مع دخول زمن الاحتلال الروسي لسورية عامه السادس، وقبل الحديث عن الانخراط الاحتلالي الروسي الصريح في الواقع السوري عسكرياً، لا بد من التأكيد على أن الدور الروسي كان ومنذ البداية يتكئ مباشرة على مصالحه البراغماتية، دون الالتفات إلى كل المحددات الأخرى في واقع معاناة الشعب السوري برمته. وهو إذ يفعل فعله اليوم احتلالاً عسكرياً أباحيًا في الجغرافيا السورية فإنما مرد ذلك إلى الكينونة الإقليمية الغارقة في تدخلاتها واحتلالاتها المستمرة، منتهكة بذلك قدسية الأرض السورية، ومعولة أيضاً على حالة التراخي الدولية، التي لم تعد خافية على أحد، في تعاملها مع الدم السوري النازف، والتهديم اليومي لكل البنى التحتية في مدى الجغرافيا السورية من أقصاها إلى أقصاها. وهنا وضمن هذا الواقع الذي لا يرضي الشعب السوري بقضه وقضيضه، مهما كانت مصالح روسيا أو سواها، ومهما صرحت بعض وسائل إعلامها، من أنها غير متمسكة برأس السلطة السورية الآنية، وأن مصالحها هي الأبقى والأكثر أهمية. فإنه يجدر بنا القول: أن خيارات (بوتين) في سورية، خيارات آيلة للسقوط إن لم تكن قد سقطت في الوحل السوري بالفعل، الذي سيغرقها خنقاً إن شاء الله، فليس الشعب السوري من يركن لهذه الاحتلالات، التي يعرفها جيداً قديماً وحديثاً، ويدرك كيف يتعامل معها.. من أجل وحدة ترابه، والخروج من عنق الزجاجة، إلى مآلات الحرية والكرامة، التي خرج من أجلها.. منذ اليوم الأول للثورة السورية السلمية الظافرة.
لعله من نافل القول الحديث عن مسألة أن من يستمر في الذهاب إلى موسكو- رغم هذا التدخل الاحتلالي الروسي السافر لمصلحة النظام -إنما يكون، وسواء وعى ذلك أم لم يعيه، قد جعل من هذا التدخل شرعياً، بل ومقبولاً دولياً واقليمياً، وهو بذلك يعرف أن كل من ذهب ويذهب لموسكو عاد بخفي حنين، ولم يجنِ للشعب السوري أي مسألة تفيد مساره باتجاه الحرية. وأن الروس يلعبون في الوقت الضائع، ويطبلون ويزمرون لبعض أشكال المعارضة التي صنعتها الأجهزة الأمنية السورية، ليصنعوا منها -بعد مدة من الزمن -حالة يبدو وكأنها حقيقية. بينما يرى الشعب السوري أنها وهمية وضحلة، ولا تعبر عنه، بل تساهم في لجم ثورته وبعثرة مساراتها، بينما الواقع البراميلي والقصف المستمر على المدنيين في ادلب وسواها، يشير إلى استمرار القتل اليومي الفاجر لشعبنا الذي لم يعد يصدق أحداً. ولم يعد يقبل لا بموسكو ولا بمنتجاتها.. ولا بكل المتشدقين باسم الشعب السوري والشعب منهم براء.
إن الروس وهم اليوم يقحمون أنفسهم في المخاضة السورية بعد مضي خمس سنوات ونيف، إنما يدفعون بسياساتهم العسكرية والاقتصادية إلى مآلات لا يمكن العودة عنها، ولن يغفرها لهم الشعب السوري المقهور والمظلوم، والطالع من رحم المعاناة إلى سمو الحرية والكرامة التي لا ولن يتراجع عنها. بأي حال من الأحوال بعد أن ضحى بأكثر من مليون شهيد، وأزيد من 500 ألف معتقل، وأكثر من نصف مليون معوق حرب، وتهجير قسري لأكثر من نصف الشعب السوري، بين داخلي وخارجي، وما ينوف عن ما نسبته 65 بالمائة من دمار للبنية التحتية، حسب تقديرات أممية وإقليمية. وهو بذلك (أي الاحتلال الروسي) يحفر قبره المستقبلي بيديه، من حيث أن الشعب السوري برمته لن يقبل منه أي مبادرات، بعد فقدان كل الثقة، التي كانت مهتزة منذ البدايات، فهل يعي ذلك هذا البوتين الدكتاتوري، ويرحل عن سورية غير مأسوف عليه، وعلى من جاء يدعمه من الطغاة السوريين والإيرانيين، ومن والاهم. أو من وقف إلى جانبهم.
632 2 دقائق