لا توجد سياسة معلنة وواضحة من قبل جو بايدن الرئيس الأميركي الجديد تجاه سوريا. المعلومات تجمع من تصريحات ومواقف صادرة عن بايدن أو عن فريق عمله في الأعوام الأخيرة حول الملف. لا حديث عن روسيا وإيران وسياستهما هناك وكيف سيتم التعامل معهما. الانتقادات في غالبيتها هي لتركيا ومواقفها حيال “قسد” حلفاء واشنطن في شرق الفرات وشركاء المواجهة مع داعش.
السوريون ينتظرون من بايدن وفريق عمله خطوات سريعة جريئة وحاسمة في التعامل مع الملف السوري وضرورة الإطاحة بالنظام فهل يعطيهم ذلك؟
بايدن قد يطالب بمنحه بعض الوقت للإعلان عن سياسته السورية لكننا لا نعرف ممن سيطلب ذلك؟ من الروس والإيرانيين والأتراك؟ أم من حلفائه المحليين والإقليميين؟ أم من قبل ناخبيه الذين تختلف أولوياتهم تماما عن أولويات الشعب السوري؟ موسكو وأنقرة لن ينتظراه مطولا خصوصا إذا ما كانت المؤشرات الأولى حول طريقة تشكيل فريقه الذي سيتابع الشأن السوري غير مشجعة والأرجح أن هذا ما سيجري.
وعد بايدن الشعب الأميركي باسترداد المبادرة من روسيا والصين واستلام دفة القيادة في سفينة الإبحار بالعالم نحو المزيد من الحريات والديمقراطية والمساواة والعدالة. البداية لن تكون من سوريا حتما فهناك أولويات أخرى أهم تنتظر في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية. الرهان إذا على مفاجأة سياسية عسكرية كبيرة يقودها بايدن في التعامل مع الملف السوري قد تحمل معها خيبة أمل أكبر بعد شهرين عندما يتسلم مهامه في البيت الأبيض.
توني بلينكن أقرب اعوان بايدن والمرشح الأقوى لمنصب مستشار الأمن القومي الجديد أوجز لنا خطط ومشاريع الدبلوماسية الأميركية في سوريا: أميركا حاليًا ضعيفة في سوريا وليس لها الوجود المطلوب. بايدن سيحتفظ بوجود عسكري أميركي شمال شرقي سوريا لدعم مشاريع قسد ولتأمين حقول النفط وللضغط على النظام في دمشق كي لا يذهب بعيدا وراء المغامرات الروسية والإيرانية. إحياء مفاوضات جنيف لن تحدث إلا إذا زادت الولايات المتحدة النفوذ على الأرض. بلينكن مع بقاء القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا. يريد معاقبة الأسد طبعا لكنه قد يساوم على “قانون قيصر” إذا ما وجد تعاونا من قبل النظام في تجاهل حراك قسد نحو بناء الكيان الكردي والتخلي عن علاقته بطهران في سوريا.
في العلن بايدن هو ديمقراطي. وعادي جدا أن يتحرك باتجاه الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ومواجهة التنظيمات المتشددة وتسهيل بناء سوريا الجديدة. لكن ما لم يقله بلينكن أن بايدن هو من قاد مشروع التفتيت في العراق عام 2003 وهو من اقترح عام 2006 دولة كردية على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا وأن يكون الحسم في سوريا عسكريا وليس سياسيا.
كامالا هاريس التي ستكون في منصب نائب الرئيس انتقدت إدارة ترامب بعد سماحها لتركيا شن عملية “نبع السلام” ضد “قسد”. وهي التي دعمت الضربة الأميركية ضد النظام في الشعيرات ردا على
استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين. لكنها تعرف تماما أن بايدن لن يذهب وراء خطط الإطاحة بنظام الأسد بالقوة، وسيعمل باتجاه إجباره سلميا على الانتقال السياسي. جو بايدن، لم يكن من المؤيدين في إدارة أوباما لفكرة تزويد فصائل المعارضة السورية بالأسلحة، لكنه كان بين الداعمين لإرسال السلاح والعتاد إلى مجموعات قسد تحت ذريعة محاربة مجموعات داعش.
أولويات بايدن في سوريا هي حتما غير أولويات فصائل المعارضة السورية. هذا ما حدث مع باراك أوباما ثم مع دونالد ترامب فلماذا يأخذ شكلا مغايرا جديدا مع جو بايدن؟
الحليف المحلي هو قسد في شرق الفرات والهدف هو توفير الحماية اللازمة لمشروعه في سوريا الجديدة. الحليف الإقليمي هو إسرائيل وضرورة الأخذ بمصالحها في جنوب سوريا بعين الاعتبار. بين الأهداف أيضا المساومة مع طهران التي تنتظر “الفرج النووي” بعدما حاصرها ترامب في الزاوية الإقليمية. تنازلات تقدمها إيران في سوريا والعراق ولبنان وعدم الاقتراب من الشركاء الخليجيين مقابل تخلي واشنطن عن العقوبات والمحاصرة وتضييق الخناق على سياساتها ومصالحها. ثم ترك الأمور على ما هي عليه في سوريا وتبني بايدن بالتالي لشعار “الأسد أو نحرق البلد”. طالما أن استمرار الأزمة في صلب المصلحة الأميركية الإسرائيلية المدعومة من قبل بعض العواصم العربية والأوروبية والهادفة لاستنزاف ثلاثي الأستانا هناك.
تقارير كثيرة لا تتوقع أن تبدل واشنطن من نهجها تجاه سوريا. الذي قد يتغير هو طريقة لعب الإدارة الأميركية الجديدة للملف وسبل تجييره لصالح تحالفات وإعادة تموضع جديد في التعامل مع مسائل إقليمية. إطالة عمر نظام الأسد في السلطة بين الخيارات المتوقعة التي قد يطرحها فريق عمل بايدن على إيران وروسيا إرضاء لحلفاء محليين وإقليميين بانتظار انحسار الخلافات حول ملفات تقلق شركاء أميركا وتعزز موقع إسرائيل ونفوذها في المنطقة مثل: إنجاز المزيد من خطوات التطبيع العربي الإسرائيلي، تفاهمات ترسيم الحدود البحرية بين كل من إسرائيل ولبنان وسوريا وإضعاف النفوذ التركي في المنطقة. العقبة الأهم التي يريد بايدن التعامل معها سريعا قد تكون إضعاف النفوذ التركي في شمال شرقي سوريا فمع من وكيف سيفعل ذلك؟
بطريقة أخرى خيارات بايدن قد تكون العمل على تعقيد الملف السوري أكثر فأكثر والحؤول دون حدوث التفاهمات إذا ما شعر أن الأمور ستكون على حساب واشنطن وحلفائها المحليين والإقليميين في المنطقة. متى وأين سيفعل الرئيس الأميركي ذلك؟ عندما يتأكد من حدوث التفاهمات الروسية التركية حول ضرورة تسريع عملية الحل السياسي في سوريا لقطع الطريق على الاختراقات الأميركية المحتملة باتجاه تشبيك الأمور في سوريا. نجاح موسكو وأنقرة في قره باغ قد يتحول إلى سلسلة تفاهمات أوسع في قرقزستان وجنوب القوقاز وأوكرانيا وشرق المتوسط. سوريا قد تكون مجددا على الطاولة الثنائية وهي المادة التي ستقلق بايدن أكثر من غيرها كونها حجر عثرة أمام منظومة التحالفات الجديدة التي قد يريد تأسيسها على حساب النفوذ الروسي والتركي الإقليمي.
بايدن يميل إلى إبقاء القوات الأميركية حتى بعد القضاء على داعش وفلولها لأن الهدف الحقيقي هو توفير الحماية لنشاطات وانتشار وتمدد نفوذ قسد في شرق الفرات وتسهيل ولادة الكيان الكردي وإعلانه في اللحظة المناسبة. الإدارة الأميركية الجديدة ستسعى للعب دور أكبر باتجاه تأمين الغطاء السياسي والقانوني والدبلوماسي للدويلة الكردية في سوريا والتفاوض على تثبيت ذلك في دستور سوريا الجديد، وهي ستذهب باكرا وراء توفير التعبئة والشحن السياسي الإقليمي والدولي لهذا المشروع. الأرضية اليوم قد لا تكون مؤهلة لذلك المطلوب إذا افتعال أزمة أكبر في سوريا عبر اشعال جبهات عسكرية جديدة بين النظام وقسد أو بين الأكراد والعرب لتكريس الخرائط وتثبيتها جغرافيا. الذي سيساعد بايدن على تحقيق ذلك هو إسرائيل وحلفائها الجدد في العالم العربي.
المواجهة المرتقبة ستكون بين اصطفافين جديدين في المشهد السوري في إطار معادلات وتوازنات محلية وإقليمية جديدة تحمل العديد من المفاجئات. الكثير من حلفاء بايدن الإقليميين يطالبون بعدم انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات وزيادة الدعم المقدم لقسد ويجاهرون في وقوفهم إلى جانب مخطط تقسيم سوريا. ما يقال يتطابق مع ما يريده بايدن وهو سيفعل ذلك تحت عنوان إرضاء الحلفاء والأصدقاء أيضا.
بقي التذكير بأن مشكلة بايدن الحقيقية في تنفيذ مثل هذا المخطط هي تمدد النفوذين التركي والروسي في سوريا وأن عليه الاستعداد لمفاجآت من قبل الشريكين الجديدين في أكثر من ملف إقليمي إذا ما حاول عرقلة ما تم إنجازه في سوريا حتى الآن والاقتراب من أحجار الدومينو التي شيدت هناك بحساسية بالغة. أما أن يقبل بايدن بأن يكون شريكا في اللعبة التي حددت معالمها بعلم ترامب وقبوله الضمني أو أن يقبل تحمل ارتدادات ما قد يجري في سوريا على حساب أميركا ونفوذها.
قال معاون وزير خارجية النظام في سوريا أيمن سوسان، إن دمشق تستعد هي الأخرى لبايدن المطلوب منه أن يتعلم من أخطاء أسلافه. ما هو موقف قوى المعارضة السورية وكيف تستعد هي الأخرى لبايدن رئيسا، هل ستكتفي بما قاله لها وهو مرشحا؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا