تشدد أميركي في بغداد وحكومة الكاظمي أمام التداعيات    مساع لرسم خريطة طائفية وقومية عبر قانون الانتخابات العراقي

أحمد السهيل

هدّدت واشنطن التي تتعرض قواتها ومصالحها في العراق إلى هجمات شبه يومية، بإغلاق سفارتها في بغداد، ما قد يؤدي إلى توجيه ضربة قاصمة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يُنظر إليه على أنّه حليف بارز لها.

ووقع العراق منذ فترة طويلة وسط تجاذبات حليفتيه إيران والولايات المتحدة، مما جعله في وضع لا يحسد عليه بسبب سياسة “الضغط الأقصى” التي تنتهجها واشنطن في وجه طهران منذ عام 2018.

وفي تصعيد جديد، قال مسؤولون عراقيون وأجانب، إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اتصل بالرئيس العراقي برهم صالح الأسبوع الماضي ووجه له إنذاراً شديد اللهجة. وقالت المصادر إنّ واشنطن حذرت بأنّه “إذا لم تتحرك الجهات الأمنية والقضائية في العراق ضد استهداف البعثات وقوات التحالف، فإن لديها بدائل أخرى لضمان عدم استمرار هذا الوضع”.

وصرح مسؤول عراقي لوكالة الصحافة الفرنسية، أنّ “واشنطن ليست منزعجة فحسب مما يحدث ضد البعثات الدبلوماسية، ولكنها منزعجة جداً جداً جداً وسيلي هذا الانزعاج إجراءات”. ولا يزال لدى الولايات المتحدة مئات الدبلوماسيين في المنطقة الخضراء في بغداد حيث الإجراءات الأمنية مشددة، ونحو ثلاثة آلاف جندي يتمركزون في ثلاث قواعد في جميع أنحاء البلاد.

وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين عراقيين لم تسمهم تأكيدهم بأن “الاستعدادات بدأت بالفعل لإغلاق السفارة”. بدورها، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن المتحدث باسم الحكومة العراقية “أحمد ملا طلال”، الأحد، قوله “نأمل أن تعيد الإدارة الأميركية التفكير في الأمر”.

ومنذ عام 2019، استهدفت عشرات الصواريخ والعبوات الناسفة هذه المواقع، واتهم المسؤولون الأميركيون وعراقيون فصائل موالية لايران، بمن في ذلك كتائب حزب الله العراقية. واستمر الإحباط حتى بعد بداية ولاية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مايو (أيار) الماضي، ويُنظر إليه على أنّه ذو ميول غربية.

وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى للوكالة قبيل زيارة الكاظمي لواشنطن في أغسطس (آب) الماضي، إن الولايات المتحدة اشارت إلى أنّها “غير راضية عن تعامله مع الجماعات المسلحة الموالية لإيران”. ورفضت الولايات المتحدة التعليق على دعوة بومبيو الأخيرة، لكن مسؤولاً في وزارة الخارجية الأميركية قال إن “الجماعات المدعومة من إيران التي تطلق الصواريخ على سفارتنا تشكل خطرا ليس علينا فحسب، بل على حكومة العراق”.

ولا تزال الغارة الأميركية في يناير (كانون الثاني) الماضي التي أدت إلى مقتل الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي الذي ترعاه الدولة، ماثلة في أذهان المسؤولين العراقيين والجماعات المسلحة.

ومنذ ذلك الحين، ظل بعض من قادة الفصائل شبه العسكرية الموالية لإيران صامتين خشية تعرضهم للضربات أو العقوبات الأميركية وتوارى البعض الآخر منهم عن الأنظار بشكل كامل.ويبدو أن التهديدات الأميركية الجديدة عمّقت الخلاف المتزايد بين الفصائل الموالية لإيران وتلك الأقل استعدادًا للدخول في مواجهة كاملة مع الولايات المتحدة.

وبعد أشهر من الصمت، دعا رجل الدين النافذ مقتدى الصدر عبر موقع “تويتر” هذا الأسبوع، إلى “تشكيل لجنة أمنية وعسكرية وبرلمانية للتحقيق” في الهجمات الصاروخية.

وفي غضون دقائق، أعلن الكاظمي وشخصيات حكومية بارزة أخرى ترحيبهم بهذه الدعوة. وقال مسؤول عراقي “هناك إجماع على إدانة هذه الهجمات. كتائب حزب الله والمتشددون الآخرون معزولون وتركوا بلا غطاء سياسي”.

الخزعلي يرد على مقترحات الصدر

في سياق متصل، رد الأمين العام لـ “عصائب أهل الحق” في العراق قيس الخزعلي على مقترح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتشكيل لجان تحقيقية حول الجهات التي تستهدف السفارة الأميركية في بغداد، معتبراً ذلك “لا يخدم المصلحة الوطنية ولا يعجل بخروج قوات الاحتلال”.

ويتزامن بيان الخزعلي مع تقارير تحدثت عن تحذير من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للمسؤولين العراقيين، بسحب البعثة الدبلوماسية لبلاده في حال استمرار تعرض السفارة الأميركية لهجمات.

وقال الخزعلي في بيان، إنه “مع كل الملاحظات المهمة والخطيرة فإننا لا نرى مصلحة في استهداف مبنى السفارة الأميركية حالياً، ليس بسبب أنها هيئة دبلوماسية حالها حال باقي الهيئات الدبلوماسية الأخرى، بل لأن هذا الاستهداف يمكن أن يستغل إعلامياً للمساس بهيبة وسيادة الدولة”، مضيفاً “الحرب مع العدو المحتل فيها أوراق أخرى، لا يحتاج المقاومون الآن إلى ورقة استهداف هذا المقر”.

وأشار إلى أنه “لا يوجد في العراق موضوع اسمه استهداف الهيئات الدبلوماسية والثقافية، وإنما الموجود استهداف سفارة الولايات المتحدة تحديداً، وهذا كما معلوم له أسبابه المعروفة، أما باقي الهيئات الدبلوماسية فإنها تمارس عملها بشكل طبيعي من دون أن يعتدي عليها أحد”.

وتابع البيان، أن “هذه السفارة حالياً هي ليست سفارة دولة صديقة، وإنما هي سفارة دولة احتلال للعراق”، فيما أشار إلى أن القوات العسكرية الكبيرة والأسلحة المتوسطة والثقيلة يجعل “محيط السفارة بمثابة معسكر”.

وبين الخزعلي أنه “يمكن أن تستخدم في توجيه تهديد للقوى السياسية، كما أن استمرار وجودها يعرض أمن العاصمة للخطر”، مبيناً أن “الدور التجسسي الذي تقوم به السفارة وعمليات التجنيد المستمرة التي تقوم بها من خلال اللقاءات المباشرة مع قادة أمنيين يجعل اعتبارها مجرد وجود دبلوماسي محل نظر كبير جداً”.

الانتخابات

تستمر الخلافات بين الكتل السياسية حول قانون الانتخابات العراقي في وقت فشلت فيه تلك الكتل في التوصل إلى توافقات بشأن آلية تقسيم الدوائر الانتخابية. ويرى مراقبون أن السبب الرئيس في عدم إقرار ملحق القانون يعود إلى عدم التوصل لصيغة توافقية حول شكل الدوائر في كل محافظة، فيما أشاروا إلى رغبة عدد كبير من الكتل السياسية العودة للقانون السابق.

وفشل البرلمان العراقي مرة أخرى في التصويت على فقرة الدوائر المتعددة، بعد انسحاب عدد من الكتل وإخلالها بنصاب جلسة التصويت، السبت 26 سبتمبر (أيلول) الجاري، بعد تسريبات كانت تتحدث عن حصول توافق بشأن القانون قبل أيام.

رغبة بالعودة للقانون السابق
تعبر كتل عدة عن دعمها مشروع قانون الدوائر المتعددة على رأسها تحالف “سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتحالف “عراقيون” الذي يتزعمه عمار الحكيم.

وفي مقابل الكتل الراغبة في إمرار القانون الانتخابي والمتمسكة بتعدد الدوائر، تُبدي كتل رئيسة أخرى رغبتها بشكل واضح العودة إلى القانون السابق، الذي يعتمد مبدأ أن تكون كل محافظة دائرة واحدة، إلا أن هذا الرأي يواجه رفض المحتجين الذين تركزت مطالبهم على تعديل القانون الانتخابي وإضافة الدوائر المتعددة كشرط رئيس للقبول به.

ويعلن النائب عن ائتلاف “دولة القانون” علي الغانمي، تأييد كتلته للعودة إلى القانون السابق، مبيناً أن “الدوائر المتعددة تحصر نواب البرلمان في إطار محلي وتقلص أدوارهم، على عكس أن يكونوا ممثلين للمحافظات أو دوائر كبيرة”.

ويوضح في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن تقليص الدوائر الانتخابية “سيخلق حالة من العشائرية والطائفية في الانتخابات المقبلة”.

ويكشف الغانمي عن تراجع بعض الكتل السياسية عن موقفها إزاء القانون الحالي، وفيما يشير إلى تمسك تحالفي “سائرون” و”الحكمة” بفقرة تعدد الدوائر، يؤكد أن “بقية القوى السياسية لديها آراء مقاربة لوجهة نظرنا حول أن تكون المحافظة دائرة انتخابية واحدة”.

في المقابل، ترفض الكتل الكردية تعدد الدوائر الانتخابية تحديداً في المحافظات التي تشتمل على مناطق متنازع عليها بين بغداد وأربيل.

وقال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، عصمت رجب، إن “تعدد الدوائر الانتخابية سيخلق مشاكل كبيرة في المناطق المتنازع عليها، وسيخسر الكرد جراء تطبيق هذا النظام كثيراً فيها”، مضيفاً في تصريح صحافي أن “هذا سيشمل جميع المكونات في نينوى وكركوك”، فيما دعا إلى “التعامل مع المناطق المتنازع عليها بوضع خاص”.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الكتل الأربعة الرئيسة التي كسرت نصاب جلسة التصويت على قانون الانتخابات، أمس 26 سبتمبر، هي كتل “دولة القانون” و”تحالف الفتح” وجزء من الاحزاب الكردية والسنية على أثر انسحابها من الجلسة.

محاور الخلافات
في السياق ذاته، يقول النائب عن تحالف “القوى العراقية”، ظافر العاني، إن “فقرة الدوائر المتعددة والنظام الانتخابي لا تزال محط جدل، بين من يريد الإبقاء على المحافظة دائرة انتخابية ومن يريد تجزئتها لأقصى قدر”، مبيناً أن الهدف وراء تلك الخيارات “مدفوع برؤية كل فريق لحظوظه الانتخابية القادمة”.

ويؤكد في حديث لـ”اندبندنت عربية”، دعم كتلته تعدد الدوائر الانتخابية شريطة ألا تكون صغيرة جداً، فضلاً عن ضرورة مراعاتها “التوازن والتصويت البايومتري”، مشيراً إلى، أن إشكالية الدوائر الصغيرة تتلخص في كونها “ستسمح بصعود شخصيات مغرقة في محليتها وبرامجها تقوم على أساس الخدمة المباشرة لجمهور صغير”.

ويلفت العاني إلى أن “هناك تخوفاً من أنه في ظل دائرة صغيرة سيكون من السهل التزوير ويكون التأثير المالي أوضح”، مردفاً “المؤيدون لهذا الخيار هم من يمتلكون ميليشيات وسيطرة واضحة على المراكز الانتخابية”.

ويختم أن “إضافة إلى تلك الخلافات ثمة خلاف حول تقسيم الدوائر إثنياً، حيث تريد كل مجموعة توزيع الدوائر بطريقة تضمن أغلبيتها السكانية في الدائرة الانتخابية”.

التفاف على القانون وتقسيمات طائفية وقومية
في المقابل، تجد الكتل السياسية نفسها مسترخية للتوصل إلى صيغة للقانون تضمن استحواذها على البرلمان المقبل، في ظل تراجع حدة الاحتجاجات وابتعاد ملف قانون الانتخابات عن دائرة اهتمام الرأي العام والانشغال بالأزمات الحاكمة اقتصادية وأمنية ومجتمعية.

ويرى مراقبون أنه على الرغم من إقرار فقرة تعدد الدوائر ضمن القانون، فإن الكتل السياسية تسعى إلى تقسيم الدوائر الانتخابية في عدد من المحافظات إلى أشكال طائفية وقومية، من خلال دمج أكثر من قضاء في كل دائرة انتخابية.

ويقول رئيس المرصد النيابي مزهر الساعدي، إن “معظم الكتل راغبة بالإبقاء على القانون الانتخابي السابق، وكانت موافقتها على تضمين فقرة الدوائر المتعددة في القانون محاولة لإسكات الشارع”، مبيناً أن “تلك الكتل تحاول الالتفاف على مطالبات الشارع، كما حصل في الدورة السابقة عندما تراجعت وشرعت قانوناً لا يتطابق مع الإرادة الشعبية”.

ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، أن “إقرار فقرة تعدد الدوائر الانتخابية في القانون هو الذي يعرقل مساعي الكتل في العودة للقانون السابق”، مشيراً إلى أن “زيادة أحجام الدوائر الانتخابية هي الآلية التي تحاول من خلالها تلك الكتل الالتفاف على فقرة الدوائر المتعددة”.

ويكشف الساعدي عن اتفاقات بين الكتل تتضمن عدم تقسيم الدوائر الانتخابية وفقاً للأقضية، أو ما دونها، من خلال دمج أكثر من قضاء في كل دائرة انتخابية، مشيراً إلى، أن تقسيم الدوائر “سيتخذ أشكالاً قومية وطائفية”.

ويتابع “المقترحات تتضمن دمج الأقضية المتجاورة، وهذا يعني إعادة رسم خريطة قومية وطائفية في الانتخابات المقبلة من خلال الدوائر الانتخابية، وتحديداً في كركوك ونينوى وبغداد”.

ويلفت رئيس المرصد النيابي إلى أن “تقسيم الدوائر في بغداد سيكون من خلال سبع مناطق انتخابية”، مردفاً أنه “وفقاً لما تسرب عن شكل تلك التقسيمات فإنها ستكون ذات طابع طائفي”.

عرقلة التعهدات الحكومية
فيما يتحدث نواب عن إشكالات فنية وسياسية بشأن القانون، يرى مراقبون أن الغاية الرئيسة لدى بعض الكتل وعلى ويعلق الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني على التسريبات التي تتحدث عن انسحاب نواب تحالف “الفتح” من جلسة التصويت على القانون قائلاً “انسحاب التحالف يتعلق بمساعي عرقلة إيفاء الكاظمي بالتزاماته، وعلى رأسها الانتخابات المبكرة، فضلاً عن محاولة إيقاف سياسية الإملاءات الشعبية التي بدأت بفرض استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي”.

ويضيف لـ”اندبندنت عربية”: “تلك الكتل تعتبر مشروع الكاظمي انعكاساً للمشروع الأميركي في البلاد، وهذا دافع أساسي لها في عرقلة جميع تعهداته”.

ويشير إلى أن التسريبات التي تحدثت عن تهديد صريح من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للجماعات التي تستهدف المصالح الأميركية “هي التي دفعت تلك الكتل إلى اتخاذ خطوات سياسية معرقلة لمشروع الكاظمي”، مبيناً أن “تلك الكتل باتت تعتقد أنها فقدت وسيلة الضغط تلك ولجأت إلى وسائل سياسية قد تكون ورقة تفاوض جديدة مع الحكومة”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى