارتفعت مطالب الثوار لإسقاط النظام، واستمرار عنف النظام وتعمقه، مما ادى لبداية تشكيل المجموعات المسلحة للثوار، من الشباب المتظاهر ومن بعض المنشقين من الجيش من الجنود والضباط، هذه المجموعات التي لا تمتلك الدراية السياسية، ولا الخبرة العسكرية ولا الإمكانيات المادية و التسليحية الكافية، فقد كانت تمول نفسها بنفسها، مع بعض الدعم من الأوساط الاهلية وبعض التجار، وسرعان ما تصبح بعد ذلك رهينة للدعم الذي أصبح يقدم من الخارج. ستبدأ المناطق بالتحرر من النظام، لكن ستفتقد القدرات الفعلية والخبرات في تسيير المناطق التي سيطرت عليها قوى الثوار، هذه المناطق تسيرها إرادة بعض القضاة و الوجهاء ولكن بكثير من التعثر ثم ينتقل الى مرحلة المجالس الشرعية التي تدعي أنها تنطلق من الإسلام، وهي ليست على دراية كافية و لا تمتلك الخبرة والكفاءة. وهذا سيؤدي بعد ذلك لكثير من المشاكل، وليعيش الناس واقعا لا يختلف كثيرا عن ما كان يفعله النظام، كل ذلك مع حصار من النظام وتجويع وغلاء أسعار، وقصف دائم جعل حياة الناس جحيما. نعم سيكون واقع الناس هذا مقدمة لحصول الهدن مع النظام ، ومن ثم عودته الفعلية مسيطرا على هذه المناطق التي تحررت في يوم ما، لكن فشل الثوار ولدواعي كثيرة عن النجاح في ادارتها او الحفاظ عليها .
- تعثر العمل المدني في المدن المحررة.
بنّش نموذجا.
في بحث يتحدث عن مدينة بنّش في محافظة ادلب كنموذج للمناطق المحررة، التي شاركت بالعمل السلمي، وانتقلت للتسليح وظهرت المجموعات المسلحة للجيش الحر في مواجهة النظام، وعندما تحررت بنّش كان أغلب شبابها المنضوين في العمل المسلح يحملون فكرا اسلاميا متشددا، وكانت محاذية لبلدتي كفريا والفوعة الشيعية، وكان الشعور الطائفي قويا، في مواجهة النظام وشبيحته في هاتين البلدتين، اللتين ينطلق منهما القصف والتدمير وشبيحته من يواجهون الثوار. تجربة بنّش مقدمة عملية واضحة للأسلمة التي سوف تتوسع على حساب الجيش الحر، والتي يحصد ثمارها اخيرا جبهة النصرة وداعش على اغلب الأرض السورية. سيحاول أهل بنّش العمل المدني وسيفشلون لنقص الخبرة والدعم وعدم وضوح الرؤية.
- ظاهرة المدن المحررة.
في هذا البحث ينصب الحديث على واقع المدن المحررة، الواقعة تحت نار حصار النظام والتجويع، والقصف اليومي والغلاء الذي يستفيد منه تجار الدم الذين تركوا يستثمرون بازمة السوريين ومأساتهم بمواجهة نظام مجرم قاتل. كما يتحدث عن عجز الهيئات السياسية والعسكرية والمدنية عن تسيير أمور المناطق المحررة، فالاغلب يتصرف وفق مصالح ضيقة، والناس لم يعودوا يثقوا بأن من يتحكم بمسار الحياة داخل المناطق المحررة يمثلهم أو يعمل لمصلحتهم، ان المشاريع الاسلامية التي بدأت تظهر بهذه المجموعات المسلحة وممثليها المدنيين، لم يكونوا النماذج التي تقدم لهم البديل الذي كانوا يحلمون به. وهذا مثّل بداية انفضاض الحاضنة الشعبية عن من كانوا يمثلون نموذجها كثوار يطالبون بحقوقهم، وبالتالي قبولهم بالهدن مع النظام لاحقا، وقبولهم صاغرين بعودة النظام بعد كل الجرائم التي ارتكبها.
- حمص العدية ومرارة التحرير.
في هذا البحث يركز الباحث على مدينة حمص التي كانت من اوائل المدن الثائرة، وأصبحت عاصمة الثورة، وكيف تحرر حي بابا عمرو ثم حمص القديمة، وكيف كان هذا التحرير وبالا عليها، فقد حوصرت وقصفت وهجر اهلها، ودمرت على رؤوس من بقي منهم، كانوا ضحية التجويع والحصار وسوء ادارة الثوار سواء لجهلهم وقلة درايتهم، أو لوجود رواسب من ماضي الحياة في ظل استبداد النظام لعقود طويلة. حمص وما حصل بها من دمار وضعف في الإمداد ومن ثم انقطاعه، وهذا ما حصل أيضا في بلدات الغوطة وريف دمشق، مثل داريا والزبداني ، التي اصبحت ضحية حصار وتجويع وقصف وتدمير من النظام القابع خارج المناطق هذه، وسوء ادارة وعجز وقلة إمكانيات انعكست على الناس بجحيم، لحياة ستجعلهم بعد حين يقبلون أن يهادنوا النظام وأن يعودوا لسلطته المجرمة لاحقا.
- المدن المحررة وسياسة الهدن المريرة.
في هذا البحث يركز الباحث على الحساب الختامي للبلدات والمناطق المحررة، وانها اصبحت واقعيا تحت جحيم القصف والتدمير والحصار والتجويع المسلط عليهم من النظام، كما انهم اصبحوا ضحية عجز وفشل القوى العسكرية والمدنية التي تمثل الثورة داخل المناطق المحررة، كما ظهر تراجع الدعم على قلته الذي كان يصل للناس المحاصرين في المناطق المحررة. لذلك كان الخيار الذي اعتمده النظام هو أن يفاوض الثوار والأهالي على هدنة ستكون مقدمة للتهجير واعادة سيطرة النظام على هذه المناطق، كما أن القوى الثورية المحاصرة ومعها الاهالي لم يعودوا قادرين على الصبر أكثر أمام الموت قتلا وجوعا وحصار، وهكذا بدأت الهدن وكأنها الحل الأمثل للأطراف كلها، لكنها كانت عمليا اعلان انتصار النظام على الثورة السورية وبداية انهائها في مناطقها الثائرة، هذا ما حصل في حمص والغوطة وداريا والزبداني وفي اغلب مناطق سورية بعد ذلك.
- اخيرا.
في تحليل الكتاب نقول: أن الكتاب مهم في جانبه الميداني التوثيقي مغطيا في موضوعه السنوات الاولى للثورة السورية، وقد توصل الى مجموعة نتائج صحيحة سواء تحول الثورة السورية الى العمل العسكري وأنها كانت مضطّرة لذلك، او لقلّة الخبرة والدراية وسوء التصرف في ادارة المناطق المحررة، او لوقوع الثوار ومناطق تواجدهم ضمن خطة النظام الذي أجهض عمليا الثورة ميدانيا، بالقصف والحصار والتجويع والتشريد والاستسلام اخيرا.
أما ما لم يذكر في الكتاب إلا عابرا هو القرار الدولي بحماية النظام واستمراره بالحكم، والسكوت عن جرائمه وقبولها ضمنيا. كما تمثل بعدم دعم الثوار ممّن ادعى أنه مع الثورة السورية ليتمكنوا من اسقاط النظام، بل ترك الثوار عاجزين عن التقدم لأهدافهم، وكأن الهدف فقط هو استمرار الصراع الى وقت محدد، ثم هزيمة الثوار والثورة ودمار سورية وتشريد شعبها. ان ذلك ظاهر عيانيا الان ونحن في اوائل عام ٢٠١٩م، حيث النظام يسيطر على جزء من سورية ولكن بدعم روسي إيراني مع مليشيات طائفية والكل يمارس وجوده كمحتل، وسلطة النظام المجرم رهينة لهذه الدول، وجزء من سورية تحت سيطرة الأمريكان عبر وكلائها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي جناح حزب العمال الكردستاني، وجزء من سورية بيد قوى الثورة السورية في الشمال السوري تحت الرعاية التركية، اما مدينة ادلب وما حولها فهي تحت سيطرة هيئة تحرير الشام النصرة، والواقع فيها مفتوح على كل الاحتمالات، أما داعش فقد باشر الامريكان الاحتفال بإنهاء وجودهم في سورية بعد أن سيطروا في وقت سابق على أكثر من ثلث مساحتها.
هذه سورية التي لم يقبل النظام المستبد المجرم ان يعطي للشعب حقه بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، فجعلها بلدا في مهب الريح لعشرات السنين القادمة.