كثف بشار الأسد خلال المدة الماضية، ظهوره الإعلامي لا سيما مع قنوات روسية وفي أحداث من بينها الحرائق ومن خلال إصدار مراسيم تشريعية ومناسبات أخرى، معلناً سلسلة مواقف سياسية تحدث فيها عن موقف النظام من لجنة صياغة الدستور والعلاقة مع إسرائيل وقضايا أخرى.
كذلك كثّفت زوجته أسماء الأسد بشكل لافت حضورها في مجالات متعددة، منطلقة من كونها زوجة الرئيس والجالسة حديثا على إمبراطورية اقتصادية بعد إزاحة رامي مخلوف مسؤول اقتصاد النظام وذراعه التي كانت تهيمن على مؤسسات هي الأضخم في البلاد.
الظهور الواسع واللافت لـ بشار وزوجته، قد يوحي بأن النظام بات يسيطر على الأوضاع في البلاد، في ظل غياب مواقف واضحة وصريحة من قبل القوى الكبرى إزاء مسألة قبول استمراره في الحكم بشكل قطعي، إذ إنها ما تزال ضبابية – على الأقل في العلن – ولا تفصح إلا في إطار وجوب الالتزام بالقرار 2254 الذي تتعدد التفسيرات حوله لا سيما ما يتعلق بعملية الانتقال السياسي، وأيضا ضرورة تحقيق تقدم في عمل لجنة صياغة الدستور التي يسميها النظام لجنة مناقشة الدستور”القائم”، في وقت تتجه دول عربية للتطبيع مع النظام وكان آخرها دولة الإمارات.
وبموازاة توجه نظام الأسد المشار إليه، تعمل روسيا وهي الداعم العسكري الرئيس للنظام على محاكاة الخارج لا سيما بخصوص مسألة اللاجئين، من خلال اعتزامها عقد مؤتمر بهذا الخصوص في دمشق – بدأ اليوم -، دون تهيئة الظروف المحلية لذلك وفق ما نص عليه بيان جنيف 1، وبدء التحضير أيضا لجولة جديدة من مفاوضات أستانا، إضافة إلى حراكها الدبلوماسي لجهة إيجاد ترتيبات في الجنوب السوري انطلاقاً من مصالح إسرائيل.
اتجاه دولي للحفاظ على الوضع القائم في سوريا حتى إشعار آخر
وفي حين يصور النظام من خلال بروباغندا تكثيف ظهور بشار وزوجته، وإلى حد أقل من خلال داعميه الروس بأن وضع البلاد تحت السيطرة وقضي أمر السنوات العشر الماضية، وأنه آن الأوان للخارج خصوصاً أن يعترف بهذه الحقيقة رغم مقتل وجرح نحو مليون شخص ووجود نصف عدد السوريين بين نازح ومهجر، والداخل منهك معيشيا، وآلاف الأبنية مدمرة، … إلا أن الولايات المتحدة والأوروبيين وبعد كل الجرائم التي ارتكبها النظام ليس بوسعهم العودة إلى وضع ما قبل الثورة، لكن دون أن يعني هذا أن هناك قرارا بإسقاط النظام كما يقول خطار أبو دياب أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس.
ويوضح “أبو دياب” لـ موقع تلفزيون سوريا أن بقاء النظام هو أمر واقع لكن من دون اعتراف الدول التي عارضته، فهناك اتجاه للحفاظ على هذا الوضع حتى إشعار آخر مع تمسك الغرب خصوصا بالقرار الدولي 2254 ، ولن يكون هناك حتى أي نوع من الخروج من الوضع القائم أو نوع من الحلحلة، ما دامت التقاطعات التي قادتها روسيا في سوريا تحت العين الأميركية لا تنكسر وما دام التغيير في سوريا مستحيل الآن، والشعب السوري أسير.
وأضاف “أبو دياب” أن النظام هو أفضل الموجود بالنسبة لإسرائيل من جهة إنهاء سوريا وشعبها وتدمير بنيتها التحتية واستمراره بنفس النهج منذ العام 1974 وحتى اليوم، وهو نظام تعطيل لشعبه ولاندماجه ونظام تحالفات خارجية مشبوهة، ولذلك فإنه إضافة إلى أن روسيا وإيران لن تسمحا بإسقاطه، لم يكن هناك يوماً قرار أميركي دقيق وواضح ونهائي بإسقاطه.
هل هناك تفاهم دولي على بقاء النظام؟
تتنوع الآراء حول حقيقة وجود تفاهم دولي غير معلن لبقاء نظام الأسد أساسه اتفاقات “كيري ـ لافروف” نهاية العام 2016 والمؤلف من 5 وثائق بقيت منها 4 سرية بطلب من الولايات المتحدة، في حين نشرت وثيقة واحدة بعنوان “الحد من العنف واستعادة إمكانية وصول المساعدات الإنسانية وإقامة مركز التنفيذ المشترك” حسب ما أعلنته حينها المتحدثة باسم الخارجية الروسية “ماريا زخاروفا” وأن ما حدث منذ ذلك التاريخ حتى الآن هو ترجمة لتلك الوثائق السرية.
ويرى الكاتب والصحفي صخر إدريس أن هناك تفاهماً دولياً على بقاء النظام كمؤسسات ورحيل بشار الأسد عندما يحين الوقت ولكن بعد التفاهم على تقاسم مصالح الدول في سوريا، مضيفاًَ أن الصراع الحالي هو صراع مصالح ولا أحد يهمه بقاء بشار لكنهم يستخدمونه كأداة وله مساحة صغيرة من القرار ليتحرك فيها وهو يلعب في هذه المساحة فقط.
من جانبه يرى الكاتب والباحث حسام جزماتي أنه لا يوجد تفاهم دولي على بقاء النظام ولكن في الوقت نفسه ليس لدى القوى الكبرى خيار واضح للبديل إنما ما يزال الروس متمسكين ببشار الأسد حتى الآن، مضيفاً “بشار الأسد وزوجته لا ينتظران تفاهماً دولياً على بقائهما أو عدمه لكي يمارسا نشاطاتهما من ظهور ويقوما على سبيل المثال بزيارات لقرى القرداحة أو الدالية وغيرهما.
أبعاد تعليق صورة أسماء في حمص والآيفون 12
حضور اسم أسماء الأسد كان بارزاً في الآونة الأخيرة من خلال حدثين في كل من حمص ودمشق، لا سيما أن صورتها الكبيرة التي عُلّقت على مبنى في مدينة حمص، بمناسبة تكريم مؤسسة “العرين” التي تتبع لها للجرحى، كانت سابقة بتاريخ عائلة الأسرة الحاكمة في سوريا، وأيضا فإن عرض شركة “إيما-تيل” التي تملكها أسماء لهاتف الآيفون 12 بعد الإعلان عنه في الولايات المتحدة بعشرة أيام فقط، كان حدثاً لافتاً خاصة أنه تم في ظل العقوبات التي فرضها الغرب والولايات المتحدة على نظام الأسد، ما طرح تساؤلات حول الدول المنوط بها في المستقبل، إلا أن هذا الدور كما يقول الكاتب والصحفي غسان مفلح يقتصر فقط على تلميع صورة النظام.
ويضيف مفلح لـ موقع تلفزيون سوريا أن “ورقة النظام هي في تل أبيب التي ما تزال تحميه حتى اللحظة، لكنه أبدا لا يعرف مستقبله مع أميركا وإسرائيل.. وإن القبول ببقائه يعني إعطاءه شرعية دولية وهذا يتم فقط عندما تعيد الدول علاقتها معه وهذا مرتبط برفع العقوبات غير المطروحة حتى اللحظة.
تلميع صورة النظام لن يجدي نفعاً
هذا التلميع للنظام لن يجدي نفعاً حسب محمود النجار – السياسي وعضو حزب الشعب الديمقراطي السوري ورئيس الأمانة العامة لـ إعلان سوريا – ويوضح ذلك في قوله “إذا نظرنا إلى حيثيات القرار 2254 ومقررات جنيف 1و2 والمجموعة المصغرة، كلها تشير إلى انتهاء زمن بشار الكيماوي”.
ويضيف “النجار” أن تعثر اللجنة الدستورية مرده تمرير الوقت للوصول للعام 2021 عندها ستكون الحقائق على الأرض وتشكيل مجلس عسكري مدني يقود المرحلة الانتقالية وإجراء انتقال سياسي وتشكيل لجنة انتخابية تشرف عليها، لأن أكثر من نصف السوريين خارج سوريا وهذا له تبعاته وبالتالي “لا مناص من التغيير لأن المعطيات تشير إلى ذلك وهذا أملنا بالخلاص من الطغاة والبغاة والانتقال الى نظام ديمقراطي برلماني تعددي يعني الى دولة المواطنة”.
دور أسماء الأسد تكميلي
يرى المحلل السياسي جبر الشوفي أن دور أسماء الأسد هو دور مكمل وليس متفردا، ولا يخرج من موقعها في الشق السياسي، ويوضح ذلك قائلاً “لم تتجاوز أسماء دورها كشخصية تزيينية مكملة لبيت الرئاسة وكلازمة من لوازمه، ولا يمكن التفكير بها ولا شملها بالمسؤولية عن القرار السياسي الحصري بيد زوجها”.
ويضيف أن الاحتفاء بأسماء الأسد في بابا عمرو وصفقة آيفون 12 والبطاقة الذكية وغيرها لا تتوج سوى ما تعتقده من انتصارها في معركتها الاقتصادية المكلمة وهو يظل احتفاء بها من خلال زوجها ورئيسها وبيت رئاسته، وهو لا ينفصل عن احتفال مافيوي ماجن بالانتصار على الشعب ومستقبل سوريا ومن مكملاته وتوابعه وليس جوهرياً ولا يؤشر إلى أي مستقبل سياسي لأسماء خارج أسرتها، حيث ما يزال تركيزها هي وزوجها في العمل على متابعة سلسلة التوريث في أولادهما ودعم هذا المسعى بشكل من أشكال التقاطع الطائفي بين الطائفتين الكبريين السنية والعلوية، ولكن ضمن تكثيفهما في عائلة (خلاسية) واحدة، يمثلها أبناء بشار وأسماء معاً.
رسائل بشار الأسد وزوجته للداخل والخارج
تحت غطاء إبقاء الوضع القائم في سوريا دولياً على ما هو عليه، يأتي حراك بشار الأسد وزوجته ليبعث برسائل للداخل والخارج، فإضافة إلى الايحاء بالإمساك بالبلاد فإنه يتعلق بإثبات حالة وجود وسط تصاعد أزمات الأهالي المعيشية، ووجود روسيا وإيران وغيرهما في معظم مناطق البلاد كقوى تتقاسم النفوذ مع انسداد أفق الحل السياسي.
وإثبات الوجود هذا بدأ في مرحلته الأخيرة ببعد عسكري، إذ دشن فيه بشار الأسد هذه المرحلة المكثفة في المدة الماضية بزيارة قطعة عسكرية في إدلب كذلك بدأت أسماء تلك المرحلة المستجدة بعد شفائها من سرطان الثدي من قطعة عسكرية في ريف دمشق ظهرت فيها مع زوجها وأولادها، إذ إن هذا الحدث كان لافتاً في إظهار البعد العسكري ما يعنيه ذلك من استعراض للقوة، ويعد سابقة بالنسبة لنشاطات أسماء الأسد التي كانت تركز بأوقات متباعدة على الظهور من خلال حالات إنسانية، وتبع ذلك مناسبات استقبلت فيها الجرحى ” بشكل منفرد ” كان آخرها زيارة قرى تضررت من الحرائق في مناطق الساحل وحمص يضاف إلى الحدث الأكبر والأهم وهو تعليق صورتها في حمص.
وقد يطرح ذلك نظرية ربما يكون لها احتمالات قائمة تنطلق من طريقة تفكير النظام وضربه على الوتر الطائفي، وهي أنه يرمي من خلال تعويم أسماء الأسد بالشكل الذي تظهر به محاكاة المكون الرئيس والأكبر في البلاد أي (السُّنة) من خلال زوجة الرئيس وبإظهار أن للنظام شقين من مكونين، إذ من الصعب تصور أن يكون الدافع وراء إبعاد رامي مخلوف “فقط” اقتصادي وهو أحد أعمدة نظام بشار الأسد الرئيسية وخازن العائلة الحاكمة، ووريث والده محمد مخلوف الذي كان جناح النظام الاقتصادي في فترة حكم حافظ الأسد، ولكن الأيام القادمة قد تكشف خفايا ربما من خلال الروس الداعمين العسكريين للنظام والممسكين بقراره السياسي، ما يمكن أن يكون قد استند إليه بشار الأسد وزوجته في نشاطاتهما والأبعاد الحقيقية وراء تكثيف ظهورهما.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا