اولا: جاءت حرائق الساحل السوري تتويجا لمأساة الشعب السوري، وتراكما فوق ما عاشه في سنواته الماضية، على يد النظام الاستبدادي المجرم على كل المستويات.
إن جردة سريعة لواقع سورية وشعبها بعد مضي تسع سنوات على ثورتها، توضح مقدار الاجرام الذي مورس على سورية شعبا وأرضا. الشعب الذي قدّم ما يزيد عن مليون ضحية، ومثلهم من المصابين والمعاقين، هذا غير ما يزيد عن نصف الشعب السوري المشرد داخل سورية وخارجها، وكل الشعب السوري المنكوب بأرواح ابنائه او ارزاقه؛ طبعا ما عدى رأس النظام وما حوله من عصبة منتفعة بهدر الدم السوري. أما الارض وكيان الدولة السورية، فقد استبيحت للتواجد الروسي والإيراني وحزب الله والمرتزقة الطائفيين، تواجدهم ودورهم كمحتلين وأدوات ساهمت وتساهم في قتل الشعب السوري وتشريده، هؤلاء موزعين في بعض جغرافيا سورية التي لا تتجاوز ثلث مساحة سورية، وبعضه شرق الفرات وشمال شرق سورية تحت سيطرة ال ب ي د جناح ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني الانفصالي، المحمي من أمريكا التي تفرض سيطرتها على منابع النفط وتدعم الانفصاليين الأكراد بكل قوتها ونفوذها، والبعض الآخر تحت سيطرة القوى المحسوبة على الثورة السورية في ادلب وريفها وريفي حماة وحلب، والشريط الحدودي مع تركيا، رغم وجود هيئة تحرير الشام وأجندتها المناقضة لأهداف الثورة السورية، وأنها فرع للقاعدة، ومحسوبة على الإرهاب، وأنها تضر بوجودها الشعب السوري ومصلحته. وفوق ذلك يعيش شعبنا في مناطق سيطرة النظام في حالة مأساوية من نقص كل أسباب الحياة الأولية؛ الخبز والغاز والوقود، مع إنهيار العملة والعجز الاقتصادي، لقد أصبحت حياة أهلنا في الداخل اقرب للجحيم، أما المحرر من سورية فالحياة به أقل وطأة لكنها، ما زالت قاسية. هذه سورية التي يتربع على حطامها ودم شعبها ونكباتها النظام الطائفي العصبوي السوري، في بنيته العسكرية الأمنية التي مازالت متماسكة، لإدراكها انها تلعب رقصة موتها الأخيرة.
ثانيا: نعم هذا واقع سورية عشية الحرائق التي طالت الساحل السوري. سيمضي وقت طويل ليعرف الشعب السوري من الفاعل الحقيقي لها. هناك فرضية الحرارة والجفاف والرياح المواتية للحرائق، التي فنّدها كثير من الخبراء والمتابعين، اندلاع الحرائق صباحا ينفي نظرية الطقس المواتي، وكذلك امتدادها لمئات المواقع على طول الساحل السوري، يؤكد ايضا أنها نتيجة فعل فاعل، فمن له المصلحة في ذلك؟. هل وراء ذلك طرف ما من الثورة السورية؟!!، السبب الذي قاله أصحاب هذه الفرضية؛ أن أغلب المناطق المنكوبة هي لحاضنة النظام الشعبية من علويي الساحل السوري، والجواب على هذا الإحتمال أن الثوار لا يواجهون النظام، ومنذ بداية الثورة، الّا من حمل السلاح ضد الشعب، لقد وضع الثوار خطا أحمر في عملياتهم العسكرية، بأن “لا تزر وازرة وزر أخرى”، ولم تنتقم من أيّ من حاضنة النظام وعائلاتهم وأملاكهم، رغم أنهم كانوا كل الوقت تحت إمكانية أن يصيبوهم في مقتل، لقناعة من الثوار أن ثورتنا لم تقم طائفية، رغم التصرف الطائفي للنظام، وأنها قامت ضد الظلم الحياتي والاستبداد من النظام، وفوق ذلك يدرك الثوار أن الحرائق تضر بسورية الوطن عبر حرق غاباته التي تمثل رئته وواحته الجميلة، هذا غير أنها تضر بالناس الفلاحين الفقراء المظلومين الضحية للنظام، رغم كونهم من حاضنة النظام وقدموا له أولادهم ليكونوا جزء من أدوات قتل الشعب السوري ولم يحصلوا إلا على القتل لأبنائهم، الذي وصل لمئات الآلاف منهم. لذلك لن يتورط الثوار بأي ظلم تخسر من خلاله مشروعيتها. لكل ذلك الثوار بريئين من الحرائق التي طالت الساحل.
ثالثا: هل النظام المجرم هو من قام بإحراق الساحل السوري؟ .
الإحتمال وارد، النظام لم يتورع عن فعل الأسوأ من ذلك؛ وهو قتل الشعب السوري وتشريده وتدمير سورية، واستحضار المحتلين لها، لكن لا فائدة مباشرة له من هذا الحريق، الا في احتمال أنه أراد أن يوصل رسالة إلى حاضنته الاجتماعية والطائفية التي بدأت تتململ، أن تراه حاميها وراعيها، وذلك عندما يحمّل النظام الحريق للثوار السوريين. وهذا ايضا احتمال، لذلك سارع رأس النظام وزوجته المتنطّحة للسياسة والهيمنة الاقتصادية على سورية، الذهاب إلى الساحل السوري ، “يواسوا” الناس هناك؛ و يقدموا لهم الدعم المالي والمعنوي، و يعوضوا ما لا يعوض من حرق الغابات والأشجار المثمرة، التي لن تتجدد بعشرات السنين. ذهبوا ليؤكدوا لحاضنة النظام أنهم حماتهم وداعميهم كل الوقت. وهناك فائدة مباشرة لقادة النظام من الجيش والأمن، الذين سيضعون أيديهم على الاراضي الحرجية التي التهمتها النيران و يحولوها لملكيتهم الخاصة، وهذا نهب لملكية الدولة لهذه الاراضي، وهي بآلاف الدونمات ويعيدون استثمارها لصالحهم. كما أن البعض يستفيد من الفحم الناتج عن حرائق الاشجار وهذه نتائج ثانوية عن كارثة الحريق.
رابعا: وماذا عن روسيا وإيران ودورهم في الحرائق؟
قد يستغرب البعض هذا الاقحام لروسيا وإيران في موضوع حرائق الساحل السوري، لكن علمتنا السياسة أن كل شيء مترابط في عالم السياسة كما الاواني المستطرقة، متصلة ببعضها.
في سورية وعندما اكتشف النظام السوري أنه أصبح عاجزا عن مواجهة ثورة الشعب السوري، وأن أغلب المناطق السورية بدأت تخرج عن سيطرته، استنجد بالإيرانيين وتابعهم حزب الله في لبنان، مع مرتزقة طائفيين من العراق وأفغانستان إضافة للحرس الثوري الإيراني، ودخلوا في حرب على الشعب السوري، هذا اضافة لإمداد النظام بالسلاح والمال من إيران، قبل الثورة وبعدها، وإلى الآن. لكن كل ذلك لم يعدل ميزان القوة والكفة الراجحة لصالح الثورة السورية، وعندها وفي أواسط عام ٢٠١٥م دخلت روسيا بقوتها العسكرية المباشرة وخاصة الطيران وبدأت حملة تقتيل للشعب السوري بالقصف والبراميل المتفجرة، وكانت حصيلة ذلك ما نعرفه عن مآسي الشعب السوري المعاشة. والآن حيث سكنت الحرب واعتبر النظام أنه انتصر على الشعب السوري بفضل حلفائه روسيا وإيران، هؤلاء الحلفاء الذين بدؤوا بتقاسم سورية التي تبقت تحت سلطة النظام كغنائم حرب، توسع الإيرانيين في التغيير الديمغرافي الطائفي وفي نشر التشيع لولاية الفقيه بالتبعية المطلقة لإيران، والتملك لكثير من أراضي أملاك الدولة او شراء الأراضي والعقارات في سورية كلها. أما الروس فقد أخذوا المرافئ في اللاذقية وطرطوس لخمسين عاما وبنوا قاعدة حميميم على الساحل السوري. كذلك أخذوا حق التنقيب عن النفط في الساحل، هذا غير السيطرة على أغلب موارد البلد مثل الفوسفات وغيرها، كما أنها تنافس أمريكا على حق استخراج النفط في شرق الفرات، والشمال الشرقي السوري. لذلك كانت روسيا وإيران في حالة توحد أيام الحرب لأجل النظام، والآن هم في حالة صراع خفي عند تقاسم سورية بينهم؛ “صراع مصالح”. وعندما حصلت الحرائق المفتعلة، لم يتقدم أحد لإطفائها خاصة روسيا التي تمتلك أسطولا جويا حاضرا في حميميم، كان من الممكن أن يخفّف من الكارثة كثيرا، لكنهم لم يفعلوا شيئا.
هل يمارس النظام والروس والإيرانيين لعبة “عض أصابع” يريد كل طرف أن يقول للآخر مدى حضوره وقوته وحقوقه في سورية المنهوبة المحتلة.
خامسا: لا نستبعد أن يكون للعدو الصهيوني دورا في الحرائق، حيث يعمل ذلك العدو على وضع النظام أمام استحقاقات تنازلات أكثر، لأجل ملفات مازالت مفتوحة على طاولة الصراع في سورية وعليها؛ الجولان المحتل من الكيان الصهيوني، تواجد حزب الله بالقرب من الجولان واعتبار ذلك خطا أحمر عند “إسرائيل”، وإلزام النظام بإبعاده لعشرات الكيلومترات، وكذلك بالنسبة لإيران ووجودها ونفوذها في سورية وهذا ما لا ترضى عنه “إسرائيل”، ومن ورائها أمريكا، لذلك من الممكن أن تكون قامت بالحرائق لمزيد من خلط الأوراق في سورية، ولمزيد من إضعاف النظام وإحراجه أمام حاضنته ودفعه للتنازل والإنصياع لطلبات حلفائه و”إسرائيل” أيضا.
سادسا: لا يغيب عن ذهننا أن الحرائق تمثل طعنة في القلب بالنسبة للنظام فقد جاءت في منطقة حاضنته ونفوذه وأن الكوارث حلت عليهم، بدء من فقدانهم ابنائهم الذين قتلوا حماية للنظام ودفاعا عنه، وانتهاء بإحراق مصادر رزقهم وحياتهم. إنها الكارثة التي أحسّت بها حاضنة النظام، وما التعويضات المالية التي حملها رأس النظام حين ذهب لمعاينة الحرائق، الا كذرّ الرماد في العيون.
أخيرا: إنّا نرى أن الحرائق بغض النظر عن من فعلها ؟ .، تمثل استمرارا للعمل الدؤوب للنظام وحلفائه والقوى الغربية والكيان الصهيوني، لتدمير سورية وتفتيتها وقتل شعبها وتشريده وتحويل ما تبقى منها الى دولة فاشلة، وخلق أسباب صراع دائم لا تعود سورية معافاة من مصيرها الأسود الذي رسمه الأعداء لها، وكان النظام أداتهم بذلك، بوعي منه او حماقة وقصر نظر لدرجة الخيانة. أما الشعب السوري وثواره وثورته، فما زالوا يعملون لاسقاط النظام ومحاسبته وتحرير سورية من المحتلين الروس والايرانيين والامريكان والعدو الصهيوني ومواجهة الانفصاليين الكرد، واسترداد سورية لشعبها، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية العادلة مهما طال الزمن وزادت التضحيات.
المصدر: موقع kks