بعد عدة أشهر من تحركها الدبلوماسي، نجحت روسيا في عقد مؤتمر خاص باللاجئين السوريين في دمشق، ولكن بمشاركة دول لا تستضيف لاجئين كالصين وإيران وعمان والإمارات والهند وفنزويلا، إذ رفضت حضور المؤتمر الدول التي يتركز فيها وجود اللاجئين ومن أبرزها دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة وكندا باستثناء لبنان، الذي يؤثر على قراره حزب الله حليف النظام، بينما لم توجه الدعوة إلى تركيا التي تضم العدد الأكبر من اللاجئين.
وعقدت روسيا المؤتمر بدمشق بعد ساعات من لقاء على الفيديو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد، تناول بشكل خاص ملف اللاجئين، وركز فيه بوتين على أنه هو من دعا سابقا رأس النظام لدعم مبادرة إعادة اللاجئين، ما يؤكد أن المؤتمر روسي بامتياز، وأن النظام ليس جديا بإعادة اللاجئين إلا بشروط، وقد هجر نصف عدد سكان البلاد بين نازح ولاجئ، بعد أن وضعتهم آلته العسكرية بمشاركة روسيا وإيران أمام خيارات هي القتل أو التهجير أو الخضوع.
توظيف سياسي لأهداف اقتصادية
مشاركة دول داعمة للنظام، وغير فاعلة في ملف اللاجئين، تؤكد أن أهداف روسيا من عقد المؤتمر سياسية بأبعاد اقتصادية، ومن أبرزها تعويم النظام، من خلال وجود عدد من الدول بغض النظر عن علاقتها بملف اللاجئين، وتريد من خلاله الظهور دوليا بأنها تحقق نجاحات في حل سياسي، ما ينعكس برأيها بشكل إيجابي بحصولها على دعم غربي بالنسبة لإعادة الإعمار، التي يعجز اقتصاد النظام المدمر واقتصادها الهش عن تحقيق تقدم فيها، عدا عن كونها دخلت سورية ووظفت واستثمرت بآلتها العسكرية بهدف تحقيق أرباح وحضور في المنطقة.
وركزت كلمات كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي ألقاها نيابة عنه المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتيف، وكبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي وسفير الصين في سورية فونغ بياو ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية شربل وهبة في افتتاح المؤتمر يوم الأربعاء، على دعوة المجتمع الدولي ولا سيما الدول الغربية للمشاركة في حل ملف اللاجئين، من خلال دعم إعادة الإعمار.
ونظمت روسيا والنظام في اليوم الثاني للمؤتمر زيارات للوفود المشاركة شملت مراكز إيواء وملاعب رياضية والمتحف الوطني بدمشق ووزارات الإدارة المحلية والتربية والاتصالات والتقانة والزراعة والكهرباء ومجلس الشعب والخارجية واللجنة الأولمبية السورية، بحسب ما أوردته وسائل إعلام النظام، والهدف على ما يبدو هو إعطاء انطباع بأن مؤسسات النظام لا تزال قائمة وتحتاج إلى دعم دولي.
ويربط الغرب بين الحديث عن ملف اللاجئين وبين تهيئة الظروف الملائمة لعودتهم، من بينها تحقيق تقدم سياسي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ديسمبر 2015، والذي يؤكد ضرورة إنجاز الانتقال السياسي وانتخابات حرة نزيهة بمشاركة المهجرين خارج سورية، وتأهيل المناطق المتضررة، وفقا للقانون الدولي، لكي يتم العمل على إعادة اللاجئين بشكل آمن وطوعي تأخذ بالحسبان مصالح الدول التي تستضيف اللاجئين.
وقد ظهر ذلك واضحا من خلال ما أعلنه المتحدث الرسمي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، إذ كرر تأكيده أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، يحدد إطار العمل للحل السياسي الشامل والمستدام للنزاع السوري، ومعالجة الأسباب الكامنة للنزاع وأزمة اللاجئين والنزوح الداخلي.
وفشلت روسيا مرارا في إقناع الغرب بدعم دعوتها لإعادة اللاجئين، إذ وصل بها الأمر لدفع الكنيسة الأرثوذكسية لديها لحضّ المجتمع الدولي والطوائف المسيحية على المساعدة في إعادة الإعمار، بحسب ما أعلنه رئيس قسم العلاقات الخارجية في السينودس المقدس لبطريركية موسكو، المطران هيلاريون، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية.
ضغوط روسية على النظام
ويبدو أن الروس الممسكين بقرار النظام السياسي فرضوا على النظام الانخراط في ملف إعادة اللاجئين، وهو ما اتضح من خلال حديث بوتين مع بشار الأسد خلال اللقاء الأخير، إذ قال له: “فخامة الرئيس الأسد، دعوتكم سابقاً لدعم المبادرة وبذل الجهود لإعادة اللاجئين السوريين، وحينها اتفقنا على متابعة أعمالنا في هذا الاتجاه واتفقنا على تشكيل فريقين للتنسيق من كلا البلدين، واليوم تتخذ الإجراءات ومختلف التسهيلات لتمكين ومساعدة اللاجئين من العودة”.
ويرجح أن يكون الروس بالنسبة لملف اللاجئين، على عكس النظام، مستفيدين من عودة قسم من اللاجئين بعد أن ضمنوا حضورا شرعيا في سورية من خلال اتفاقيات عسكرية واقتصادية بعيدة الأمد، ورعوا مصالحات في مناطق خفض التصعيد ولا سيما في المناطق الجنوبية، بحيث أصبحت روسيا من خلالها تفض نزاعات بين النظام والأهالي، إضافة إلى مسار أستانة الذي ترعاه وتدخل فيه تركيا وإيران.
النظام غير معني بعودة اللاجئين
ورأى الكاتب والمحلل السياسي فوزات رزق في حديث مع “العربي الجديد”، أن الروس لا يضغطون على بشار الأسد بقدر ما هم يأمرونه بتنفيذ ما يريدون.
وأضاف في هذا السياق: “إن الروس يحاولون تهيئة مناخ من الاستقرار في سورية بالشكل الذي يريدونه للحفاظ على بشار الأسد وعلى مكتسباتهم التي اغتنموها في ظل الأزمة السورية، ولكن أية عودة اللاجئين لن تكون آمنة إلا في ظل حل شامل وتسوية سياسية للقضية السورية”.
أما الكاتب والصحافي نبيل ملحم فرأى في حديث مع “العربي الجديد” أن “الروس ومعهم النظام ليس لديهم أي مصلحة بعودة لاجئ واحد إلى سورية، وهم يلعبون بورقة اللاجئين من أجل أولاً إعطاء شرعية للنظام من خلال القول إنهم عادوا إلى حضن الوطن وكلنا يعلم أن ذلك يعني حضن النظام، وثانياً من أجل استجرار تمويل دولي لإعادة إعمار مزعومة هي في حقيقتها من أجل ملء خزينة النظام الفارغة”.
وفي مقابل ذلك، لا يبدو النظام معنيا بشكل كبير بعودة اللاجئين، وهو الذي دفعهم للهجرة، وأطلق مصطلح المجتمع المتجانس وسرّب قائمة بأكثر من مليون شخص مطلوب اعتقالهم، وكان يطلب من المعارضين مباشرة وبشكل غير مباشر مغادرة البلاد، كما أكد عدد ممّن طردهم من وظائفهم لنشاطهم المعارض.
ثم إن معظم مناطق خفض التصعيد التي بقي الأهالي فيها، وخاصة المنطقة الجنوبية لا تزال تؤرق النظام، كما أنه كان بعث برسائل للاجئين وما ينتظرهم إن هم عادوا، فبحسب ما أكده وزير شؤون النازحين في لبنان معين المرعبي، في نوفمبر من العام قبل الماضي، قتل النظام واعتقل عددا ممن عادوا من لبنان إلى سورية.
إضافة لذلك، فقد أصدر مراسيم وقرارات تؤكد القطيعة مع اللاجئين من بينها المرسوم رقم 10 في نيسان من العام ما قبل الماضي، والذي وصفته ألمانيا بـ”الغدر”، إذ يُلزم مالكي المنازل بتقديم ما يثبت ملكيتهم للعقارات في غضون 30 يوما، وإلا فإنهم سيخسرون ملكية هذه العقارات، وتصادرها الدولة، ويحق لها تمليك العقارات لمن تراه مناسبا.
وقد يعمل النظام تحت الضغط الروسي على إصدار بعض القوانين والإجراءات والترويج لها إعلاميا فقط، شرط أن يحصل على مساعدات مالية كبيرة، ولا سيما أن الكلمات في مؤتمر اللاجئين، ومن بينها الكلمة التي ألقاها بشار الأسد، ركزت بشكل كبير ولافت على وجوب مشاركة المجتمع الدولي في حل ملف اللاجئين، وأيضا قد تكون ضغوط بوتين تتضمن في جزء منها وعودا ببعض التطبيع العربي معه، وهو ما عكسه حضور دولة الإمارات في المؤتمر.
ويبقى أن وضع روسيا ملف اللاجئين في البازار الإقليمي والدولي، والمساومة عليهم، بدفع دول لا علاقة لها بملف اللاجئين لتشكيل كتلة ضغط، عدا عن أنه يشكل انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، فهو يعد جريمة أخرى بحق السوريين، فالقضية السورية هي سياسية وهذا ينطبق على جميع ملفاتها ومن بينها ملف اللاجئين.
المصدر: العربي الجديد