أبدأ بمقدمة واجبة نحو مناضل وكاتب وانسان خلوق مهذب محترم معذب جند نفسه لما يؤمن به كصاحب رسالة يمسك الجمر بيديه من اجلها منذ أكثر من نصف قرن وما استكان وما هان وما تراجع وما هادن.. يعيش الوطن وتعيش العروبة وما زال يعتبر جمال عبد الناصر حياً يرزق وهو المتدين التقليدي جداً.
فمن هنا نبدأ
صديقي ابو خالد، اسمح لي ان اناقش ما كتبته في الشراع تحت عنوان
أخطاء وخطايا جمال عبد الناصر الخمس الكبرى
الرد على النقطة الاولى
—————————-
عما تعتبره خطأً في عدم استخدام جمال عبد الناصر القوة لاستعادة سورية الى الجمهورية العربية المتحدة بعد ان اعلن عدد من ضباطها انقلاب عسكري يوم 28/9/1961 فصلوا فيه الاقليم الشمالي عن دولة الوحدة.
انت تدعو عبد الناصر لخوض حرب اهلية في سورية لإعادة الوحدة من خلال استخدام القوة لقمع الانفصاليين ، وجوابي على هذه الدعوة منك لاستخدام القوة آخذه معك من الميثاق الوطني الذي وضعه جمال في مايو / ايار 1962
حدد جمال في باب الوحدة في الميثاق الوطني شرطان لقيام الوحدة
الشرط الاول هو سلميتها
الشرط الثاني هو القبول الشعبي لها
فكيف تطلب من جمال ان يعادي افكاره التي امنا بها انا وانت وملايين الناصريين على امتداد الوطن العربي
الامر الآخر وانت تعرفه تماماً وهو أن كل حركة او فعل او تحول يحتاج الى ظروف موضوعية كي يتحقق ، لكنه يحتاج الى مواكبة عملية وعلمية كي يستمر ،
بالنسبة للوحدة بين مصر وسورية فإنها فرضت فرضاً على عبد الناصر من قبل مجموعة من الضباط السوريين الذين لا نشك بوحدوية معظمهم وإن كنا نعتقد انها وحدوية عاطفية ، ولعل البعض منهم كان يريد ان يستقوي داخل الجيش والمجتمع السوري بالاحتماء تحت ظل جمال كي يؤدي دوره داخل دولة الوحدة لحساباته السياسية واحياناً الشخصية ، ودليل ذلك هو ضباط البعث الذين نفذوا مكرهين شرط جمال بمنع الحزبية في الجيش فانصاعوا لقرار القيادة بحل حزب البعث علنا ولكنهم ظلوا محافظين على تشكيلاتهم الحزبية حتى من انتقل منهم الى مصر مع تبادل الوجود العسكري بين مصر وسورية ، ولا تحتاج الى دليل على هذا وانت تعرف قصة اللجنة العسكرية التي تأسست في مصر من محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد .. وغيرهم وكانت تعرف بمجموعة عمران
ثم انه ليس فقط البعد الجغرافي الذي جعل الوحدة منفصلة الاجنحة الشمالي عن الجنوبي بإحتلال فلسطين وقيام اسرائيل ، فإن هذا يعتبر انجازاً في وقت الحرب ان تحيط بالعدو من اكثر من جهة ، اما في وقت السلم فهو سلبية شديدة اذا ما وضعنا مسار الوحدة في وضعه الطبيعي
ما هو الوضع الطبيعي ؟
بعد مرور 59 سنة على جريمة الانفصال يتأكد لنا ان امكانية استمرار الوحدة بين مصر وسورية في ذلك الزمان كان شبه مستحيل لأن العوامل المحركة للاستمرار لم تكن متوفرة
نعم كانت عوامل قيام الوحدة الطبيعية متوفرة تقليدياًوبديهياً وهي التاريخ واللغة والقومية والمصالح المشتركة والإيمان الشعبي بها والاهم بعد ذلك هو وجود قيادة تاريخية بحجم جمال عبد الناصر … فماذا عن العوامل المحركة التي تتكامل مع هذه ولا تناقضها ولا تلغي اي واحدة منها الاخرى ؟
اهم العوامل المحركة هو شعور كل مواطن في دولة الوحدة ان وضعه في ظل الوحدة تقدم في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية … مع قناعتي انا وانت ان المجالات الاخرى العاطفية والقومية والشعور بالقوة والهيبة والاحترام كانت تكبر يوماً بعد يوم با ان هذه العوامل هي التي صنعت وبررت الوحدة
لم يتوفر العامل المحرك العملي للوحدة لأسباب انت تعرفها واهمها التحديات في بنية الوحدة فقد قامت الوحدة ومن بناتها انفصاليين وقسم كبير من قادة الانفصال كانوا في صلب دولة الوحدة
وقياساً بتجارب تدرج الاتحاد الاوروبي لوصوله الى وضعه الحالي فإن دولة الوحدة العربية لم تمر في اي من مراحل الاتحاد الاوروبي
لم يتم تنسيق في اي تكامل يحتاجه قطاع الزراعة بين البلدين ولا في مجال الصناعة الصاعدة وحتى في مجال التعليم ترك لكل اقليم هامش واسع للتعبير عن خصوصياته التاريخية
مر الإتحاد الا وروبي بمرحلة درس التكامل في مجالات المناجم والتعدين وبعد سنوات وصلت دوله الى السوق المشتركة وكانت ثقافة اقتصاد السوق تتعمق وتدرس في الجامعات والمعاهد المتخصصة ، كانت الأمور تتقدم بينها على الرغم من الخلافات السياسية بين دولها حتى في عز حاجتها للحماية الاميركية من تهديد جدي للمنظومة الاشتراكية التي ضمت دولاًفي اوروبا الشرقية وفي ظل استقطاب دولي سياسي وعسكري تمثل في حلفي وارسو والاطلسي
نعم
اشغلت قوى الارض عبد الناصر ومشروعه السياسي في الاستقلال والنهضة الشاملة بمعارك سياسية وإعلامية ودائماً عسكرية لانها تفهم معنى قيام دولة قوية بزعامته وشعبيته وقامته وإيمانه الصلب بقدرة امته ومكانتها وتهديدها كلها لمواقع القوى المعادية
نعم كان الخوان المسلمون والشيوعيون ودول وانظمة مثل السعودية والاردن فضلا ً عن البعث والقوميين السوريين ودائماً بريطانيا وفرنسا والعدو الصهيوني ثم اميركا كلها تكتلت وتكاملت ضد جمال ودولة الوحدة وكانت عائقاً امام كل انجاز فيها لتشغله بتهديداتها الامنية والاقتصادية عن الحركة المطلوبة ، وكان هذا دافعاً لاستنفار كل اجهزة الامن كي تؤدي دورها في حماية دولة الوحدة لتنشأ حالة شك بين الناس وبينها القت ظلالاً على الحلم الجميل ، ومن قال ان اعداء الوحدة لم يعملوا على تعتيم هذه الظلال بإستفزاز ها الدائم لاجهزة الامن ؟
يا اخي محمد
بعد عدوان اسرائيل على قطاع غزة عام 1955 اي بعد قيام ثورة 23 يوليو بثلاث سنوات جاء وفد من قيادات القطاع يطلبون من جمال اعداد خطة لتحرير فلسطين التي كانت العصابات الصهيونية احتلتها قبل سبع سنوات فصارحهم عبد الناصر انه ليس لديه خطة لتحرير فلسطين لأن مواجهة الكيان الصهيوني يحتاج الى عناصر القوة مجتمعة ليس فقط عسكرية بل اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وثقافياً وحشد الطاقات العربية في كل المجالات .. ولم تمض ثلاث سنوات حتى جاء ضباط سورية يفرضون عليه الوحدة تحت وهج بطولته الصاعدة بعد صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956اثر تأميمه قناة السويس
على كل كانت ثلاث سنوات وسبعة اشهر هي عمر تجربة الوحدة سجلت في لائحة خلود القائد المعلم وانجازاته العظيمة وما جريمة الانفصال يوم 28/9/1961, الا شهادة على عمق وسعة وشراسة قوى الارض ضده ثم قدرته باستلهامه نبض الجماهير العربية على الرد على هذه الجريمة في سورية في اليمن بمساعدة ثورتها التي قامت يوم 26/9/1962
لم تغب عن بال جمال انه خسر معركة في سورية فكانت خطوة الى الخلف من اجل خطوتين الى الامام بتأمين الامن القومي لمصر وهو موجود في اليمن بدور وحدوي أيضاً.
المصدر: مجلة الشـراع