حصاد السنة الأولى لانتصار الثورة السورية.. ما أبرز الإنجازات والتحديات؟

عبد المجيد عرفة

بعد مرور عام على انتصار الثورة السورية، تقف البلاد أمام مفترق حاسم يجمع بين إنجازات ملموسة وتحديات كبرى. وفي هذا المقال نستعرض حصاد السنة الأولى للحكومة السورية الجديدة على المستويين الداخلي والخارجي، وما يواجهه السوريون في طريق بناء دولتهم المنشودة.
أولًا: الإنجازات على المستوى الداخلي في سوريا
بدأت الحكومة السورية الجديدة عمليًا بخلق بنية شعبية موازية للسلطة، تكون من خلالها مطلّة على الواقع المجتمعي في كل بلدة ومدينة سورية. فقد شجّعت ورعت ولادة مجالس محلّية وأهلية منتخبة من البنى المجتمعية للبلدات والمدن السورية، وكان تدخل الحكومة الجديدة قليل نسبيًا. وتركت للبنى المجتمعية بتنوعها — من القبائل والمدينة والريف، مضافًا إليها التنوع الديني والإثني والطائفي — أن تنتخب من ينوب عنها ويكون ممثلًا عن المجتمع بنسبة كبيرة، ولسان حاله وصوته الذي يظهر بشكل جماعي ومنظم في تعاطيه مع الحكومة الجديدة وكذلك في تعامله مع الناس الذين وضعوا ثقتهم به ليكون صوتهم في حل مشكلاتهم المجتمعية على كل المستويات.
كما بدأت الحكومة السورية الجديدة برعاية انتخاب ممثلين لمجلس الشعب المنتظر، ولو أن آليته كانت معقدة، وأن ثلثه متروك لرئيس الجمهورية أحمد الشرع، وقد لا يعجب ذلك بعضهم. ومع ذلك لم يكتمل مجلس الشعب إلى الآن رغم مضي سنة على انتصار ثورتنا السورية.
وكشاهد عيان ومراقب مهتم سياسيًا وإنسانيًا، أرى أن هذه التجربة قد نجحت، وكان لها مردود إيجابي بصناعة صوت مجتمعي يعبر عن الناس ويتابع مصالحهم مع الدولة، بحيث تمت معالجة كثير من الاحتياجات الضرورية للناس، مثل الكهرباء والماء وصيانة البنية التحتية المنهارة كالشوارع والنظافة وغيرها.
بعد سنة، هناك تحسن كبير في هذه الخدمات، ولو أن الواقع الاقتصادي للناس ما يزال ضعيفًا. لذلك احتجّوا على ارتفاع أسعار الكهرباء، وكانوا سعيدين بانخفاض أسعار مشتقات النفط، واستمرت تطالب بتحسين جميع الخدمات.
ومن جهتها رفعت الحكومة الجديدة المعاشات لموظفيها، وفتحت باب التطوع في جيشها، ووسّعت كادرها الوظيفي على كل المستويات. وهذا يؤمّن البنية التحتية للسيولة المالية التي تعود على السوريين جميعًا بتحسن أحوالهم الاقتصادية والمعيشية. والآمال ما تزال كبيرة، فما زلنا في بداية السنة الثانية لحكومتنا الجديدة. إذ يتشجّع السوريون المغتربون والمستثمرون على الاستثمار في سورية، مما يساعد في تحريك الاقتصاد وتحسين حياة جميع السوريين.
ثانيًا: الإنجازات على المستوى الخارجي
كان من المهم أن يعلن رئيس الدولة أحمد الشرع عن “تصفير المشاكل” مع دول الجوار، وكان ذلك عبر تصحيح العلاقات مع لبنان والتعامل وفق المصالح المتبادلة.
وكذلك كان الحال مع العراق، والتركيز على المصالح المشتركة من نفط وغيرها.
أما الأردن، فقد حصل توافق على كل المستويات، وخاصة في مكافحة المخدرات صناعةً وتهريبًا وغير ذلك.
وأما تركيا، فنعلم أن قادة الدولة الحاليين كانوا على تنسيق كامل مع الحكومة التركية وما زالوا، ونرى أن العلاقات بين سورية وتركيا استراتيجية، وكذلك العلاقة مع قطر والمملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج العربي.
وكان الأهم بالنسبة للحكومة السورية الجديدة بناء علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تُعدّ قائدة العالم. وقد كان لتركيا والسعودية وقطر دور إيجابي في ذلك، إذ أصبحت العلاقة خلال هذا العام إيجابية جدًا، وتوِّجت بالتحاق سورية بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وكذلك الحال في بناء علاقات إيجابية واعدة مع الدول الأوروبية ولقاء معظم قادتها مع الرئيس أحمد الشرع.
وكان من المهم التعامل المدروس مع روسيا وفق نظرية المصالح المتبادلة، مع غض الطرف عن الماضي الوحشي لروسيا في سورية خلال سنوات الثورة. فللدولة السورية مصالح في هذه العلاقة عسكريًا واقتصاديًا، وكذلك لروسيا، خاصة استمرار قواعدها على البحر الأبيض المتوسط.
كما فُعِّلت العلاقة مع الصين، وتم خلق فرص واعدة لهذه العلاقة.
كان ردّ أهالي بيت جن المسلح على توغلات إسرائيل وسقوط جنودها جرحى رسالة واضحة لها بأن تخريبها وتوغّلها على الحدود لن يمرّا من دون محاسبة.
التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة
أولًا: إسرائيل – أهم وأخطر تحدٍّ يواجه الحكومة
راهنت إسرائيل على تقسيم سورية وإضعافها بعد سقوط النظام البائد. وقد بدأت بحملة عسكرية عبر قواتها الجوية، فقد طال القصف معظم القدرات العسكرية للدولة السورية تقريبًا. وتصرفت من موقع القوة والإملاء في مواجهة الحكومة السورية الجديدة التي رفضت التورط في حرب غير متكافئة مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه رفضت التنازل عن أي من حقوقنا المشروعة في الجولان.
وأعلنت الحكومة التزامها باتفاق فضّ الاشتباك المبرم عام 1974 مع إسرائيل، لذلك رفضت بحث موضوع السلام ومصير الجولان كما تريد أمريكا وإسرائيل، فهو موضوع سابق لأوانه.
كما باشرت إسرائيل باحتلال فعلي لأراضٍ سورية في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة وريف دمشق المحاذية لها، وقامت بأعمال تحصين وبناء دشم في المرتفعات والمواقع العسكرية، وبناء حواجز عسكرية، وضيّقت على الناس، وتصرفت وكأنها الحاكمة على طول الشريط الحدودي.
اعتقدت إسرائيل أن هذا التصرف سيجبر الحكومة السورية الجديدة على تقديم تنازلات عبر التخلي عن الجولان، وفرض نزع السلاح من دمشق إلى حدود الجولان حيث الاحتلال الإسرائيلي، كما حصل في المفاوضات السابقة مع إسرائيل التي فشلت.
رفضت الحكومة السورية ذلك، وعوّلت على الولايات المتحدة ودعم أصدقائها في كبح جماح إسرائيل.
وكان ردّ أهالي بيت جن المسلح على توغلات إسرائيل وسقوط جنودها جرحى رسالة واضحة لها بأن تخريبها وتوغّلها على الحدود لن يمرّا من دون محاسبة، وأنها ليست مطلقة اليد، وستجد الشعب السوري في مواجهتها. ولذلك يجب عليها أن تعدل عن سياساتها العدوانية.
ثانيًا: قانون قيصر وإلغاؤه
إن أهم تحدٍّ أمام الشعب السوري والحكومة الجديدة هو قانون قيصر الذي وضعته أميركا ضد النظام الساقط، لكنه تحوّل إلى عقبة أمام حركة الحكومة السورية الجديدة في إعادة ربط سورية بالاقتصاد العالمي وجلب المال والاستثمار وبناء البلاد.
وقد قطعت الحكومة السورية الجديدة، بمساعدة الولايات المتحدة، معظم الطريق نحو إلغاء قانون قيصر وتبعاته عن سورية وشعبها وحكومتها.
ثالثًا: فلول النظام البائد
حاول بعض فلول النظام — من ضباط وعناصر ومخابرات النظام الساقط المتضررين من الثورة — التحرك بالسلاح ضد الحكومة الجديدة. فواجهتهم قوات الجيش الوطني السوري، ووقع صراع عسكري سقط فيه ضحايا من الطرفين، وانتهت الفتنة. وتم التهويل بها من قوى داخلية وخارجية، فأرسلت الحكومة السورية لجنة تقصّي حقائق، وكذلك الأمم المتحدة، وجاءت نتائج اللجنتين متقاربة. وحُولت النتائج إلى الجهات القضائية لمحاكمة المتورطين في الأحداث سواء من قوات الحكومة السورية أو من الفلول، وأُغلق الملف بشكل عام.
للهجري خطط انفصالية تطول السويداء، وقد أعلن اسمًا جديدًا لها: “الباشان”، واعتمد على إسرائيل، وكون ميليشيات عسكرية أسماها “الحرس الوطني”، وقام بتصفية العديد من الدروز المختلفين معه..
رابعًا: ملف الجزيرة السورية
وُلدت قوات سوريا الديمقراطية بدعم أميركي لمحاربة داعش في السنوات السابقة. وهي في بنيتها الكردية تُعدّ فرعًا لحزب العمال الكردستاني، الذي كان عدوًا استراتيجيًا لتركيا خلال السنوات الماضية. أما الآن، فقد قرر الحزب حل نفسه، والدخول في مصالحة تاريخية مع الدولة التركية.
وكذلك الحال بالنسبة لقوات سورية الديمقراطية؛ فلم تعد تراها الولايات المتحدة الطرف القابل للتعويل عليه في محاربة داعش. كما حصل توافق بين مظلوم عبدي قائد قسد، والرئيس أحمد الشرع، على أن يُنفَّذ — حتى نهاية هذا العام — دمج قسد ومناطق سيطرتها بالدولة السورية.
هناك مماطلة من قسد، لكنني أعتقد أن قسد، من دون دعم أميركي، عاجزة عن خوض صراع مع الحكومة السورية وتركيا، ولذلك ستكون المناطق التي تسيطر عليها قسد تحت سلطة الحكومة السورية الموحدة ولو بعد حين.
خامسًا: ملف السويداء
الهجري لا يمثل الدروز السوريين، بل يمثل نفسه فقط.
فالشيخ الهجري، بما يمثله من حراك مدعوم من إسرائيل بالمال والسلاح، وما ينعكس على أرض السويداء ومحيطها، وما صاحبه من تجاذبات وصراعات كانت ميليشياته طرفًا فيها، وكانت قوات الحكومة السورية والعشائر العربية طرفًا آخر، وما رافق ذلك من أخطاء من جميع الأطراف.
للهجري خطط انفصالية تطول السويداء، وقد أعلن اسمًا جديدًا لها: “الباشان”، واعتمد على إسرائيل، وكون ميليشيات عسكرية أسماها “الحرس الوطني”، وقام بتصفية العديد من الدروز المختلفين معه جسديًا، كما حصل مع الشيخ رائد المتني الذي اعتقلته قوات “الحرس الوطني” وقتلته بعد يومين من الاعتقال.
وتعوّل الحكومة السورية الجديدة في صبرها على الشيخ الهجري وأفعاله على التوافق مع أميركا، التي تريد أن تكون سورية موحدة ومستقرة ومزدهرة، وأن يكون لها دور في السلام لها ولجوارها، كما صرح بذلك كثير من المسؤولين الأميركيين أكثر من مرة.
هذه هي أهم الإنجازات والتحديات التي واجهها الشعب السوري وحكومته الجديدة. ونحن نعتقد أننا لا نزال في بداية مشوارنا الطويل لبناء حكومتنا السورية الواعدة التي تحقق لكل الشعب السوري الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.
المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى