يحاول الائتلاف الوطني السوري المعارض استعادة ثقة الشارع المعارض والتي فقدها على مدى سنوات عمله نتيجة أداء سياسي يُوصف بـ”الباهت” لم يواكب التحولات الكبيرة التي عرفتها القضية السورية على مدى أكثر من تسع سنوات استفاد خلالها النظام السوري من عدم قدرة المعارضة على مد جسور ثقة متينة مع المجتمع الدولي الذي يُحمّله سوريون جزءاً من مسؤولية تراجع المعارضة بسبب تراخيه في التعامل مع نظام قتل وشرد ملايين السوريين.
وبدأت صباح السبت اجتماعات الهيئة العامة للائتلاف بدورتها الـ52، لـ”البحث في آخر المستجدات الميدانية والسياسية”، والاطلاع على خطة تنفذها الهيئة الرئاسية الجديدة للائتلاف لـ”تحسين واقع السوريين، وتعزيز التواصل مع مكونات المجتمع السوري، والتأكيد على التشاركية مع الأحزاب والتيارات السياسية السورية في الوصول لرؤية سياسية مشتركة للحل في سورية”. وكان الائتلاف قد انتخب في يوليو/تموز الماضي رئيساً جديداً، هو نصر الحريري الذي أنشأ لجنة حملت عنوان “الحوار الوطني” عقدت أخيراً لقاءات “مع مختلف شرائح ومكونات المجتمع السوري، بهدف تعزيز التواصل والتعاون والتنسيق، والوصول إلى رؤية وطنية جامعة”. وكان الائتلاف قد ضم خلال العام الحالي مكونات سياسية إلى صفوفه منها “رابطة الكرد المستقلين” في محاولة لتوسيع دائرة التمثيل الكردي، إضافة إلى “مجلس القبائل والعشائر السورية” والذي تأسس أواخر عام 2018 في مدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية.
وفي سياق محاولاته استعادة زمام المبادرة السياسية، عيّن الائتلاف دبلوماسيين منشقين عن النظام ممثلين في دول الاتحاد الأوروبي؛ ففي برلين تم تعيين فاضل الرفاعي، وفي بروكسل تم تعيين بشار الحاج علي، وفي باريس تم تعيين نور الدين اللباد.
وكان الائتلاف قد أُسس في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 في العاصمة القطرية الدوحة في ذروة الحراك الثوري في سورية، ليكون الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية. ونال اعترافاً وترحيباً إقليمياً ودولياً، ولكنه مع مرور السنوات فقد الكثير من بريقه السياسي، لا سيما مع ظهور منصات سياسية أخرى بدفع إقليمي ودولي وذلك من أجل تشتيت التمثيل السياسي لقوى الثورة والمعارضة السورية. ويضم الائتلاف العديد من الكيانات والتيارات السياسية الثورية والمعارضة، إضافةً إلى مستقلين وكيانات سياسية تمثل الأقليات العرقية من قبيل المكون التركماني، والمكون السرياني الآشوري، والمكون الكردي. وعلى الرغم من وجود شخصيات من الأقليات المذهبية (علويون، دروز، إسماعيليون) داخل الائتلاف، إلا أن هذه الأقليات غير ممثلة بشكل حقيقي، وهو ما دفع الهيئة الرئاسية الجديدة إلى تشكيل لجنة مهمتها التواصل مع شخصيات من هذه الأقليات لضمها إلى صفوف الائتلاف، وفق مصادر مطلعة.
وتتباين الآراء في الشارع السوري المعارض حيال الائتلاف الوطني، بين رافض بالمطلق لوجوده، وبين من يرى أن هناك إمكانية لإصلاحه كونه العنوان السياسي الأبرز للثورة والمعارضة السورية. ويرى رافضوه أنه لم يكن على قدر المسؤولية التي ألقيت على كاهله، وأن أداءه السياسي مترهل لا يرقى إلى مستوى تضحيات الشعب السوري، وهو ما دفع المجتمع الدولي إلى سحب الثقة الكاملة فيه. كما يأخذ معارضوه عليه ابتعاده بشكل شبه كامل عن نبض الشارع المعارض وعدم قدرته على ضبط فصائل المعارضة المسلحة التي لا تأخذ بعين الاعتبار وجود الائتلاف كمظلة سياسية لها، بل تعمل وفق أجندات ربما لا تتطابق ورؤى المعارضة في عدة مجالات. كما يأخذ المعارضون على الائتلاف فشله في أن يكون مظلة سياسية جامعة لكل التيارات والأحزاب المعارضة، وعدم تحييده عدة شخصيات لا تزال تتصدر مشهده منذ سنوات على الرغم من فشلها في إقناع الشارع المعارض بأدائها السياسي، لا سيما خلال فترة المفاوضات مع النظام في مدينة جنيف تحت مظلة الأمم المتحدة. كما يؤخذ على مكونات الائتلاف الوطني انشغالها في التنافسية داخله على حساب العمل من أجل إسقاط النظام وإنهاء عقود من الاستبداد كانت السبب الرئيسي في عدم فرز معارضة تتقن العمل السياسي المنظم.
في المقابل، يرى قطاع من الشارع السوري المعارض أن الائتلاف لم يهادن على ثوابت الثورة، ولا يزال يرفض تقديم تنازلات على هذا الصعيد على الرغم من الضغوط التي مورست عليه من جهات إقليمية ودولية ولا سيما على صعيد بقاء بشار الأسد وأركان حكمه في السلطة. كما يرى أن الائتلاف لا يتحمّل وحده تراجع الأداء السياسي للمعارضة، إذ أسهمت جهات دولية في تقليص دوره وتشتيته من خلال خلق منصات سياسية أخرى نازعته شرعية تمثيل الثورة والمعارضة السياسي. وعلى الرغم من وجود العديد من المنصات السياسية في المعارضة السورية، إلا أن المجتمع الدولي يدرك أن لا حل سياسياً يمكن أن يأخذ مصداقية في الشارع السوري المعارض من دون الائتلاف الذي يحتاجه هذا المجتمع ليكون الطرف المقابل للنظام في مفاوضات التسوية المرتقبة.
وأشار الباحث السياسي وائل علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن هامش التحرك والقدرة على اتخاذ القرار أمام المعارضة ككل “ضيق جداً”، مضيفاً: “هناك تدويل للقضية السورية ونفوذ إقليمي يسيطر على تحرك وأداء جميع اللاعبين المحليين في سورية”. وأعرب عن اعتقاده بأن الائتلاف الوطني “مر بفترة موت سريري لحساب هيئة التفاوض”، مضيفاً: “الآن الوضع بات مقلوباً، إذ دخلت الهيئة مرحلة الكمون السياسي، وأُنعش الائتلاف أخيراً”.
ورأى علوان أن هناك إمكانية حقيقية لإصلاح البنية الداخلية للائتلاف، مشيراً إلى أن “الائتلاف يؤكد أن 80 في المائة من أعضائه تم استبدالهم”، مستدركاً: “المشكلة في العشرين في المائة الذين أشرفوا على هذا الاستبدال. هناك مشكلة في النظام الداخلي الذي لا يعطي مرونة في عملية التمثيل للكتل”. وأضاف: “هناك كتلة كبيرة مكونة من 15 عضواً تمثل الفصائل المسلحة، بعضهم لم يعد لفصائلهم وجود على الأرض، وليسوا أصحاب القرار في هذه الفصائل. وهناك مشكلة في كتلة المجالس المحلية، إذ لا يمت أعضاء هذه الكتلة للمجالس بصلة”. وأشار إلى أن “هناك كتلاً غير مفهومة منها كتلة الحراك الثوري التي لا نعلم من تمثّل وما هي مرجعيتها، وما آلية التمثيل داخلها، فيما هناك أحزاب لها وجود على الأرض ولكن ليس لها تمثيل في الائتلاف الوطني”.
مقابل ذلك، رأى علوان أن الائتلاف “حافظ على السقف الوطني للثورة السورية”، مشيراً إلى أن مشاركة الائتلاف في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية “فاعلة تندرج تحت السقف الوطني”، مضيفاً: “هناك سعي لإحياء الائتلاف في المناطق المحررة من خلال الحكومة السورية المؤقتة”.
وتناوبت على رئاسة الائتلاف شخصيات عدة، وترأسه معاذ الخطيب منذ تأسيسه وحتى مارس/آذار 2013، حين تقدم باستقالة مفاجئة، ليرأس الائتلاف بشكل مؤقت جورج صبرا، ثم اختير أحمد الجربا رئيساً. وفي عام 2014 ترأس الائتلاف هادي البحرة، وتلاه خالد خوجة، ثم أنس العبدة، إلى أن تسلّم الرئاسة رياض سيف الذي ترك منصبه لعبد الرحمن مصطفى. وعاد أنس العبدة لرئاسة الائتلاف دورة جديدة مدتها عام استمرت حتى يوليو/تموز الماضي حيث جرت عملية تبادل بالمناصب بينه وبين الحريري بحيث تولى الأخير الائتلاف وتولى العبدة رئاسة هيئة التفاوض التي يملك الائتلاف التمثيل الأكبر فيها.
ورأى الكاتب رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لا توجد إمكانية لإصلاح الائتلاف”، مفصلاً الأسباب بالقول: “ليست هناك إرادة لدى أعضاء الائتلاف للقيام بالإصلاح الضروري”. وأشار إلى أن من بين الأسباب “انعدام الاهتمام بمؤسسات المعارضة من قبل الدول الحليفة”، مشيراً إلى “أن هناك ضعفاً في ثقافة الشفافية والإصلاح الإداري داخل مؤسسات المعارضة عموماً والائتلاف على وجه الخصوص، لا سيما بين أعضائه القياديين”.
المصدر: العربي الجديد