صعد نجم مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا، بعد دورهم الرئيسي في السيطرة على مطار أبو الضهور جنوب شرقي إدلب في أيلول 2015، ومعارك جسر الشغور التي خسر فيها الحزب عددًا من عناصره.
ويعد التركستان أبرز العناصر “الجهادية” من جنسيات أجنبية التي قاتلت في سوريا ضد قوات النظام، كالأوزبك والطاجيك، إضافة إلى المقاتلين من أصحاب الجنسيات العربية.
واكتسب مقاتلو التركستان العاملون في شمال غربي سوريا حرية، بعكس بقية مقاتلي الجماعات “الجهادية” وعلى رأسهم التابعون لتنظيم “القاعدة”، بعد بيان نشرته “الوكالة الفيدرالية الأمريكية” الصادر في 20 من تشرين الأول الماضي، ونشر في 6 من تشرين الثاني الحالي، بإزالة “الحركة الإسلامية التركستانية” من قوائم الإرهاب الأمريكية.
وتعتبر “الحركة الإسلامية التركستانية” الفرع الأم لـ”الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا.
وما من تفسير لتصنيف الحزب على أنه تنظيم “إرهابي” بالأساس، سوى الاشتباه بعلاقات مع تنظيمات “متطرفة”، ويبدو أنه تبين لاحقًا أنها غير تنظيمية ولا إيديولوجية، وأدى ذلك إلى رفعه عن لائحة التصنيف كمنظمة “إرهابية”، حسب حديث الباحث في الجماعات “الجهادية” عبد الرحمن الحاج، لعنب بلدي.
لكن من المحتمل، بحسب الحاج، أن المقصود برفع العقوبات هو الصين، لتوسيع قدرة الحزب على التحرك والنشاط السياسي، وهو أمر بالتأكيد يزعج الصين، وبالتالي قد يأتي في سياق العلاقات الأمريكية- الصينية.
وسيجعل رفع العقوبات مقاتلي الحزب بمنأى عن استهدافهم من قوات التحالف، ويتيح للحزب قدرة أكبر على التجنيد والتمويل والحشد السياسي لقضيته.
وتخوض الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حربًا تجارية شملت عقوبات متبادلة وحظر شركات، ورسومًا جمركية إضافية على السلع والبضائع المستوردة منذ عام 2018.
كما أغلقت قنصلية الولايات المتحدة في مدينة تشينغدو، عاصمة مقاطعة سيشوان جنوبي الصين، في 27 من تموز الماضي.
المصلحة القومية أبعدت الحزب عن الصراع الداخلي
لم ينخرط التركستان في سوريا أو غيرها من الساحات التي شهدت معارك تدخل فيها “جهاديون” من جماعات وتنظيمات مختلفة مع أي تنظيم آخر، وعلى الرغم من قربهم من “هيئة تحرير الشام” منذ بداية تأسيسها تحت اسم “جبهة النصرة” لم يبايعوا أي فصيل.
وبحسب الباحث عبد الرحمن الحاج، فالقضية الإيغورية كانت منذ البداية شاغلًا رئيسيًا للحزب، الذي منذ تأسيسه يعرف قضيته، كالآتي: “نحن جماعة من العاملين للإسلام والمجاهدين في سبيل الله من أجل تحرير تركستان الشرقية”، وبالتالي فإن البعد القومي كان حاضرًا منذ البداية وكان هو الهدف النهائي، والواضح في التعريف أن العدو الأساسي هو الصين.
التقاطع بين مقاتلي الحزب وبين التنظيمات السلفية الجهادية كان موضوع الجهاد، لكن البعد القومي، الذي تعزز بممارسات الصين الصادمة ضد الإيغور، كان قويًا بحيث حال دون غرق التنظيم في الصراعات الفصائلية والغرق في التفاصيل السورية المحلية، ما أدى لتمتع الحزب بعلاقات جيدة مع الأتراك وبسمعة حسنة في الأوساط السورية، يعززها شجاعتهم وكفاؤتهم القتالية في مواجهة النظام وحلفائه، الذين يصادف أنهم حلفاء للصين العدو الرئيس لهم.
وفي 17 من أيار 2019، كان “الحزب التركستاني” قد هدد روسيا بـ “حرف أفغانية” في محافظة إدلب، إذ نشر إصدارًا، حينها، استعرض فيه الحرب الأفغانية، التي دامت لعشر سنوات، وقتل فيها أكثر من 15 ألف جندي سوفييتي وأصيب أكثر من 53 ألفًا، وفقًا لأرقام رسمية.
ولم يخل تاريخ “الحزب التركستاني” في سوريا من انتقاد، إذ اتهم بتفكيك محطة زيزون الحرارية في ريف حماة الغربي وبيعها خردة في أسواق مدينة سرمدا، وكانت المحطة حسب مصادر أفادت عنب بلدي، خضعت لسيطرة التركستان بعد سيطرة “جيش الفتح” على المنطقة في 2015.
إلا أن التركستان لا يتدخلون في الشؤون الداخلية المحلية للأهالي، وهو ما أدى لقبول من قبل الأهالي تجاههم.
وفي أيار 2018، فرض “الحزب التركستاني” مبالغ مالية (إتاوات) على صيادي السمك في قرية القرقور بريف حماة الغربي، ترتبط بدفع 72 ألف ليرة سورية على كل باب يفتح من بوابات سد القرقور، كما حدد ثلاثة أيام في الشهر لمقاتليه للصيد في السد.
الفصائل تفشل باستمالتهم
حاولت الجماعات الجهادية استمالة مقاتلي الحزب بسبب كفاءتهم العسكرية المتميزة، فهم مقاتلون شرسون لعبوا دورا مهمًا في الجبهات، لكنهم أظهروا موقفًا واضحًا من تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولم يتحمسوا لـ”القاعدة”، وظلوا على مسافة واحدة من الجميع.
وفي ظل امتناعهم عن الانخراط في التجمعات الفصائلية لم يكن بالإمكان الاستفادة منهم في العمليات العسكرية ضد قوات النظام وحلفائه سوى بالتعاون والتنسيق، حسب الباحث عبد الرحمن الحاج.
وبالنظر إلى شجاعة مقاتلي الحزب وكفاءتهم القتالية وتجنب الدخول في الصراعات المحلية على النفوذ وتجنب التدخل في حياة الناس اليومية، حظي الحزب بتقدير واحترام واسع بين السكان، ويعزز هذا الموقف تعاطف السكان الكبير عمومًا مع قضيتهم في الصين ومعاناة الإيغور من الاضطهاد.
ودخل “الحزب التركستاني” كوسيط لحل عدة توترات بين “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ الأكبر في إدلب وفصائل “جهادية”، أبرزها الاشتباكات بين “تحرير الشام” وغرفة عمليات “فاثبتوا” في حزيران الماضي.
إلا أنه أصدر بيانًا في شباط 2018، هدد فيه بالدخول إلى جانب “تحرير الشام” في معاركها ضد “جبهة تحرير سوريا”، التي كانت تضم “حركة أحرار الشام” وحركة “نور الدين زنكي” في إدلب، وهو ما استنكرته الأخيرة.
ولـ”الحزب التركستاني” موقع على الإنترنت يعرض من خلاله نشاطاته، وينشر مقالات وكتب وخطب، يحمل اسم “صوت الإسلام“.
وبحسب معلومات تحققت منها عنب بلدي العام الماضي، فإن نحو ثلاثة آلاف مقاتل أيغوري يقاتلون ضمن “الحزب التركستاني”، معظمهم أتوا مع عوائلهم، ويقيمون في ريف إدلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي.
يتركز انتشار “الحزب التركستاني” في مدينة إدلب ومدينة جسر الشغور ومحيطها، ومعظم نقاط حراستهم في جبلي الأكراد والتركمان بريف اللاذقية.
تأسست “حركة تركستان الشرقية الإسلامية” (الحركة الإسلامية التركستانية) في 1993، وتتخذ من إقليم وزيرستان شمالي باكستان مركزًا رئيسيًا لها، وتعتبر امتدادًا للدولة التي أعلنها الإيغور في إقليم شينجيانغ شمال غربي الصين حاليًا.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت “حركة تركستان الشرقية الإسلامية” منظمة “إرهابية” في 2002، قبل رفع هذا التصنيف في تشرين الأول الماضي.
ويتعرض الإيغور لعمليات قمع ومحو لهويتهم الثقافية والدينية من قبل الحكومة الصينية، التي تحتجز نحو مليون شخص منهم، بحسب منظمة “العفو الدولية“.
وترفض الحكومة الصينية اعتبارهم من السكان الأصليين، ولا تعترف بهم إلا على أنهم أقلية إقليمية داخل دولة متعددة الثقافات.
يتكلم الإيغور الـ”قارلوقية” وهي من اللغة التركية، وساعدتهم اللغة المشتركة مع الأتراك في اعتبار تركيا محطة انتقال للأراضي السورية.
المصدر: عنب بلدي