كان يبدو حينئذٍ أن سوريا على وشك العودة إلى الحضن العربي، عندما ظهرت احتمالية أن تعيد الجامعة العربية دراسة عضويتها فيها وعندما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه يؤيد الجيش السوري الوطني ومستعد لإرسال إرساليات سلاح لصالح حرب النظام ضد المتمردين. مؤخراً، أكد أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن إعادة سوريا إلى الجامعة “ليست مطروحة على الطاولة”، ولكن الظروف قد تتغير نظراً لأن سوريا تحظى الآن باهتمام متزايد، لأنها تحولت إلى بؤرة عداء سياسي لعدد من الدول. روسيا معنية جداً بشرعنة عربية لنظام الأسد لتعود سوريا ثانيةً إلى عضوية المجتمع الدولي وتلقى منحاً ومساعدات من مؤسسات التمويل الدولية، التي هي بحاجة لها من أجل إعادة إعمارها.
المصلحة الروسية تتساوق مع مصلحة السعودية والإمارات، اللتين تريدان صد النفوذ الإيراني، وربما الأهم من ذلك: وضع سور دفاعي أمام تدخل تركيا في سوريا بشكل خاص، وفي الشرق الأوسط بشكل عام. إن تركيا التي سيطرت على مناطق في الأراضي السورية وتدير فيها حرباً ضد المتمردين الأكراد، ترى في الأسد حاكماً غير شرعي بسبب المجازر التي ارتكبها ضد أبناء شعبه، وهي قلقة من أن تضطرها الشرعنة العربية والدعم الروسي للخروج من سوريا.
ما زال بإمكان تركيا الاعتماد على دعم دونالد ترامب. على الرغم من أن واشنطن حليف استراتيجي للأكراد، لم يحرك ترامب ساكناً لإجبار تركيا على الانسحاب من الأقاليم الكردية التي احتلتها. أساس تدخل الولايات المتحدة في سوريا يقتصر على فرض عقوبات كبيرة على النظام. مثلاً تلك العقوبات التي فرضت في حزيران في إطار “قانون قيصر”، الذي يفرض عقوبات على كل شركة ودولة أو شخص يقيم علاقات من أي نوع مع نظام الأسد، باستثناء النشاطات الإنسانية.
ولكن اتضح أن البيت الأبيض نفسه يقيم علاقات مع سوريا. وحسب ما نشر في”wall streetjournal” فقد أرسل ترامب في آذار الماضي رسالة إلى الأسد، عرض عليه فيها إجراء مفاوضات بشأن إطلاق سراح مواطنين أمريكيين، وهما أوستن تايس، وهو صحفي مستقل اختفى في سوريا في 2012 ومجد كمالماز الذي اعتقل في حاجز سوري في 2017 ويحتجر منذ ذلك الحين في أيدي سوريا. قبل عدة أسابيع أرسل ترامب إلى دمشق كبير مستشاريه لشؤون مكافحة الإرهاب كاش فاتل، لإجراء مفاوضات بشأن إعادتهما، ولكن يبدو أن هذه العملية لم تثمر عن شيء، فقد اشترط الأسد إطلاق سراحهم بسحب القوات الأمريكية من سوريا ورفع العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها.
ولكن مجرد وجود المفاوضات أثار تنبؤات وتخمينات بشأن نوايا ترامب فيما يتعلق بسوريا. “هل سوريا في الطريق لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات عنها؟” تساءل محللون عرب. “هل المفاوضات بشأن إطلاق سراح المعتقلين الأمريكان هي الطلقة الأولى في الطريق إلى صفقة أكبر يخطط لها ترامب؟” تزايدت هذه التوقعات مع تعيين السفير العماني في دمشق، وهو الأمر الذي قد يكون قد تم بمباركة سعودية -حسب رأي محللين سوريين- وتعزيزاً للعلاقات بين الإمارات والأسد.
وسارع الأسد نفسه بصب مياه باردة على احتمالية التطبيع مع إسرائيل.. “سيكون التطبيع مقابل الأراضي التي احتلتها إسرائيل من سوريا”، أوضح في مقابلة لمحطة “ترلفاز” روسية مطلع تشرين الأول، وفي هذا الوقت “لا تجري سوريا مفاوضات مع إسرائيل”. كان ذلك توضيحاً قصيراً بشكل خاص، فالأسد لم يتطرق مطلقاً للمشكلة الفلسطينية وللشروط التي حددت في مبادرة السلام العربية والتي تقول إن على إسرائيل الانسحاب من كل المناطق وليس من هضبة الجولان فقط. إن الأسد، بالمناسبة، لم يدِن التطبيع بين إسرائيل والإمارات بصورة رسمية، واكتفى ببيان انتقادي نشره حزب البعث، ولم يُسمع أي تعليق سوري رسمي على المفاوضات التي تجريها لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما.
ومن المشكوك فيما إذا كانت هذه التلميحات والإشارات سينتج عنها قريباً اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا. وإذا تحقق الكابوس وأعيد انتخاب ترامب الذي في جعبته اقتراح لصفقة جديدة مع إيران، فإن انسحاباً إسرائيلياً من هضبة الجولان لن يكون وارداً في الحسبان، وخاصة أن ترامب نفسه كان قد اعترف بسيادة إسرائيلية عليها، وإزاء الإجماع الإسرائيلي الكاسح الذي لا يترك مجالاً للمفاوضات حول الانسحاب منها.
أما إذا انتخب جو بايدن، فليس من المتوقع أن يغير البنية التحتية السياسية التي وضعها ترامب في سوريا، ولن يطالب بانسحاب إسرائيلي، ومن المشكوك فيه أن يلغي العقوبات عليها. ومن شأن هذه الانعطافة أن تحدثها الدول العربية هذه المرة، إذا ما قررت استئناف علاقاتها مع سوريا.
المصدر : القدس العربي