في مقالة صحفية بعنوان: ” أخطاء وخطايا جمال عبد الناصر ” في ذكرى وفاته الخمسين؛ يعرض الكاتب الصحفي الاستاذ محمد خليفة وهو المعروف بانه ناصري. رأيه في أحداث تاريخية حصلت إبان التجربة الناصرية في مصر متضمنة الوحدة المصرية السورية والانفصال وحرب ه حزيران ١٩٦٧..
وبصرف النظر عن محتوى تلك الأحداث ومبررات جمال عبد الناصر فيما اتخذه من إجراءات أو مواقف حيالها؛ وبعيدا عن مناقشة المحتوى التاريخي ذاته للأحداث المعنية والتي اتخذها الكاتب موضوعا لمقالته مستندا إليها للحديث عن خطايا وأخطاء مصيرية لجمال عبد الناصر؛
فإن التوصيفات التقييمية لقيادة ولشخصية جمال عبد الناصر ومواصفاتها، والتي أوردها الكاتب في مقالته؛ تحمل من معاني الإدانة للشخص والتقليل من شأنه كقائد ومسؤول في مرحلة شديدة الأهمية والحساسية من تاريخ العرب الحديث؛ ما يحمل على الاعتقاد أن جمال، ذلك الزعيم العالمي الذي هزت زعامته أركان النظام العالمي السائد آنذاك؛ ربما صنع زعامته بالصدفة التاريخية دون أن يكون أهلا لها..
لن نناقش الاحداث التاريخية المذكورة، فقد أشبعت درسا وتحليلا ومناقشة وكتب عنها الكثير، ما كان موضوعيا وما كان مخادعا تلفيقيًا إرضاء لجهات أو مصالح أو طمعا في رضى هنا وقبول هناك..
وسنكتفي بما ورد على قلم الكاتب من توصيفات شخصية لجمال عبد الناصر:
١ – يخرج الكاتب مشروع جمال عبد الناصر وتجربته من مضمونها الفكري الثقافي الاقتصادي الوطني والقومي ليجعل منها مجرد اصطفاف قبائلي يثير حمية من يحب ناصر ويدافع عنه..
وفي هذا تسطيح شديد لمضمون التجربة وأسسها والتي كانت ولا تزال سبب محبة ملايين العرب الأحرار للزعيم والقائد المخلص الحر الأمين جمال عبد الناصر..
يقول الكاتب:
” لقد أصبح العرب، وما زالوا، منذ نصف قرن ينقسمون تقليديا وروتينيا الى معسكر مع ناصر، ومعسكر ضد، قبائل تؤيد، وقبائل تندد.
وفي كلا الحالتين تتبدد الموضوعية والمنطقية والإنصاف في السجالات والجدالات التي ما زالت مستمرة ومستعرة “..
فلا موضوعية ولا منطقية في دعاوي من يدافعون عن جمال عبد الناصر. بل قبلية متعصبة بما يعني أنها غوغائية عمياء..
٢ – في مناقشة موضوع انفصال الوحدة المصرية السورية في أيلول ١٩٦٨ وتفسير امتناع عبد الناصر عن التدخل العسكري لمنع الانفصال بالقوة؛ يقول الكاتب ما يلي:
” أن (حالة تردد) سيطرت على الرئيس، وهي حالة اعترت مواقفه مرات عديدة خلال حكمه، وأصبحت صفة لصيقة بشخصيته “.
كيف يكون لقائد تاريخي بهول جمال عبد الناصر أن يكون ضعيفا تلتصق بشخصيته صفة التردد، علما أن كل تاريخه ومواقفه وإنجازاته ومعاركه ضد أشرس قوى العدوان والهيمنة الدولية؛ تثبت ببساطة عكس هذا التقييم لشخصية ذلك الرجل العظيم…!!
ثم يضيف الكاتب ما يلي “
” ولكن ناصر خان مسؤوليته ومشروعه القومي، وعطل بصيرته التاريخية ” ؟؟؟
خان مشروعه القومي…وهل هناك أهول من هذا التوصيف لرجل قامت زعامته كلها على مشروعه القومي وما بناه لأجله وفي سبيله!!!
استوقفتني هذه العبارات وجعلتني غير قادر على الاستيعاب…جمال عبد الناصر خان مشروعه القومي!!!
٣ – وفي مجال امتلاك السلاح النووي وعدم إقدام عبد الناصر على ذلك، يقول الكاتب مقارنا بين قيادة باكستان في تلك الفترة وبين عبد الناصر ما يلي:
” باكستان لم تكن أغنى من مصر، ولكن إرادة قيادتها السياسية كانت أقوى من ارادة عبد الناصر في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، حيث كان عليه اعطاء الأولوية للأمن القومي، ويقدمه على أي شيء آخر دفاعًا عن مصر والعرب جميعا “
قيادة باكستان كانت ارادتها أقوى من إرادة عبد الناصر..
– معروف أن قيادة باكستان في تلك الفترة لم تكن أكثر من ملحق بالهيمنة الأميركية ..-
إذا كان ذلك مستوى إرادة ناصر فكيف برز كزعيم عالمي عظيم؟؟
٤ – وفي الحديث عن نكسة حزيران ١٩٦٧ يقول الكاتب مفسرا إصرار عبد الناصر على دخول الحرب رغم تحذيرات الاتحاد السوفييتي والملك حسين، له لعدم دخولها؛ ما يلي:
” إلا أن ذكاءه وحسه السياسي المدرب خانه، وجعله يقع بسهولة في فخ عملت اسرائيل على البدء بإعداده ” أليس هذا إتهام لجمال عبدالناصر بالغباء السياسي ؟؟
وعلى الرغم من الحقائق التاريخية الثابتة التي تؤكد ان الاتحاد السوفييتي هو الذي كان يؤكد لعبد الناصر أنباء الحشود ” الإسرائيلية ” على جبهة سورية، على عكس ما اورده الكاتب، فإن قصة رسالة القادة السوفييت إلى عبد الناصر فجر يوم ٢ حزيران مؤكدين له عدم نية الإسرائيلي بشن حرب على مصر تنفي ما قاله الكاتب بل تؤكد ضلوع السوفييت في مصيدة الحرب..
والأغرب من ذلك مقولة تحذير الملك حسين لعبد الناصر بعدم دخول الحرب لأنه المستهدف بها وفيها في حين أن دور الملك حسين ومن يحركه من أجهزة أميركية؛ كان عكس ذلك. وهل يقبل منطق وحق القول أن الإتحاد السوفييتي والملك حسين ومن خلفه امريكا؛ كانوا جميعا حريصين على قيادة عبدالناصر لكنه بإرادته الفردية المتسرعة رمى نفسه في تلك الحرب المدبرة!! فهل كان الزعيم يغوى الحروب مثلا؟؟ أليس هذا ما يدعو إلى التعجب؟؟
٥ – وفي سياق الحديث عن تردد عبد الناصر حيال التعددية السياسية والديمقراطية يقول الأستاذ محمد خليفة، كاتب المقال، ما يلي:
” وكان يمكنه العودة التدريجية للحياة الديمقراطية فعلا في أواسط الستينيات، وتشير (محاضر جلسات القيادة السياسية) في الاتحاد الاشتراكي الى أنه موافق ومدرك لأهمية العودة للتعددية السياسية، والسماح بظهور معارضة حقيقية من اليمين، والسماح بالمشاركة في الحكم والسلطة، ولكنه لم ينفذ هذه الرؤية المتقدمة، وواصل الحكم الفردي حتى رحيله.”
فهو إذن، أي عبد الناصر، لم يفعل شيئا من أجل الديمقراطية رغم موافقته عليها؛ بل استمر في ” حكمه الفردي حتى رحيله “…!!!
فهل كان يناور أو يخدع قيادته السياسية؟ أليس يعني هذا أنه كان يمارس السلطة بعقل فردي لا يأبه لمن معه ومن حوله؟ ثم من هو اليمين الذي كان مطلوبا أن يشترك في الحكم إلى جانب ناصر حتى تتحقق به التعددية السياسية المطلوبة؟؟
أليس في هذا ما يدعو إلى الاستهجان مثلا؟؟ ثم يقول الكاتب:
” ويؤخذ على ناصر حذره وتردده وتحفظه على التعددية السياسية والديمقراطية، مما سبب الكثير من النتائج المدمرة، بما فيها ضياع الثورة بعد وفاته “
ألا يعني هذا أن ناصر كان ضد الديمقراطية؟؟ أو أنه فرداني دكتاتوري يتحمل مسؤولية الكوارث المدمرة التي حلت بالأمة؟؟
٦ – وفي سياق نقد تجاوزات جهاز الاستخبارات يقول الكاتب ما يلي:
” وخاصة اعتقال وتعذيب المعارضين من اليسار واليمين، ومن الفنانين والكتاب، وإجبارهم على أفعال منافية للأخلاق (سعاد حسني مثلا) ، واعتقال كثيرين، بلا أسباب موضوعية، أمثال لويس عوض ولطفي الخولي ومحمود أمين العالم وأحمد عبد المعطي حجازي. إلخ “
لم تشر أية وثيقة تاريخية عن تعذيب السجناء السياسيين في مصر أيام ذاك، باستثناء أكاذيب زينب الغزالي الإخوانية ويوسف ندا ومن شاكلهم والمعروف أنها ملفقة تماما. وكيف كان اعتقال هؤلاء دون اسباب موضوعية؟ لماذا اعتقلوا أصلا وهم الماركسيون الذين كانوا لا يعترفون بشرعية ثورية للحكم بل لا يعترفون لا بالقومية العربية ولا بالأمة العربية بالأصل والأساس؟؟
ومن هم الذين أجبروا على أفعال منافية للأخلاق من المعارضين السياسيين او الفنانين؟؟ وهل سعاد حسني التي كانت تطارد الرجال لجلبها إلى مخدعها إشباعا لرغباتها وشهواتها، نموذج لمثل هذا الكلام الكبير بحق نظام عبد الناصر؟؟
ثم يقول:
“وكان يمكن للرئيس وضع حد لها ، أو التقليل منها ، إلا أنه لم يفعل وظل حتى بعد هزيمة 1967 يتغاضى عنها “
حتى بعد هزيمة ٦٧؟؟!!!
وهل يصدق أحد أن جمال عبد الناصر يهرب من مناقشة مع فاروق ابو عيسى او سواه حول أية مسألة أو قضية؟ خاصة مسألة تخص مصر والوضع فيها؟؟
ثم يضيف:
” هناك قصص كثيرة عن انتهاكات الاستخبارات لحقوق المواطنين، تكشفت فيما بعد، وهي تسيء للأسف للزعيم الخالد “
ألا يعني كل هذا موافقة جمال عبد الناصر على تلك الانتهاكات حتى وإن كانت ملفقة كاذبة؟؟
٧ – أما فيما يتعلق برؤية الكاتب للمسائل المثارة تلك فهي تحتاج إلى نقاش آخر لما فيها من أحكام غير مترابطة وغير موضوعية تجانب الحقيقة والصواب. فضلا عما فيها من استنتاجات غير مبنية على الوقائع الموضوعية أو أنها تغفل سياق الأحداث وتداعياتها وخلفياتها ومبرراتها.. إن القول بأن عدم ردع الانفصال بالقوة العسكرية هو السبب في نكسة ٦٧ وسقوط الجولان وسيطرة النظام الفئوي المذهبي القمعي في سورية منذ ١٩٧٠، يسقط حقائق الأحداث والتاريخ.. أما القول بأن غياب الديمقراطية هو السبب في هزيمة ٦٧، فيحتاج إلى وقائع وشرح حتى تتوضح الفكرة أكثر رغم ضعف ترابطها..
٨ – ألا يشعر القارئ أن جمال عبد الناصر كان حاكما فرديا مستبدا متسرعا مندفعا بغير حساب وبغير دراسة، حاكم لا يحب الديمقراطية بل يتغاضى عن انتهاكات الأجهزة وتعسفها على الناس وتعذيب المعتقلين؟ ثم كيف يفعل كل هذا من كان التردد لصيقا به معبرا عن شخصيته؟ هل في هذا تبرير لأحد؟ أم أنه استعجال الإثارة الصحفية، دفع الاخ العزيز الناصري الناشط إلى كتابة هذه التوصيفات دون تمحيص موضوعي كاف؟
نتمنى ونناشد الأخ الغالي محمد خليفة مراجعة توصيفاته لتكون حقانية موضوعية عادلة. أما رؤيته السياسية للأحداث ومآلاتها فهو حر فيها يتحمل مسؤوليتها كوجهة نظر شخصية.