ظهور رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية مؤخرا على نحو مفاجىء في إستانبول بضيافة الرئيس التركي شخصيا ، ثم انتقاله المفاجئ وظهوره في بيروت بضيافة السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله ، شكل ما يشبه سيناريو سينمائيا مثيرا ، جمع بين الأداء السياسي الرزين ، والألعاب البوليسية والشعبوية الدرامية ، مما أثار تساؤلات ملحة كثيرة ، من نوع :
كيف ومتى خرج هنية من غزة المحاصرة بإحكام ، برا وبحرا وجوا ، من اسرائيل ومصر ، وهل عاد اليها بعد لبنان .. وكيف ؟!
وما هي أهداف جولته على قطر وتركيا ولبنان ، وما برنامجه في كل بلد منها ؟
ولماذا يغامر أردوغان – وهو رئيس دولة غربية أطلسية – بعلاقات بلاده التاريخية وتحالفها مع الولايات المتحدة من أجل أن يستقبل شخصيات فلسطينية مدرجة على لائحة الارعاب الدولي ؟
فيما يلي محاولة للإجابة .
المحطة الأولى : من غزة الى الدوحة بلا رجعة ( 1 من 3 ):
مصر منعت ” هنية ” من العودة الى غزة ..عقابا على زيارته طهران !
الصراعات داخل “حماس” قوية نتيجة ولاءات أجنحتها للخارج
لكن تطورات الخليج الأخيرة وحدت الجميع لصالح إيران وتركيا
كثيرون تساءلوا عن كيفية خروج اسماعيل هنية من غزة. وبعد بحث واستقصاء تبين لنا ما يلي (حسب روايتين، الأولى اسرائيلية أوردتها صحيفة اسرائيل اليوم ، والثانية فلسطينية حصلنا عليها من مصدر لا يريد ذكر اسمه ) :
خرج هنية من غزة قبل نهاية عام 2019 ، باتفاق مع السلطة المصرية الأمنية يسمح له بالخروج والعودة بشرط ألا يزور إيران ، وقالت الصحيفة إن هنية أعطى تعهدا لجهاز الاستخبارات بألا يزور طهران .
ولكن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن ، إذ أن اغتيال الاميركيين لقاسم سليماني في بغداد في بداية العام الحالي 2020 خلط الأوراق ، وفرض أجندة مختلفة . لأن هنية وكل قادة حماس قرروا أن يشارك رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية في تشييع سليماني ، فذهب والقى خطابا حماسيا حارا وصف فيه قائد لواء القدس بشهيد القدس . وقال المصدر الفلسطيني أن هنية كان متحمسا لزيارة طهران ليكسب تأييدها له في التنافس على زعامة الحركة . وقالت الصحيفة الاسرائيلية إن السلطة المصرية الأمنية غضبت على هنية ، لمخالفته تعهده لها ، فقررت منعه من العودة الى غزة ، فبقي في الدوحة منذ نهاية العام الماضي .. وما زال هناك ، بدون إعلان !.
وعلى صعيد آخر توضح معلومات موثوقة من مصادر عديدة أن انتخابات قيادة حماس ستجري في مطلع نوفمبر المقبل ( بشكل متزامن مع انتخابات الرئاسة الأميركية ! ) ، وقد بدأ المتنافسون على زعامتها جهودهم لحشد المؤيدين وكسب اصوات الحمساويين مبكرا . وأبرز المتسابقين هم :
1 – اسماعيل وهنية رئيسها الحال .
2 – خالد مشعل الذي كان رئيسا لها لمدة دورتين ، وفي الانتخابات السابقة لم يعد مسموحا له بموجب النظام الداخلي الترشح لدورة ثالثة ، فترك مكانه لمن يختاره الناخبون ففاز هنية به . أما الآن فهو يريد العودة للقيادة ، والنظام الداخلي يسمح له الترشح .
3 – ينافس الاثنين يحيى السنوار رئيس قيادة حماس في قطاع غزة حاليا ، ورئيس جناحها العسكري سابقا .
4 – وهناك من يتوقع أن ينضم للمنافسة صالح العروري ، نائب رئيس الحركة حاليا .
الجدير بالذكر أن أوراق هنية قوية لأنه يقيم في غزة منذ سنين طويلة ، ويقود حكومتها ، وله قاعدة شعبية قوية . في حين أن مشعل كان يقيم في الخارج منذ عقود .
كانت الحركة في الدورة السابقة رأت أن قائد حماس لا ينبغي أن يكون مقيما في الخارج ، بل يفضل أن يكون في الداخل ، وبهذه الحجة رجحت كفة هنية على مشعل ، علما أن هذا تلقى تزكية قوية من شخصيات اخوانية ذات رمزية كبيرة كالقرضاوي والمرشد المصري محمد بديع .. وآخرين . وظهر توجه لتعديل النظام الداخلي لفتح الابواب أمام عودة مشعل الى القيادة .
والجدير بالاشارة أن منافس مشعل في الدورات التي فاز بها سابقا كان موسى أبو مرزوق ، وهو أضعف منه على كل المستويات ، أما بعد دخول هنية والسنوار الى حلبة المنافسة تغيرت موازين القوى لغير صالح مشعل .
على أي حال فالمنافسة حاليا لا تدور بين هؤلاء فقط ، لأن الحركة في السنوات الأخيرة باتت تتجاذبها ولاءات ومصالح وتوجهات متعددة داخلية ، وخارجية لأطراف دولية ذات نفوذ وتأثير على ساحة القضية الفلسطينية ، وذات نفوذ داخل صفوف الأعضاء والأجنحة . كقطر وتركيا وايران . وذكر مصدر فلسطيني مطلع أن إبعاد مشعل عن زعامة الحركة في المرة السابقة شجعت عليه ، لأنه ذو توجهات عربية ، ومحسوب على محور تركيا – قطر . ومعارض للارتماء في أحضان ايران ومحورها .
ويعود الموقفان الى عام 2012 عندما اصطدم مشعل مع بشار الأسد على خلفية الموقف من الثورة السورية ، ورفضه إعلان تأييد الأسد ، بل قام أحد المقربين منه بنقل أموال من قطر الى المعارضة السورية في في دمشق ، في ذلك الوقت المبكر من الثورة ، وعندما كشفت الاستخبارات السورية العملية ذبحته في مكتبه بدمشق . وعلى إثرها قرر مشعل الخروج فورا من سورية ، والانتقال الى قطر ، وأصبحت ايران معادية لمشعل من يومها ، وانسحب الموقف الى حزب الله ، ووقعت قطيعة بين الجانبين استمرت حتى 2014 .
هنية : وسطي بين الأضداد :
————————-
أما هنية الموجود داخل غزة ، فكان موقفه تجاه الثورة السورية قريبا من مشعل ضد نظام الأسد ، وكان ميالا الى سياسة قطر وتركيا المؤيدة للثورة السورية ضد الأسد ، وكان منتقدا بقوة لتدخل ايران وحزب الله في سورية ، ورافضا للتعامل مع ايران ، اقتداء بسنة زعيمهم المؤسس الراحل الشيخ أحمد ياسين الذي استشهد وهو يوصيهم بعدم التعامل مع ايران ، لأسباب دينية وعقيدية . ومن المعروف أن هنية استقبل سوريين معارضين ولاجئين في غزة ، وقدم لهم بعض الدعم عام 2012 . إلا أن المعادلات تغيرت لاحقا ، بدخول الجناح العسكري الأقرب الى مواقف ايران وحزب الله على خط الصراع على مواقع القيادة ، وسياسة الحركة الخارجية .
وبعد فترة من الصراع والسجال عمل هنية على تكييف خطه بين خطّي الجناح العسكري والسياسي ، وأعاد العلاقات مع حزب الله ، ثم زار ايران عدة مرات ، لحضور اجتاعات محور المقاومة ، وكلفته زيارته الأخيرة لطهران منع المصريين له من العودة الى غزة كما قلنا .
وكانت زيارة هنية للدوحة في نهاية العام الماضي بهدف تقوية أوراقه في معركة الزعامة ، ثم زار تركيا للمرة الاولى في شهر فبراير الماضي ، والتقى بالرئيس اردوغان . ثم عاد اليها في اغسطس الماضي ، في طريقه الى لبنان ، تعزيزا لأوراقه الانتخابية ، فهو يقدم نفسه كمرشح قريب من المحورين ( التركي – القطري ) والايراني – حزب الله ، ومن خلالهما السوري ايضا .
أما المواضيع التي يدور عليها الخلاف والتنافس بين المترشحين والاجنحة ، فهي حسب التسلسل الآتي :
1 – العلاقات مع بقية الفصائل وسلطة رام الله والموقف من مسألتي الوحدة والانفصال .
2 – العلاقات مع الدول الشقيقة والحليفة ، وخاصة ايران وتركيا وقطر ومصر.
3 – استراتيجية حماس بين خيار المقاومة والتصعيد مع اسرائيل ، أو خيار التهدئة .
وتؤكد تقديرات الخبراء الفلسطينيين أن حماس تحت تأثير أعباء السلطة والحكم في غزة وادارة شؤون الناس الاقتصادية والادارية ، باتت تفضل في السنين الأخيرة الوصول الى هدنة طويلة المدى مع العدو ، والبقاء بعيدا عن سلطة رام الله بحجة أنها تخلت عن المقاومة وخيار المواجهة ، وانصرفت للتعاون مع العدو والرهان على حلول ديبلوماسية وسياسية . وتلعب قطر دورا أساسيا في هذا التوجه لحماس وتدعمه ، وتقدم مساعدات مالية سخية الى حكومة غزة لكي لا تسقط ، أو تضطر لتسليم راسها الى السلطة الوطنية ، ولكن لا يخفى على أحد حاليا أن قطر تقوم بهذا الدور بترتيب وتنسيق كاملين مع اسرائيل التي تبارك انشقاق غزة عن الضفة الغربية ، وإقامة إمارة في الأولى ، مقابل وقف التصعيد والالتزام بالتهدئة ، وفتح الحدود أمام العمالة الغزاوية في اسرائيل لتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لسكان القطاع انطلاقا من الاعتقاد بأن سوء الاحوال المعيشية سيدفع الغزيين الى العنف ضدها .
وتدعم مصر أيضا هذه الجهود لتثبيت التهدئة ، والوصول الى هدنة طويلة المدى من خلال شخصيات من قيادة الداخل ، والجناح السياسي الوسطي ، بينما لا يزال الجناح العسكري يميل الى تمتين العلاقات مع ايران ، والتحالف معها بقوة ، ومع محور المقاومة الاقليمي ، والجهوزية العسكرية لتصعيد المقاومة وتطوير سلاح الصواريخ بالتعاون مع ايران وحزب الله .
كما تدعم مصر عودة غزة الى السلطة الوطنية ، وتقليص العلاقات مع تركيا وإيران .
وحسب معلومات غير منشورة ، يدور صراع شديد بين اتجاهين أحدهما يسعى للحفاظ على العلاقات مع العرب يمثله مشعل ، وآخر يسعى لزيادة الاعتماد على ايران ومحورها في الاقليم يمثله السنوار ، يتوسطهما هنية . وهناك مساع قطرية – تركية لتقريب وجهات النظر بين هنية ومشعل ، على حساب الجناح العسكري بقيادة السنوار ومعه الزهار الذي يقف في مواجهة هنية ، ويسود بينهما عداء مستحكم منذ زمن غير قريب ، وقد عمل هنية دائما على تهميش خصمه محمود الزهار وإقصائه مع أنه يحتل منصب وزير خارجية في حكومة حماس .
ويبدو أن التطورات العربية الأخيرة ، وخاصة اعتراف دولة الامارات العربية ، ومملكة البحرين قربت كثيرا المسافات بين المتنافسين والفرقاء ، ودفعتهم لكي يوحدوا صفوفهم ضد المواقف العربية الخليجية بخاصة ، والعربية بعامة ، كغالبية الفصائل الفلسطينية . وبدأ الجميع يتبنون موقفا متشددا وتصعيديا تجاه الساعين للاعتراف باسرائيل وتطبيع العلاقات معها من العرب ، ومبررا اضافيا للتقارب مع إيران وحلفائها في المنطقة.
ومن ناحية ثانية هناك خلافات عميقة حول ضرورة حسم حركة حماس مواقفها من السلطة الوطنية الفلسطينية ، وبقية الفصائل ، ومن مستقبل المصالحة ، والعودة للشرعية والوحدة . وهناك معلومات عن وجود تيار سياسي متنام في حماس يؤيد العودة الى أحضان السلطة الوطنية ورام الله ، بل والدخول الى منظمة التحرير ، لا للاندماج في خطها ومؤسساتها الحالية على حساب السلاح والمقاومة الذي يعد أبرز قضايا الخلاف بين الطرفين ، وإنما لانتزاع السيطرة على قيادتها وقرارها بالتدريج ، وبالتحالف مع بعض الفصائل الوطنية المعارضة لخط أوسلو وسياسة التهدئة ، بدعم دولي وخارجي قوي .
وقد ظهر هذا النفس السياسي جليا في خطاب هنية أمام مؤتمر الأمناء العامين للفصائل ، وهو خطاب سعى الى الالتفاف على الرئيس ابو مازن وتليين موقفه من خلال كسب تأييد قادة الفصائل الأخرى ، ولا سيما الجبهات الشعبية الثلاث .
ومثلما ينتظر العالم كله نوفمبر القادم لمعرفة من سيفوز بمفاتيح البيت الابيض ينتظر الفلسطينيون أيضا معرفة من سيحسم الصراع على قيادة حماس وسلطة إمارة غزة !
المصدر: الشراع