(أحمد لويزي) روائي مغربي، هذا أول عمل أقرؤه له. تبدأ الرواية عبر تحدث أشخاص الرواية تباعا عن ما يشغلهم، معاناتهم، كيف يفكرون، حياتهم الماضية، همّهم المباشر المعاش، وكيف ينظرون للمستقبل، نحن أمام عائلة الحسين بن سرحان، الذين يملكون منزلا في مراكش، اسم المنزل بلاّرج، بعد وفاة الوالد الحسين، وتبعثر العائلة كل في طرف، أصبح البيت معروض للبيع، تجتمع العائلة مجددا ليعطي كل رأيه في البيع ، وكيف تنتهي الحكاية.
الحسين بو سرحان الأب الذي عاصر الاستعمار الفرنسي للمغرب، والتحق في سلك الجيش الفرنسي، ثم التحق في سلك الشرطة المغربية بعد تحرر المغرب، كان شرطيا منضبطا ملتزما، يعتبر التزامه بما يأمره به رؤساؤه مقدس، تزوج من عيشة الطويل وأنجب منها فتاة اسمها نفيسة، وخمسة شباب حسن وعبد الهادي وعبد العاطي ومصطفى وحميد آخرهم. زمن الرواية هو المغرب في خمسينيات القرن الماضي وما بعد، كبر الاولاد والمغرب محكوم بالنظام الملكي، وكان يحكمها الجنرال اوفقير رجل السلطة القوي، وكان المغرب مثله مثل البلاد العربية في ذلك الوقت، مليء بالتيارات الفكرية والسياسية التي تفكر بالتغيير ولو بالعنف، الشيوعيون والقوميون العرب والاسلاميون، وكانت السلطة تتابع هذه التنظيمات وتضطهدها، وتعتقلها وتعذبها و تسجنها لفترات طويلة. حسن الابن الاكبر للشرطي حسين كان يساريا، عندما علم والده بذلك قرر اعتقاله، لان طاعة الدولة -عنده- فوق الروابط العائلية، وعندما علم حسن بذلك هرب الى فرنسا، استقر هناك وبنى لنفسه حياة جديدة ممتلئة بعلاقات دولية على علاقة بجمعيات حقوق الانسان والحريات العامة. استمرت العائلة على حالها، لكن مصطفى الابن الآخر للشرطي حسين سار على درب اخيه واهتم بالشأن السياسي، والتحق بأحد التنظيمات المحظورة، واصبح مطلوبا للشرطة، وعلم والده بذلك فقبض عليه وسلمه لجهاز الامن، الذي سجنه وعذبه إلى درجة فقدان عقله، خرج مصطفى من السجن، حالته أقرب للجنون، يعتقد نفسه طائر لقلق، يهلوس دائما بالطيران، تارة يفكر ان يصنع للطائر قفصة يضعه فيه، تارة يؤذن، تارة يحلم نفسه في ساحة مراكش يراقب كلقلق ما يحيط به. جنُ مصطفى وكان لجنونه عواقب قاسية على الشرطي حسين، فقد عاش نوبة تأنيب ضمير ستؤدي به لاحقا للإصابة بالشلل النصفي، ويصبح قعيد كرسي متحرك إلى أن يموت، اما الام عائشة فلن تغفر لزوجها التفريط بولدها مصطفى، وتقاطع فراش زوجها وتجعله يعيش جحيم مافعل، بين تأنيب الضمير وفي الحانات سكران، ومصاحبا بنات الهوى لتعويض جنس يفتقده، إلى أن سقط مشلولا. الاولاد كبروا وكل أخذ مسارامختلفا في حياته، عبد الهادي درس الحقوق واصبح محاميا، عبد العاطي عمل في السوق في مجال الأحذية، وتديّن ولقّب بالحاج عبد العاطي ، تزوج ابنة احد التجار في السوق لاحقا، اما الأبنة نفيسة فقد فاتها الزواج واختفت عن بيت العائلة لسنة ونصف ؟!، عادت وانزوت قرب امها عائشة، وسرعان ما حصلت على عقد عمل في الخليج ، وذهبت إلى هناك، اما حميد الصغير فما زال يدرس ، عايش وضع اخاه مصطفى اللقلق ووالده المقعد، تكيف مع وضع العائلة، كان يعرف كيف يجد الفرص ليحصل على المال على قلته، حيث كان يشحذ (يستعطي) على والده في ساحة المدينة أو امام جامعه الرئيسي، سرعان ما توفي مصطفى اللقلق، والوالد ، الشرطي حسين، وبدأت تتداول العائلة في فكرة بيع البيت، حيث ظهر الكثير من الأجانب يطلبون البيوت القديمة للشراء، أحدهم جاء من (اسرائيل) ودخل احد البيوت وادعى ان والده كان يسكن هنا قبل هجرته لفلسطين قبل خمسين عاما، ساوم على البيت دفع الكثير واشتراه، انه ذاكرة والده ؟!. جاءت فرنسية وطلبت شراء بيت العائلة، كان لكل من الاولاد رأي خاص ومصلحة خاصة. التم شمل العائلة مجددا، جاء حسن من فرنسا زاهدا في البيت وفي الاهل، لقد أصبح له حياة مختلفة في أوربا، أصبح موظفا مهما، موارده كبيرة ولديه الكثير من المال، لم تعد مراكش تعنيه الا كذاكرة بعيدة، وحنين غامض، وصحبة أصدقاء يذهب معهم إلى حانة للسكر و التفريغ عن النفس والسخرية من الدنيا ومن بعضهم، لقد أدركوا تفاهة عيشهم وانهم مجرد كائنات تسير للزوال، كان بيع البيت بالنسبة للام عيشة فرصة للحصول على مال يغطي مصاريف ما تبقى لها من عمر، حسن لم يهتم بشأن البيت وبيعه، كان حاضرا يراقب الوضع وينتظر ليفهم ويعرف ما يقرر، اما نفيسة الأخت التي جاءت من الخليج لوقت محدود، تتعامل مع اهلها كزائر مؤقت، بنت حياتها على الغربة، لا يعلمون حقيقة عملها، هل تخدم في المنازل فقط ام تبيع نفسها ايضا ؟!، هي صامتة عن ذلك، واخوتها كذلك، فاتها الزواج، واهلها غير قادرين ان يقدمون لها أي بديل حياتي، تنتظر أن تأخذ حصتها من بيع البيت لتعود إلى غربتها، وتستفيد من المال لتحسين حياتها. أما الاخ عبد العاطي الحاج، فقد طلب ان يشتري البيت له بصفته ممثلا لجمعية دينية، تخدم طريقة صوفية، وتجعل البيت مركزا لهم، لذلك طلب منهم أن يكون السعر اقل، ومساعدة لاخيهم، ومن أجل عمل الخير مع الجماعة الصوفية. لكن الاخوة عبد الهادي المحامي وحميد الصغير، فقد وجدا بيع البيت فرصة للحصول على مال أكثر للكل ليحسنوا مستوى معيشتهم، كلهم باستثناء حسن بأمس الحاجة للمال، لذلك فكروا ان لا يتم البيع للاخ الحاج عبد العاطي وأن يزايد عليه حسن ويشتريه، ولو صوريا، ويعاد بيعه للفرنسية بأحسن سعر، تحدث عبد الهادي وحميد مع حسن بذلك، لكن حسن متردد، فالأمر كله بالنسبة له سيان، وطلب من إخوته مهلة للتفكير.
في مستوى آخر كان هناك مسار آخر في الرواية، أنه المتغيرات السياسية في المغرب، وسقوط استبداد حكم الجنرال اوفقير بعد محاولته الانقلابية الفاشلة، وكيف قرر الملك ان يدخل البلاد في مصالحة وطنية، اعتمدت على خلق هيئة عدالة، تعطي للمتضررين من معتقلين أو قتلى أو مصابين بسبب انتمائهم السياسي، منبرا للبوح العلني بما أصابهم ، وأن يقدم لهم بعض التعويض المادي، كانت تلك خطوة مهمة على طريق الإنصاف والعدالة، لكن الرواية على لسان حال شخوصها، طالبت بأكثر من ذلك، الام عائشة طالبت ان تبوح بوجعها مما اصاب ابنها مصطفى من الاعتقال وكيف جن وكيف مات بعد ذلك وهو في عز شبابه، طالب المحامي عبد الهادي ان يكون التغيير جذريا، وأن يتم الانتقال إلى نظام دستوري ديمقراطي، وأن يتم محاسبة المسؤولين عن الظلم والاضطهاد الذي أصاب الناس، ان البوح والتعويض عدالة منقوصة.
تنتهي الرواية هنا حيث مطلب التغيير الديمقراطي الشامل في المغرب هو الحل لتجاوز آلام واستبداد ومظالم الماضي، وهو الضمان للمستقبل ان لا يتكرر هذا الماضي المشين.
في تحليل الرواية نقول:
للرواية مسلب وحيد، وهو وجود بعض الحوارات باللهجة العامية المغربية، التي تستعصي على الفهم الا بصعوبة عند جميع القارئين العرب.
غير ذلك، إننا امام رواية مهمة حيث تطال مرحلة تاريخية يجب معرفتها في المغرب، وموضوع مهم جدا عند العرب جميعا، أنه استبداد الأنظمة، وتسليط الضوء على أهم عيوبه، انه الاعتقال السياسي، طبعا هناك وعي لما يعنيه الاستبداد السياسي، حيث لا يهتم الحاكم الا بالمحافظة على الحكم وتأمين مصالحه على حساب شعبه، وكيف يعيش الشعب في أسوأ وضع معاشي، فقر وتخلف وضياع، لا ينجو الا من يهرب لاوربا، أو يغادر للخليج ولو باع ذاته بالرخص. وكيف أن الحل الجذري لأزمة الحياة العربية بعمومها، هو الوصول إلى الدولة الديمقراطية الدستورية، محققة للناس حياة تؤمن حريتهم وكرامتهم وحقهم بالعدالة والعيش الكريم.