
على رغم انخفاض بنود البحث العلمي في ميزانيات الدول عالمياً، شهد العام 2025 الكثير من الإنجازات العلمية والتكنولوجية، ستستفيد منها البشرية بصورةٍ غير مسبوقة. ويستعرض هذا التقرير بعض أبرز الإنجازات النوعية.
الأطفال والحساسية
طُرح هذا العام بديلٌ خالٍ من الإبر للأطفال الذين يعانون من حساسية شديدة، ويتمثل في منتج “نيفي”، وهو بخّاخ أنفي جديد، شكّل حدثاً في مجال إعطاء الأدرينالين للأطفال منذ أكثر من ثلاثة عقود.
هذا البخاخ معتمد للأطفال من سن أربع سنوات وما فوق، والذين تتراوح أوزانهم بين 13 و27 كيلوغراماً. يُمتص الدواء في الجسم بفضل تقنية جديدة ترخي الفراغ بين خلايا الأنف موقتاً، ما يسمح بامتصاص الدواء بسرعة في مجرى الدم. ويتوقع الخبراء أن يساعد هذا الدواء، السهل الاستخدام، المزيد من الأطفال في حالات الطوارئ التحسسية.
توليد الكهرباء من الماء والسيليكون
ومن الإنجازات اللافتة هذا العام تطوير فريق دولي من الباحثين من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا تقنية جديدة لتوليد الكهرباء باستخدام الماء والسيليكون، من دون الحاجة إلى بطاريات أو مصادر طاقة تقليدية.
واعتمد الجهاز الذي ابتكره العلماء على مادة سيليكونية يتم دفع الماء داخلها تحت ضغط عالٍ، وعند ملامسة الماء لسطح السيليكون، تتولد شحنات كهربائية نتيجة التفاعل بين المادتين.
تطوير أول حاسوب بدماغ بشري
أطلقت شركة “كورتيكال لابس” الأسترالية هذا العام، حاسوب “CL1″، الذي يدمج خلايا الدماغ البشري مع رقائق السيليكون لتشكيل شبكات عصبية، مبشراً بعصرٍ جديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي.
يعمل الحاسوب بخلايا دماغ بشرية تنتج في المختبر، موصولة بـ 59 قطباً كهربائياً تشكل شبكة عصبية، وتُستخدم طريقتان مختلفتان لتوجيهها لتصبح خلايا عصبية، الأولى هي محاكاة الإشارات الكيميائية الطبيعية التي توجه نمو دماغ الجنين، والثانية هي تحفيزها بشكلٍ مباشر لتصبح خلايا عصبية.
وحسب العلماء، يمكن لهذا الاختراع أن يسهم مستقبلاً في تطوير أدوات ذكاء اصطناعي بمستوى العقل البشري، كما يمكن استخدامه لفهم الدماغ البشري بشكلٍ أفضل والمساعدة في علاج أمراض مثل ألزهايمر، إلى جانب تطوير تقنيات حوسبة أكثر كفاءة.
إنشاء أطلس لجسم الإنسان
شهد فهمنا لجسم الإنسان تقدماً هائلاً هذا العام، عندما حقّق باحثون بريطانيون هدفهم المتمثل في إجراء أكثر من مليار مسح طبي لـمئة ألف متطوع. يشمل المشروع، وهو جزء من البنك الحيوي البريطاني، التصوير بالرنين المغناطيسي والموجات فوق الصوتية، وفحوصات تفصيلية أخرى للدماغ والقلب والعظام والمفاصل والأوعية الدموية.
كما أخذ الباحثون قياسات جسدية، وعيّنات دم، ومواد وراثية، إلى جانب تقييمات لأسلوب الحياة والتعرض للبيئة المحيطة، وقد أُبقيت جميع البيانات مجهولة الهوية. وتتمثل الخطوة التالية في عودة مئات الآلاف من المشاركين بعد مرور ما يصل إلى سبع سنوات لإجراء فحوصات إضافية، لتقديم أدلّة على كيفية تغير الجسم مع مرور الوقت.
عدسات لاصقة للرؤية الليلية
ابتكر علماء في جامعة “العلوم والتكنولوجيا” الصينية هذا العام عدسات لاصقة تمنح الأشخاص رؤية فائقة، إذ تتيح هذه العدسات للناس رؤية أبعد من نطاق الضوء المرئي، والتقاط ومضات الأشعة تحت الحمراء، حتى في الظلام أو بأعين مغلقة، ويمكن أن تكون بديلاً محتملاً لنظّارات الرؤية الليلية.
وهناك العديد من التطبيقات المحتملة لهذه العدسات في الوقت الحالي. على سبيل المثال، يمكن استخدام ضوء الأشعة تحت الحمراء المتذبذب لنقل المعلومات في بيئات الأمن والإنقاذ والتشفير ومكافحة التزييف. كما أن هذه العدسات لا تتطلب مصدر طاقة مثل النظارات الواقية التقليدية، ما يجعلها بديلاً أكثر فعالية.
تعديل الجينات
أحدثت أداة تعديل الجينات “كريسبر-كاس9″، التي نال مخترعوها جائزة نوبل للعام 2020، نقلة نوعية في علاج حالات مثل فقر الدم المنجلي. لكن هذا العام، استخدم أطباء مستشفى الأطفال في فيلادلفيا هذه التقنية بطريقة غير مسبوقة، حيث صمّموا جيناً مخصصاً لمريض رضيع ولد مصاباً باضطراب أيضي وراثي نادر ومهدّد للحياة.
حدد الأطباء عيباً وراثياً واحداً في جينات الرضيع، وطوّروا علاجاً مخصصاً أُعطي له في عمر سبعة وثمانية أشهر. استخدمت أداة “كريسبر” جسيمات نانوية دهنية، وهي كرات صغيرة أساسها الدهون لنقل التعليمات الجينية إلى الكبد، ما حفّز خلاياه على إنتاج الإنزيم اللازم لتصحيح الطفرة. وتظهر النتائج الأولية أن العلاج قد حسّن صحة الطفل بشكلٍ كبير، وقد يشفيه في النهاية.
جيل قوي من مراكز البيانات
تمكّنت شركة “مايكروسوفت” الأميركية هذا العام من تحقيق إنجاز تكنولوجي مبهر مع اختبارها لتقنية جديدة لتبريد الرقائق تُسمى “الموائع الدقيقة”، بهدف حل أحد أكبر التحديات التي تواجه أجهزة الذكاء الاصطناعي.
باستخدام هذه التقنية يمكن تحفير أخاديد صغيرة مباشرةً في الجزء الخلفي من الشريحة، ما يسمح بتدفق سائل التبريد إلى السيليكون نفسه وإزالة الحرارة بكفاءة أكبر. وبالتالي يحدث هذا النهج الجديد نقلة نوعية في كيفية بناء الرقائق الإلكترونية المستقبلية.
إيقاف سرطان البنكرياس قبل ظهوره
يُعدّ سرطان البنكرياس من أخطر أنواع الأورام الخبيثة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه غالباً ما يشخّص بعد وصوله إلى مرحلة متقدمة. إذ ينجو منه أقل من 13 في المئة من المرضى بعد خمس سنوات من التشخيص.
في العام 2025، أحرز العلماء تقدماً في الكشف عن المرض، وربّما الوقاية منه في وقتٍ مبكر جداً. ففي دراسات أجريت على الفئران وعلى خلايا بشرية، وجد العلماء أن تثبيط بروتين FGFR2، الذي يحفّز خلايا سرطان البنكرياس المبكرة، يمنعها من التحول إلى سرطان في بعض الحالات.
ونظراً لتوفر الأدوية المثبطة لهذا البروتين، يأمل الباحثون في اختبار هذا النهج على الأفراد المعرّضين لخطر كبير، بمن فيهم أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي للمرض. ولا تزال هناك حاجة لتجارب بشرية. لكن هذا العمل يقدم رؤية مبكرة لكيفية اعتراض سرطان البنكرياس قبل تكوّنه يوماً ما.
فيروس نقص المناعة البشرية
لا يزال فيروس نقص المناعة البشرية، الميكروب المسبب لمرض الإيدز، يمثل تحدياً صحياً عالمياً رئيساً. وفي الولايات المتحدة وحدها، يُشخَّص أكثر من مئة شخص يومياً بهذا المرض. وعلى رغم فاعلية أدوية الوقاية قبل التعرض المتوفرة كأقراص يومية أو حقن دورية، إلاّ أن الإقبال عليها لا يزال منخفضاً.
هذا العام، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على خيار جديد قد يسهم في سد هذه الفجوة. اسم الدواء “ليناكابافير”، وهو حقنة تؤخذ مرتين سنوياً، طورتها شركة “جلعاد للعلوم”. وتظهر الدراسات أن هذه الحقن، عند إعطائها كل ستة أشهر، تمنع تقريباً جميع حالات انتقال فيروس نقص المناعة البشرية.
ووصفت منظمة الصحة العالمية هذه الموافقة بأنها “إنجازٌ تاريخي”، مشيرةً إلى أنها ستساعد في التغلب على عقباتٍ رئيسة أمام الوقاية من الإيدز، بما في ذلك الحاجة إلى زياراتٍ متكررةٍ للكوادر الصحية والوصمة الاجتماعية المرتبطة بتناول دواءٍ وقائي يومي.
المصدر: المدن






