أعادت تصريحات جديدة لقائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، “حزب العمال الكردستاني” إلى الواجهة الإعلامية للحدث السوري، إذ أقرّ عبدي بوجود كوادر ومسلحين من هذا الحزب، والمصّنف لدى العديد من الدول في خانة التنظيمات الإرهابية، في الشمال الشرقي من سورية، غير أنه أشار إلى اتفاق بين الأطراف الكردية السورية يفضي إلى انسحاب تدريجي لمسلحي “الكردستاني” من البلاد.
وفي تصريحات لافتة، تحدث عبدي أول من أمس الجمعة، في مقابلة تلفزيونية، عن مقتل أربعة آلاف مقاتل من “حزب العمال الكردستاني” خلال المعارك التي دارت في سورية ضد تنظيم “داعش”. وأثنى عبدي على جهود هذا الحزب، ملوّحاً بالاعتماد عليه “إذا اندلعت حرب في المستقبل وتعرّضنا لهجوم من قبل أي قوة”، مشيراً إلى وجود دور لكوادر وصفها بـ”المدربة” من “العمال الكردستاني” في شمال شرقي سورية أو ما بات يُعرف بشرقي الفرات، مدرجاً هذا الأمر في سياق “الضرورات الميدانية” ضد “داعش”. غير أن عبدي، والذي كان قيادياً في “العمال الكردستاني”، أشار إلى اتفاق بوساطة أميركية بين الأطراف الكردية في سورية على الانسحاب التدريجي للحزب من سورية.
ويأتي اعتراف عبدي بوجود “العمال الكردستاني” في الشمال الشرقي من سورية، على الرغم من أن عدداً من قياديي هذا الحزب السوريين، تحدروا من جبال قنديل (مقر حزب العمال في المثلث الحدودي التركي العراق الإيراني) وتولوا مفاصل سياسية وعسكرية بارزة في المشهد السوري الكردي. ويعتبر وجود كوادر “العمال الكردستاني” العقدة التي حالت دون نجاح الحوار الذي بدأ في إبريل/نيسان الماضي بين “حزب الاتحاد الديمقراطي”، والذي يُنظر اليه باعتباره النسخة السورية من “الكردستاني”، وبين أحزاب “المجلس الوطني الكردي” الذي يُصّر على خروج “الكردستاني” من سورية، قبل توقيع أي اتفاق شراكة مع “الاتحاد الديمقراطي” الذي تهيمن ذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب) على “قسد”.
وبدأ وجود “حزب العمال الكردستاني” في سورية أواخر العام 2012، مع إنشاء وحدات “حماية الشعب” التي اعتمدت على كوادر ومدربين من هذا الحزب، الذي نشأ في جنوب تركيا في الثمانينيات من القرن الماضي. وتعزز وجود هذا الحزب في سورية مع بدء الحرب ضد “داعش”، وخصوصاً إبان المعركة التي دارت في محيط مدينة عين العرب (كوباني) في العام 2014، ثم كان لهذا الحزب من خلال الوحدات الكردية حضور قوي في “قسد”، والتي تأسست أواخر العام 2015 للقضاء على التنظيم في شمال شرقي سورية. وتحقق القضاء على “داعش” عبر حرب طويلة بدأت ذاك الحين وانتهت أوائل العام 2019 بكلفة عالية، ولا سيما من المدنيين حيث قتل عشرات الآلاف وتحديداً في مدينة الرقة، والتي دمّر طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أغلبها.
ولفت نائب رئيس “رابطة الكرد السوريين المستقلين” رديف مصطفى، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى أن حزب “العمال الكردستاني” موجود في سورية “منذ بدايات الثورة وبموجب اتفاق ثلاثي بين هذا الحزب وإيران والنظام السوري”. وعن الدور الذي يلعبه في الشمال الشرقي من سورية، أوضح مصطفى أن الحزب “يسيطر ويدير فعلياً الإدارة الذاتية في سورية بكافة جوانبها العسكرية والسياسية والإدارية والاقتصادية، سواء عبر كوادره من ذوي الأصل السوري أو من خلال الكوادر غير السورية الذين يُسّمون بالكادرو”. ولفت مصطفى إلى أن “هذه التجربة إلى الآن تخضع لسيطرة العمال الكردستاني وإدارته، حتى في الأمور التعليمية والثقافية”. وعن إمكانية فكّ الارتباط بين “الاتحاد الديمقراطي” و”العمال الكردستاني”، أعرب مصطفى عن اعتقاده أن هذا الأمر صعب في الوقت الراهن “نظراً لنوعية العلاقة وبنيتها، ونظراً لبنية وتركيبة حزب العمال الكردستاني”، موضحاً أن “حزب الاتحاد الديمقراطي أسسه حزب العمال في العام 2003”.
ويلاحظ المراقب للمشهد السوري الكردي أن مظلوم عبدي يحاول الخروج من تحت عباءة “العمال الكردستاني” ولعب دور وطني سوري، وهو كان أبدى استعداده للحوار مع الجانب التركي، إلا أن مصطفى رأى أن عبدي “سيكون مصيره العزل أو القتل في حال محاولته لعب هذا الدور”.
وتعتبر أنقرة “العمال الكردستاني” وتفرعاته خطراً يهدد أمنها القومي، لذا قامت بعمليات عسكرية عدة في سورية لتفادي هذا الخطر، أبرزها عملية “غصن الزيتون” في منطقة عفرين في ريف حلب الشمال الغربي، أوائل العام 2018، وعملية “نبع السلام” في منطقة شرقي الفرات في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. وعلى الرغم من توصل الأتراك إلى تفاهمات مع الروس والأميركيين، خصوصاً في الشمال الشرقي من سورية، إلا أن مخاوف أنقرة من الوجود العسكري الكردي في شرقي الفرات لم تتبدد بعد، إذ لا يزال الجيش التركي وفصائل سورية معارضة مرتبطة به، يهددون بتوسيع نطاق العمليات في الشمال الشرقي من سورية.
وتعليقاً على تصريحات عبدي، أوضح عضو الهيئة الرئاسية لـ”المجلس الوطني الكردي”، المنسق العام في حركة “الإصلاح الكردي”، فيصل يوسف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المطروح للتفاوض مع أحزاب الإدارة الذاتية من قبل المجلس الوطني الكردي يقوم على أرضية الشراكة بالإدارة الذاتية وفق اتفاقية دهوك (اتفاق كردي – كردي أبرم في العام 2014)، وبأن تكون هذه الإدارة من الأكراد السوريين حصراً، وآليات صياغة قراراتها شفافة، ومن دون أن أي تدخل أو مشاركة من أي طرف آخر”. وأشار يوسف إلى أن تصريحات عبدي عن وجود مقاتلين من “الكردستاني” كان لهم دور في تحرير عين العرب بناء على طلبه، تؤكد بأنهم سيخرجون لأنه لم يعد بحاجة لهم، لوجود الآلاف من المقاتلين في صفوف “قسد”. ورأى أنه “عموماً، نؤكد على أهمية احترام الخصوصية الكردية السورية في كل المجالات المتعلقة بهم والاعتراف بحقوقهم القومية في إطار دستور سورية المستقبلي”.
وتفرض “قسد” سيطرة شبه كاملة على منطقة شرقي الفرات، والتي تعادل نحو ثلث مساحة سورية وغنية بالثروات الزراعية والمائية والبترولية. ويعتبر الأكراد أقلية في هذه المنطقة، حيث يشكل العرب غالبية السكان، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بمستقبل هذه المنطقة في حال عدم خروج مسلحي حزب “العمال الكردستاني” تدريجياً منها. ويُنظر إلى “حزب العمال الكردستاني” باعتباره بات عبئاً على الأكراد السوريين، إذ لا يزال “الائتلاف الوطني السوري” المعارض يرفض الانخراط في مفاوضات مع حزب “الاتحاد الديمقراطي” وبقية الأحزاب التي تشكل “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية، طالما لم تعلن فكّ الارتباط مع “الكردستاني”.
المصدر: العربي الجديد