حين يصل العدوان والهدر والاستبداد حد الطغيان، وحين تحيط بالمرء آلة البطش والدمار، وحين يعتبر المحتل الفارسي والروسي والحزب اللاتي أنه مالك للأرض وما عليها، وبالتالي من عليها، وأن له حق التصرف بالموارد والثروات والمقدرات والمصير والبشر وكل شيء..
حينها يهدر حق انتماء الانسان، ويصادر حقه البديهي والطبيعي بالمواطنة.. يصبح الانسان غريبًا في وطنه، فاقدًا للسيطرة على مجاله الحيوي، وبالتالي محرومًا من الانطلاق الواثق في هذا المجال، الى مجالات أرحب.. انها كارثة وجودية تجعل من أي مشاريع تنمية، أو انماء وعمران حديث خرافة، ذلك أن الانسان المستلب في وطنه ومجاله الحيوي، لا يمكن أن يعطي، وبالتالي أن يبني.
يقنع في أحسن الأحوال بالتفرج السلبي في حالة من الغربة، كما ينحدر الوجود الى مستوى الرضى بمكسب مادي يغطي الحاجات الأساسية. هذه منهجيات المفكرين والمحللين، التي يتكئون عليها، عندما يقاربون مسألة الالمام بمكونات الواقع في حالة الهدر، كما هي تمامًا حالة الوطن السوري الآنية. وهي أنساق في البنى، يصعب الابتعاد عنها، أو الخوض في غمار حالات تضاد عنها.. الا أن حال الشعب السوري اليوم هي حالة انتفاض وثورة، محاولاً دحض كل هذه الأنساق، بل محطمًا الحيثيات التي يتماشى وإياها المفكر أو المحلل أو المنظر، وهو رغم لحظة العسف والتدمير التاريخي، التي لم يسبق لها مثيلًا، التي تنزل عليه كحق مطلق من علٍ، فوق رؤوس الناس كل الناس، عبر الطيران العدواني الحاقد، من قبل الروس، الذين جاؤوا ليحققوا مصالح لهم، وليبنوا قواعد عسكرية واقتصادية، بعد أن فقدوا كل شيء في العالم إبان انهيار “الاتحاد السوفياتي” كانت آخرها هزائمهم المتلاحقة، في أوكرانيا وما حولها، اقتصاديًا ومجتمعيًا .
جاؤوا إلى سورية عبر رغبة استنجادية، من نظام فاشل ومتهالك، وآيل للسقوط منذ سنوات خلت.. رغم كل الدعم الفارسي/ الميليشياتي الذي يقدمه نظام الملالي في طهران، في محاولة لإنقاذ مشروعه الفارسي القديم/ الجديد، الكامن في بؤرة الحقد الإيراني الفارسي الصفوي الذي يعتمل داخل الكينونة النفسية الجوانية، لدى أحفاد (كسرى أنو شروان) وأبناء (الخميني) ومن لف لفه.
يأتي الروس اليوم بموافقة صريحة، لا تخفى على أحد من بعض (أصدقاء سورية) كما يحبون أن نسميهم، وعلى رأسهم كبيرهم (العم سام) وهو أكثرهم مراوغة، وتسويفاً، لشعب سوري وضعت معارضته كل بيضها في سلة الأميركي والغربي، الذي أعطى صكًا على بياض للروس، ومشاريعهم الشرق أوسطية، واحتمالات صعود الغاز المتوقع، في أراضي سورية، وتعطشهم إلى العودة للمياه الدافئة كما يقال.
(بوتين) الروسي الحاقد والغارق في أزماته الاقتصادية الداخلية، يحاول ملكاً، بل يحاول قتلاً، ودماراً، للشعب السوري الذي لم يخرج في أواسط آذار/مارس 2011 إلا ليسقط نظاماً طائفياً إرهابياً، قامعاً لشعبه، سارقاً لخيراته، ساجناً لحريته، كامّاً لأفواهه. لكنهم لم يدركوا أبداً أن هذا الشعب وقواه الحية، بكل تلاوينها، خرجت ولن تعود الى منازلها، الا بإسقاط كل هذا النظام والطغيان، وكنسه إلى مزابل التاريخ. وأن كل من يراهن على إعادة الحياة لجسم هذا النظام الميت، إنما يحلم ليس إلا، وينفخ في قربة مقطوعة، ويحرك الميت دون جدوى. وأن كل هذه المجازر التي ترتكب يومياً، عبر الطيران الروسي الحاقد، في إدلب وريف حلب وريف اللاذقية وريف حماة أيضًا، أو في أي مكان، من ربوع سورية الحرة. لن تثني شعباً حراً أبدًا، عن متابعة المسير حتى النهاية.
إن ادعاء الروس بأنهم قادمون ليحاربوا إرهاب داعش، قد أثبت الواقع كذبه، حيث لم تتجاوز نسبة الغارات الروسية على تنظيم داعش ال 5 %، في حين استهدفت 95% من تلك الغارات الجيش السوري الحر، والجيش الوطني والفصائل التي تقاتل النظام الطائفي، القابع في دمشق.
لقد تجاوز الغارات الروسية في سورية كل حد، ما أدى الى استشهاد عشرات الآلاف من نساء وأطفال وشيوخ، وكان معظم الشهداء من المدنيين، ناهيك عن دعمهم لنظام الاجرام الأسدي الذي قتل ما ينوف عن مليون سوري بدعم وأسلحة روسية وايرانية…لقد استهدفوا المخابز والمدارس ودور العبادة واستخدموا الكيماوي والبراميل وكل الأسلحة المحرمة دوليًا.
يحاولون أن يساعدوا النظام لتحقيق التقدم على الأرض، لكنهم واهمون لأنهم لم يدرسوا طبيعة الثورة السورية، ولا طبيعة الشعب السوري، الذي اعتمد على الله أولًا، ثم على قوته الذاتية، وهذا ما يعطيه الحرية، في عدم الارتباط بالخارج، وأجندات الخارج. وكما أكدت الشبكة السورية لحقوق الانسان، فقد جاؤوا لقتلنا، حيث زاد العدوان الروسي من معاناة السوريين، ولم يفعلوا شيئًا -بعد أكثر من ثلاثة أشهر-في أي عملية إضعاف لداعش كما ادعوا.. انهم يقومون بالقصف العشوائي والممنهج، وهذا ما يفسر ارتفاع أعداد الشهداء من المدنيين، وهو قصف متعمد، يستهدف مدنيين عزل، إن ما يفعلونه-وحسب التصنيفات الدولية-يرقى الى جريمة حرب، بل فاق ذلك، وقد توفرت فيها الأركان كافة. اننا نضع الروس (مدعي الإنسانية) أمام مسؤولياتهم، باحترام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي العرفي، وبالتالي فالنظام الروسي يتحمل مسؤولية الانتهاكات، التي تقع منذ بدء عدوانهم على الشعب السوري، وبالتالي يجب أن يتحملوا التبعات المترتبة على هذه الانتهاكات كافة. فكيف لهم أن يتنطحوا الى الوصول نحو مقعد حقوق الانسان المفترض.
وإذا كان المجتمع الدولي المغيب والغائب، يطالب النظام المتوحش بحماية المدنيين من ميليشياته وشبيحته فان المطالبة اليوم أكثر إلحاحًا وأكثر أهمية، بعد ما لاقاه الشعب السوري من حقد الروس، ودمارهم المتحالف والمتساوق مع المشروع الفارسي الصفوي وتوابعه، من عصابة دمشق الحاكمة في العاصمة، وكل الميليشيات الطائفية التابعة لها.
ويبقى السؤال اليوم هل يقف النظام الرسمي العربي مع الشعب السوري الذي سبق ووقف إلى جانب السوريين في بدايات الثورة السورية وفي مواجهة العدوان الاحتلالي الروسي، وضد كل ذاك العدوان الروسي الفارسي، أم أن سمة الإرهاب حمالة أوجه، وأن دعوى الإرهاب هي ما بات النظام الرسمي العربي يشيطن بها كل الثوار. والحقيقة التي يبدو أنها تلوح في الأفق مفادها أن كل الأنظمة، وكل تلك الجعجعة لن تترك وراءها طحناً، يستفيد منه الشعب السوري، المدمى بجراحه، والذي تجاوز حجم الدمار والقتل فيه، وبين ظهرانيه كل حجم، وكل نسبة، والحقيقة كذلك التي لم تتغير منذ بدء ثورة الشعب السوري تؤكد أن توحيد أطره، وتحالف قواه هو الملاذ الأبقى والأنقى والاعتماد بعد الله على الذات. لا مناص منه، ولا خروج عنه..
وهي الطريق الأسلم والأقوم، لمواجهة العدوان الروسي والفارسي وما أتى قبلهما أو بعدهما أو ما بينهما. حيث تتحمل كل أطياف المعارضة غير جزء من المسؤولية ، ولابد من إعادة قيامتها من جديد ، من أجل المواجهة الضرورية مع الاحتلال الروسي ومن معه.
المصدر: كلنا شركاء