يؤثر مسؤولو نظام بشار الأسد الصمت، بعد عودة طوابير الازدحام وأزمة خبز غير مسبوقة في العاصمة السورية دمشق ومناطق النظام، ما خلق سوقاً سوداء لهذه السلعة المهمة بعد إغلاق أفران خبز وتقليل ساعات العمل لأخرى بسبب نقص مخصصات الطحين للأفران بنحو 40%، وتوقُّف المعتمدين عن التوزيع، حسب مصادر من دمشق لـ”العربي الجديد”.
وأكدت المصادر، التي رفضت كشف هويتها، ارتفاع أسعار الخبز خارج الأفران للربطة “أقل من 2 كلغ” بدمشق، أمس الأربعاء، من 50 إلى نحو 800 ليرة، وسعر ربطة الخبز السياحي 1100 ليرة، كاشفة أن أفرانا حكومية مغلقة اليوم ولأول مرة في حي الزاهرة كبرى أحياء العاصمة دمشق. ويبلغ سعر الدولار في السوق السوداء نحو 2310 ليرات للشراء، وفي السوق الرسمية 1250 ليرة.
وأوقفت حكومة الأسد أخيراً، نظام توزيع الخبز عبر معتمدين إلى المحال التجارية، بعد أن اعتمدتهم في إبريل/ نيسان الماضي، ليوزعوا الخبز حسب البطاقة الذكية، بواقع ربطة خبز للأسرة وبهامش ربح 20%، ليصبح السعر النهائي 60 ليرة سورية.
وذلك بعد أن أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابعة لنظام بشار الأسد، عن بيع الخبز عبر البطاقة الإلكترونية وفق نظام الشرائح، وحددت نصيب الفرد والأسرة من الأرغفة، حيث بات الخبز يوزع على أساس ربطة من 7 أرغفة لكل ثلاثة أفراد في العائلة وربطتين (14 رغيفا) لكل 5 أشخاص، وثلاث ربطات (21 رغيفا) للعائلة من ثمانية أشخاص.
وخلال اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، يقول المواطن رامز شباط، من منطقة دمر بدمشق: “نعاني الذل بأسوأ أشكاله، نذهب منذ الثانية ليلاً إلى الأفران، وبعد انتظار لأكثر من عشر ساعات، نعود بربطة خبز أو قد لا نحصّلها، ما يدفعنا لشراء الخبز من السوق السوداء بأكثر من 15 ضعفاً من سعره”، مضيفا أن “معظم سكان ريف دمشق يأتون للعاصمة لشراء الخبز فأفرانهم مغلقة”.
وتابع شباط: “إن لم نستطع تأمين خبزنا، فكيف يمكننا الاستمرار، نحن لا نطالب باللحم والفواكه”.
ويقول مصدر مطّلع من دمشق إن “سبب الأزمة وباختصار يتمثل في توقف روسيا عن بيع القمح للنظام ولأسباب سياسية”، كاشفاً لـ”العربي الجديد” أن آخر صفقة أبرمت بين النظام، عبر مؤسسة الحبوب السورية، وروسيا كانت بنحو 200 ألف طن في شهر يونيو/ حزيران، وآخر موعد للتسليم في شهر سبتمبر/ أيلول، لكن موسكو اعتذرت.
وعزا المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أسباب أزمة الخبز الحالية إلى “خلافات روسية مع النظام السوري تتعلق بقضايا سياسية مرتبطة باللجنة الدستورية وانتخابات العام المقبل وبعض الاتفاقات الاقتصادية وتوغل الوجود الإيراني بسورية”.
ووفق المصدر، فإن إفلاس نظام الأسد، وعدم القدرة على استيراد القمح ومشتقات النفط، هو ما يدفعه للجوء إلى روسيا بهدف تأمين القمح وإيران لتمده بالنفط”.
لذا نرى أزمات هنا وهناك كلما تصاعدت الخلافات والاستقطابات بين الأطراف الثلاثة (روسيا وإيران وسورية)، مذكراً بأزمة المازوت والبنزين التي تعانيها سورية ورفع الأسعار لمرتين خلال اليومين الماضيين، حسب المصدر.
في حين، نسب مسؤولون بنظام الأسد، الأسبوع الماضي، أسباب أزمة الخبز لأعطال سببها نفاد الكميات المستوردة من القمح والاعتماد على القمح السوري القاسي.
وقال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحكومة النظام السوري، طلال البرازي، إن البلاد “تحتاج سنوياً نحو مليوني طن من القمح الطري، تم تأمين 700 ألف طن منها من السوق المحلية، وسيتم تعويض النقص عن طريق عقود التوريد”.
وأضاف البرازي، خلال جلسة مجلس الشعب قبل أيام: “في ما يتعلق بالإجراءات المتخذة لتأمين مادة القمح، فإن وزارة الزراعة ضمن خطتها للعام الماضي، بينت أن هناك إمكانية لتسوق 2.9 مليون طن من القمح محليا، ولكن عملياً لم يتم حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الحالي سوى شراء حوالي 700 ألف طن فقط، منها 221 ألفا في الحسكة و470 ألفا في باقي المحافظات”.
وأشار إلى أنه من منذ بداية العام، تم استيراد 350 ألف طن من القمح الطري بقيمة 79 مليون دولار، مرجعا سبب انخفاض الكمية إلى واقع الحصار الاقتصادي.
وتعاني سورية من نقص حاد بمادة القمح، بعد تراجع إنتاج القمح من نحو 4 ملايين طن قبل عام 2011 إلى نحو 1.5 مليون طن الموسم السابق، تستلم حكومة الأسد أقل من نصفها والباقي يذهب لمناطق المعارضة، والإدارة الذاتية التي يسيطر عليها الأكراد، شمال غربي سورية.
وتستورد دمشق أكثر من مليون طن قمح سنوياً لسد حاجة الاستهلاك المحلي، حيث تأتي روسيا في مقدمة الدول المصدرة لسورية.
ويقول مدير مؤسسة الحبوب بالحكومة السورية المعارضة، حسان محمد، إن الأزمة الخانقة بمادة الخبز بمناطق سيطرة النظام، تعود إلى أسباب عدة، أهمها عدم قدرته على استيراد القمح، وذلك لا يعود للعقوبات والحصار كما يدّعي مسؤولوه، بل لعدم وجود عملة صعبة لدى النظام، كما أن روسيا بدأت تساوم الأسد على قوت الشعب ليرضخ لشروطها.
ويضيف محمد لـ”العربي الجديد” أن هناك أسباباً أخرى تتعلق بقدم الأفران التي لم تلب الطلب بعد توزيع طحين قاس من الإنتاج السوري.
ويشير مدير مؤسسة الحبوب المعارضة إلى أن الفرد يحتاج إلى 133 كيلوغرام قمح سنويا أو 285 غرام طحين يومياً، وحسب عدد السكان الموجودين بمناطق النظام والذين لا يزيدون عن 13 مليون نسمة، فإن النظام يحتاج إلى نحو 2.5 مليون طن قمح سنوياً.
ويؤكد أن المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد “المحررة” لا تعاني من أزمة الخبز، وأسعار الربطة فيها تبلغ نحو 300 ليرة سورية أو ليرة تركية واحدة.
المصدر: العربي الجديد