منذ عدة سنوات والتهديدات الروسية للسويد تتصاعد بأشكل مختلفة، حتى أضحت سلوكا منهجيا، لا ضدها فقط، بل وضد جارتيها فنلندا والنرويج، في الآونة الأخيرة. وبلغت درجة يتعذر السكوت عليها، ولذلك قررت ستوكهولم “الاستنجاد” بالولايات المتحدة لتكون حاضرة على الأرض، وتفعيل علاقات التعاون بين الطرفين.
ففي شهر تموز / يوليو الماضي رصدت كل من السويد والدانمارك غواصة روسية تحمل صواريخ نووية ” تتنزه ” في مياه الدولتين في بحر البلطيق بدون اكتراث باحتجاجات أولي الأمر المتكررة في السنوات الاخيرة. مما دعا السيدة بياتريس فين رئيسة منظمة الحملة الدولية لحظر الأسلحة النووية، وحاملة لجائزة نوبل للسلام للقول (هذا تطور مقلق ويشكل تهديدا للأمن السويدي) . وقالت المسؤولة الاعلامية في الجيش السويدي الضابط كريستينا سوان ( لقد تتبعنا حركة الغواصة ، وتأكدنا أنها من فئة اوسكار ، وتحمل عادة طوربيدات ورؤوسا نووية ، ولكننا لسنا متأكدين أنها كانت محملة بأسلحة نووية أثناء انتهاكها الاخير لمياه الدولتين ) ، وهو تقريبا نفس ما قاله الناطق الرسمي باسم الجيش الدانماركي لاش خولدان .
وفي 25 آب / أغسطس المنصرم حذر الجيش السويدي مجددا بلسان رئيس قسم العمليات يان ثورنكفيست (إن الوضع الأمني في المنطقة المحيطة بالسويد يشهد تدهورا يشبه ما كان عليه في الحرب الباردة) وقالت في بيان ( إن بؤر التوتر تتركز في بحر البلطيق ، والساحل الغربي ، وشمال السويد ) وذكر البيان ( إن على السويد أن تكون جاهزة للتصرف فورا في حال نشوب أزمة ، والدفاع عن سيادتها ) .
وفي العام الماضي كشف كل من وزير الدفاع بيتر هولتكفيست ورئيس الاركان كارل انجلبيركسون في لقاءين مع الاذاعة أن هناك خطة جديدة لتحديث وتطوير القوات المسلحة بحيث تكون قادرة على حماية البلاد .
واعتبارا من مطلع العام 2018 بدأت الاستفزازات والتهديدات الروسية لدول الشمال الثلاث تأخذ طابعا جديا ، الى حد أن السلطات الأمنية أخذت تطلب من الشعب الاستعداد لمواجهة احتمال اندلاع حرب ، وأرسلت رسالة رسمية لخمسة ملايين مواطن ترشدهم كيف عليهم التصرف في حال وقع هجوم عسكري مباغت على السويد .
وتحت عنوان “ماذا لو اندلعت حرب؟” وزعت الرسائل لمساعدة الناس على كيفية مواجهة حادث خطير ، أو تعرضهم لهجوم الكتروني أو نزاع عسكري ، وكيف يمكنهم الحصول على الغذاء ومياه الشرب ووسائل الاتصال والتدفئة عندما تعجز مؤسسات الدولة عن القيام بوظائفها الاساسية بشكل اعتيادي . والجدير بالذكر أن توزيع مثل هذه الرسائل قد توقف منذ عشرات السنين .
وفي نهاية آب / اغسطس المنصرم وصلت الى السويد وزيرة سلاح الجو الاميركي باربرا باريت بدعوة من وزير الدفاع السويدي للمشاركة في المناورات الحربية لأسلحة الجو التي تجريها قوات السويد والنرويج وفنلندا بشكل مشترك بانتظام اسبوعيا . ودعت الدول الثلاث الولايات المتحدة للمشاركة فيها .
وقالت صحيفة داغينزنيهتر إن الولايات المتحدة وضعت خطة استراتيجية جديدة لحماية منطقة القطب الشمالي ، وتغطي جزءا واسعا من الاراضي السويدية ، ومن الطبيعي أن تتعاون الدولتان في هذه الخطة .
وفي الفترة الأخيرة أصبح ظهور قادة الجيش على شاشات التلفزة شيئا معتادا للمرة الاولى منذ عقود من السنين ، وهم يتحدثون عن وجود تهديدات جدية وغير مسبوقة لأمن بلادهم ، علما أن السويد دولة أعلنت الحياد قبل أكثر من قرنين بدءا من 1814 . ولم تشارك في الحربين العالميتين في القرن السابق ، ولذلك سلمت من ويلاتهما ، رغم أن القوات النازية دخلت السويد عنوة في طريقها للاتحاد السوفياتي ، على عكس النرويج التي احتلها هتلر للاستفادة من وفرة الحديد فيها في صناعته الحربية ، وبعد الحرب الثانية انضمت النرويج والدانمارك لحلف شمال الاطلسي، وتتمتعان بحماية الحلف تقليديا ، عكس السويد وفنلندا اللتين فضلتا الحياد . ولكن ذاكرة الشعبين تحتفظ بذكريات مريرة عن فترات الحروب مع روسيا طوال قرون ، وخضعت فنلندا لاحتلال روسي استمر مائة عام ، من بداية القرن 19 الى بداية القرن 20 ، وتخشى تكرار التجربة لوقوعها على حدود روسيا .
وتوترت علاقات روسيا والسويد بعد نهاية الحرب الباردة لأن السويد سخرت جهودها لدعم استقلال دول البلطيق الثلاث الصغيرة ( ليتوانيا ولاتفيا واستونيا ) وقامت أيضا بتحديث بنية الدول الثلاث ، وقدمت لها مساعدات سخية في كل المجالات ، وظهرت مؤشرات على امكان عودة روسيا لاحتلال الدويلات الثلاث ، وهو أمر لا بد أن يؤدي لاصطدامها مع السويد .
وتجدر الاشارة الى أن السويد ليست ضعيفة عسكريا رغم حيادها ، ولديها قوات عسكرية قوية وحديثة ، وهي تصنع أنواعا من السلاح الحربي الثقيل يضاهي السلاح الروسي والاميركي ، وبإمكانها انتاج أسلحة نووية إذا صدر قرار سياسي .
وفي عام 1994 انضمت السويد الى برنامج التعاون من اجل السلام مع حلف الناتو مما أغضب الروس ، وفتح حوارا عاما بين السويديين حول الحاجة لدخول الحلف كعضو كامل العضوية لاتقاء شرور التهديدات الروسية أسوة بشقيقتيها النرويج والدانمارك . وقد عاد هذا الحوار في الأشهر الاخيرة للنشاط، ولكن روسيا ردت عليه بمزيد من التهديدات لأنها ترى في التطور إذا حصل ، خطوة أخرى من خطوات التحالف الغربي لمحاصرة روسيا وكسب دول حلف وارسو السابقة في شرق اوروبا الى عضوية الناتو . وكان سيرغي لافروف وزير خارجيتها الحالي نصح المسؤولين السويديين بعدم استفزازهم بمثل هذه الخطوة ، لأن روسيا لن تصبر طويلا بعد الآن على محاولات الغرب إحاطتها بدول معادية ، وشبكات صواريخ تزنرها . وذكر لافروف الاوروبيين بأن بلاده دولة نووية عظمى ولديها أكثر من مائتي رأس وصاروخ نووي ! ويسود اعتقاد أن السويد تتجه ببطء للانضمام للناتو، خاصة أن الدول الثلاث تنسق فيما بينها في كل المجالات ، وأن الشقيقتين النرويج والدانمارك عضوان مؤسسان في حلف شمال الأطلسي .
المصدر: الشراع