جيفري يتجاهل أنقرة. ويراسل موسكو باللغة الكردية

عقيل حسين

لم تحمل التفاصيل التي سُربت عن مضمون اللقاءات التي عقدها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري مع القوى الكردية في محافظة الحسكة حتى الآن ما هو استثنائي، ما يؤكد أن الهدف من الزيارة كان توجيه رسائل سياسية للأكراد السوريين ومختلف الأطراف الأخرى، أكثر منه العمل على انجاز اتفاق كردي-كردي ينهي الخلافات العالقة بين حزب “الاتحاد الديموقراطي” وأحزاب “المجلس الوطني الكردي”.

وكشفت مصادر كردية ل”المدن”، بعض تفاصيل اللقاء الذي جمع جيفري مع ممثلين عن الطرفين في مدينة القامشلي بريف الحسكة، وبينت أن المبعوث الأميركي اكتفى بالحديث بشكل عام من دون الخوض بالتفاصيل، بينما كان الطرفان الكرديان الرئيسيان، وبقية المعارضة السورية، بالإضافة إلى القوى المؤثرة في الصراع تتوقع تدخلاً مباشراً من جيفري ومرافقيه للضغط على حزب الاتحاد والمجلس الوطني من أجل تجاوز خلافات عالقة بينهما تعطل التوصل لاتفاق كامل حول إدارة المناطق الخاضعة لنفوذ قوات التحالف الدولي، شمال شرق سوريا.

لكن جيفري اكتفى بالتأكيد على دعم الإدارة الأميركية للمحادثات الكردية-الكردية “ضمن خطتها لحشد قوى المعارضة السورية المختلفة خلف السياسة الأميركية وتوجهاتها للحل في سوريا”، حسب ما نقلت المصادر، وشدد على أن “حل الصراع السوري يكون فقط من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن 2254”.

ومن الواضح أن جيفري كان يوجّه في تركيزه على النقطة الأخيرة رسائل واضحة للجانب الروسي، الذي طالما حاول السعي لإيجاد مسارات جانبية للحل، تقفز على تفاهمات جنيف وقرارات مجلس الأمن، سواء عبر مساري سوتشي وأستانة، أو من خلال عقد اتفاقات جانبية مع بعض القوى المعارضة، سعياً إلى جلبها لطاولة حوار خاصة مع النظام، وخاصة بعد توقيع وفد من مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” الذراع المدني لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” اتفافية مع منصة موسكو المعارضة التي يقودها قدري جميل في العاصمة الروسية قبل أسبوعين.

هذه الرسائل ستبدو أكثر وضوحاً مع تأكيد جيفري خلال اللقاء على أن “النظام في دمشق وحليفته روسيا هما المسؤولان عن إفشال العملية السياسية في سوريا، من خلال الاستمرار في الحل العسكري وعرقلة أعمال اللجنة الدستورية، ومحاولتهما المستمرة لتعطيل القرار الأممي 2254”.

كما يوحي هذا التركيز بأن الوفد الأميركي الموجود في الحسكة، سيعمل على مواجهة المساعي الروسية لتقسيم المعارضة، والعمل على سحب أطراف فيها مدعومة من قبل واشنطن إلى صفها، من خلال اللقاءات التي سيعقدها هذا الوفد مع أطراف أخرى من خارج المكونين السياسيين الكرديين الرئيسيين، بما في ذلك قوى وأحزاب عربية وكردية أخرى.

لكن الدخول في تفاصيل ملف الحوار الكردي-الكردي تركه جيفري لمبعوثة الخارجية الأميركية زهرة بيللي، التي كشفت المصادر أنها طلبت خلال الاجتماعات التي عُقدت مساء الأحد وصباح الاثنين، من حزب الاتحاد وممثلي المجلس الوطني تأجيل البحث في ملف عودة القوة العسكرية التابعة للمجلس (بيشمركة روج آفا)، بالإضافة إلى تأجيل البحث في قضية معتقلي ومغيبي المجلس، من عسكريين وسياسيين وناشطين، الذين تم اختطافهم من قبل حزب الاتحاد إلى جولات الحوار القادمة، بالإضافة إلى ترحيل القضايا العالقة بينهما إلى الجولة الثالثة من المباحثات، وخاصة علاقة الاتحاد مع حزب العمال الكردستاني.

وكان الجانبان الكرديان قد استبقا وصول الوفد الأميركي الذي يقوده جيمس جيفري، بالإعلان السبت عن توصلهما لاتفاق حول المرجعية السياسية الكردية، بالإضافة إلى ثلاث نقاط أخرى.

وحسب ما نقلت مصادر إعلامية كردية سورية، فإن حزب الاتحاد الذي يقود أحزاب “الوحدة الوطنية” في الحوار الكردي-الكردي الذي انطلق في نيسان/أبريل الماضي، قد توصل مع أحزاب المجلس الوطني إلى تأسيس “الهيئة الكردية العليا” لتكون بمثابة المرجعية السياسية للقوى الكردية في أي اتفاقات قادمة حول سوريا.

وحسب المصادر، فإن الهيئة ستتألف من أربعين عضواً، على أن تكون نسبة كتلة الوحدة الوطنية 16 عضواً بواقع 40 في المئة، مثلها مثل حصة أحزاب المجلس الوطني، مقابل عشرين في المئة للشخصيات المستقلة والأحزاب الكردية الأخرى غير المنضوية في أي من التجمعين.

وبالإضافة إلى ما سبق، فقد توصل الطرفان الى الاتفاق على تنظيم انتخابات عامة في مناطق الإدارة الذاتية الكردية بعد عام من توقيع الاتفاق النهائي، الذي يجب أن يشمل تغيير قانون الإدارة الحالي، وأن تشارك في هذه الانتخابات جميع الأحزاب الكردية والقوى السياسية العربية والمسيحية، وذلك وفقاً لمرجعية اتفاقية (دهوك 2014) حول الحكم والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع، التي تعتبرها الأطراف المتحاورة أساساً للمفاوضات الجارية بينها.

وتعليقاً على التفاصيل التي تم تسريبها حول لقاءات الوفد الأميركي بقيادة جيمس جيفري مع ممثلي الأحزاب الكردية في شمال شرق سوريا، رأى الباحث السياسي بدر ملا رشيد في تصريح ل”المدن”، أن “الزيارة تأتي ضمن تحقيق غايتين، الأولى هي اعطاء ضمانات للمجلس الوطني الكُردي بوجود تمثيل أميركي سياسي ضامن للعملية الحوارية مع أحزاب الحركة الوطنية الكُردية، والثانية أن هذه الضمانات، ستعزز من قيمة الإتفاق حول انشاء المرجعية السياسية للأحزاب الكُردية، كون القضايا الخلافية الرئيسية ما تزال عالقة”.

وفيما إذا كان جيفري قد حضر إلى شرق الفرات ليبارك اتفاقاً كردياً-كردياً تم التوصل إليه بالفعل، أم بهدف دفع الحوار قدماً وتجاوز معوقاته، يقول ملا رشيد إن “زيارة جيفري حتى وإن دفعت قبل البدء بها الأطراف المتحاورة لإعلان إنجاز في مفاوضاتهما يتعلق بالاتفاق على المرجعية العليا، إلا أن ذلك لا يعني اتفاقاً شاملاً، بل لتحفيزهما على العمل من أجل تحقيق هذا الاتفاق المنتظر”.

وأوضح أن ذلك يتم عبر “تأجيل الملفات الإشكالية على أمل حلّها في المستقبل، سواءً عبر فتح المجال أمام التشكيل الجديد للمشاركة في العملية السياسية الوطنية، أو عبر إتمام عمليات الحوار والتوجه لعقد إنتخابات تضفي بعض المشروعية على هيكل الحكم المراد تشكيله خلال مدة تقارب السنة ونصف السنة من تاريخ إعلان الاتفاق”.

لم تشر التسريبات ولا التصريحات التي أعقبت لقاءات الوفد الأميركي بقيادة جيفري مع ممثلي القوى الكردية السورية في ريف الحسكة إلى المخاوف التركية من الحوار الكردي-الكردي، أو أي تطمينات من واشنطن لأنقرة تخفف من حدة تحفظاتها على هذا الحوار الذي لم يحقق الكثير، لكنه دخل منعطف جدياً اليوم.

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى