بدأت أولى نتائج زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف إلى دمشق بداية الشهر الحالي بالظهور، من خلال إعلان نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي إيليا توروسوف توطين عشرات الشركات الروسية في سورية وإعلان وزارة الصناعة التابعة للنظام السوري أن 40 شركة في مختلف المحافظات تنتظر صدور تشريعات بحلها.
وكشف توروسوف، بحسب ما نقلت عنه وكالة سبوتنيك الروسية، يوم الجمعة الماضي، أنه على مدار عامين تم بالفعل تسجيل 35 مقيماً في سورية. وأوضح المسؤول الروسي أن “وزارته تستعد لتقديم مشروع قانون إلى مجلس الدوما يهدف إلى توسيع في إمكانية إعادة توطين الشركات في الولايات القضائية الأجنبية”.
وخلال زيارته إلى دمشق بداية الشهر، وهي الخامسة من نوعها، أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي أن العمل جارٍ لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري مع سورية، وأن هناك أكثر من 40 مشروعاً في ما يتعلق بإعادة الإعمار قيد الدراسة، وهي تخص أنشطة الطاقة والبنية التحتية ومحطات الطاقة الكهرومائية.
ووضعت روسيا أسس علاقاتها الاقتصادية مع النظام بعناوين صاغها نائب رئيس الوزراء السابق، ديمتري روغوزين، وهي أن روسيا لن تدخل الاقتصاد السوري بصفة “فاعل خير” أو “دولة مانحة”، بلا مقابل، وأنها لا تنوي التساهل في ما يخص مصالحها وأرباحها.
وفي محاولة لطمأنة السوريين بأن الشركات الروسية لا تمثل هيمنة على اقتصاد البلاد، قال وزير خارجية النظام، وليد المعلم، في مؤتمر صحافي، مؤخراً، مع بوريسوف، إن الاقتصاد في سورية أمام ظروف واعدة، وإن لا علاقة للاقتصاد بالسياسة، وهو تصريح لافت ومثير للدهشة، بحسب مراقبين.
ومقابل توجيه النظام عجلة المشروعات “إعلامياً” باتجاه فرص جديدة لإنعاش الاقتصاد تحركه الشركات الروسية، فإن نموذج دخول هذه الشركات ظهر واضحاً من خلال سيطرة شركة “ستروي ترانس غاز” على معامل الشركة العامة للأسمدة في حمص، إضافة إلى استخراج الفوسفات وتصديره للسوق العالمية مدة 50 عاماً.
وتعد شركة الأسمدة إحدى الشركات الصناعية التابعة للمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية وتقدم دعماً للقطاع الزراعي في سورية، وخاصةً الحبوب، كالقمح والشعير، وتمتلك ثلاثة معامل في حمص لتصنيع الأسمدة الزراعية هي: السماد الفوسفاتي، والأمونيا يوريا، والسماد الآزوتي.
وقبيل إعلان روسيا دخول العشرات من شركاتها إلى سورية أعلنت وزارة الصناعة في حكومة النظام أنها بصدد صياغة تشريعات بحل شركات وصفتها بأنها تعرضت للتدمير الكامل بفعل ما سمته بالأعمال الإرهابية، في حين تحدثت مصادر لوسائل إعلام موالية بأن عدد هذه الشركات هو 30 شركة في مختلف المحافظات، تضاف إليها 10 شركات متوقفة عن الإنتاج قبل اندلاع الحرب، بينما يبلغ العدد الكلي لشركات القطاع العام الصناعي 118 شركة.
وهذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها حكومة النظام عن حل وتصفية شركات تتبع القطاع العام الصناعي من خلال “صكوك تشريعية”. ومن بين هذه الشركات الشركة الحديثة للنسيج في دمشق، ومعامل للسكر والنسيج والغزل في مناطق أخرى .
وقال الصحافي المختص بالشأن الاقتصادي، سمير طويل، لـ”العربي الجديد”، إن روسيا تريد سوقاً لتسويق منتجاتها، وحصولها على امتيازات اقتصادية هو جزء من فاتورة الدين على النظام لقاء تدخلها لحمايته، والشركات الروسية كما الإيرانية لا تخدم الاقتصاد السوري أو المواطن الموجود بمناطق النظام، بل تخدم مصالحها حصراً.
وبالنسبة للشركات التي يريد النظام حلها قال طويل: “جميعها متهالكة، والروس يريدون استثمارها بطرق مختلفة، وهذه الشركات حتى قبل الدخول الروسي كانت مطروحة للاستثمار أو الخصخصة”.
يأتي إسراع النظام بإعداد الصكوك التشريعية لحل الشركات بعد أن حذر بوريسوف من تباطؤ تنفيذ العقود الاقتصادية مع النظام. وكان بوريسوف قد أوضح خلال زيارته قبل الأخيرة إلى دمشق بأنه سيتم مد خط سكة حديد جديد عبر سورية والعراق من أجل إنشاء ممر للنقل، يربط البحر الأبيض المتوسط بالخليج، والذي وفقاً لذلك سيزيد من عمليات الشحن عبر ميناء طرطوس التجاري الجديد، إضافة إلى توقيعه اتفاقيات تتعلق بتصدير القمح الروسي إلى سورية، واتفاقيات التنقيب عن النفط.
وقبيل زيارة بوريسوف أعلن في موسكو عن اتفاقية لمنح روسيا أراضي ومساحة بحرية إضافية في سورية بهدف توسيع قاعدة “حميميم” الجوية بمساحة تُقدَّر بـ 8 هكتارات في محافظة اللاذقية، تضاف إلى العقود التي وقَّعها بوريتسوف وتندرج جميعها في إطار اتفاقيات تعاون شاملة.
وقال المحلل السياسي، سامر خليوي، لـ”العربي الجديد” إن روسيا تسعى إلى استغلال ما تبقى في سورية من ثروات وتأمين مصالحها الاستراتيجية، لأنها دولة مافيوية يقودها زعيم عصابة، مشيراً إلى أن النظام يدرك أن وجوده مرتبط بالدعم الروسي ولذلك هو لا يستطيع أن يرفض المطالب والأوامر الروسية.
وفي حين بدأت نتائج زيارة بوريسوف الى دمشق تتكشف فإنه ينتظر أن تحمل الأيام القادمة المزيد من الوضوح حول توسع دائرة استحواذ روسيا على حلقات الاقتصاد السوري مع دخول شركاتها إلى سورية التي يزداد تفكك اقتصادها ليس بالنسبة للشركات فحسب، بل باتجاه جعل البلاد سوقاً لتصريف المنتجات، ولليد العاملة الرخيصة، مع عدم وجود منافسة من الشركات الوطنية، وهو ما يعني انهياراً للاقتصاد الوطني.
المصدر: العربي الجديد