
شاركت وحدات من جهاز الأمن والاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية السورية، أخيراً، في عملية عسكرية للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي تقوده الولايات المتحدة، أسفرت عن القبض على عضو بارز في التنظيم كان يختبئ في منطقة معضميّة القلمون المحاذية لبلدة الضمير في ريف دمشق.
تشير العملية إلى حدوث تطوّر أمني لافت، يعكس تنامياً في علاقة سورية مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، ويدشن مرحلة جديدة عنوانها التنسيق والتعاون المشترك بينهما. لذلك سارع المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توماس برّاك إلى التعليق على العملية بالقول “سورية عادت إلى صفّنا”. وسبق للتحالف الدولي أن نفّذ، بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية، عملية إنزال جوي واقتحام في مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب في يوليو/ تموز الماضي ضد عناصر في “داعش”.
تبنّت وزارة الداخلية السورية العملية التي جرت أخيراً، وذكرت في بيان أصدرته أن عناصر من جهاز الاستخبارات العامة نفذتها بشكل محكم، بالتعاون مع قيادة الأمن الداخلي، لكنها لم تشر أبداً إلى دور “التحالف الدولي”، تلافياً على ما يبدو للإقرار بالتعاون غير المعلن معه، في غياب اتفاق رسمي بين الطرفين في هذا الشأن. وتأتي العملية كي تعكس ما يقوم به الطرف الأميركي من خطوات على الأرض، وتلاقي ما تطالب به الإدارة السورية الجديدة، انضمام سورية إلى “التحالف الدولي”، حيث ترغب الحكومة السورية في أن تكون المسؤولة الأولى عن مهمّة بسط الأمن على كامل التراب السوري. ويدخل ذلك في سياق محاولاتها تجريد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من احتكار التعاون مع التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة منذ تشكيله في سبتمبر/ أيلول عام 2014، واعتمدت “قسد” حليفها الأساسي في محاربة “داعش” على الأراضي السورية. ويمكن اعتبار هذا التعاون الأمني بين الحكومة السورية والتحالف الدولي نوعاً من الاختبار الأولي، ومن الممكن أن يتحوّل إلى بلورة صيغة تفاهم أو اتفاقية تسمح لقوات وزارة الدفاع السورية بالانضمام إلى قوات التحالف في محاربتها عناصر “داعش”، الذي ازدادت عملياته في الآونة الأخيرة، وخصوصاً في محافظة تدمر والبادية السورية، وصولاً إلى الحدود السورية العراقية.
سبق لتنظيم داعش أن حذّر الرئيس السوري أحمد الشرع في إبريل الماضي من انضمام سورية إلى التحالف الدولي
سبق أن عبّرت الولايات المتحدة عن رغبتها في أن تنخرط قوات وزارة الدفاع السورية في عمليات التحالف. وتجسّدت هذه الرغبة في إعلان البيت الأبيض في مايو/ أيار الماضي أن أحد شروط الولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على سورية “مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة ظهور داعش، وتحمل المسؤولية عن مراكز احتجاز مقاتلي التنظيم في شمال شرقي سورية”، التي تضم آلافاً من عناصره، وتتولى “قسد” مهمّة إدارة هذه المراكز، إضافة إلى المخيمات التي تحتجز فيها عائلات عناصر التنظيم. وأعلنت الإدارة الجديدة، في أكثر من مناسبة، استعدادها لإدارة مركز الاحتجاز والمخيمات الموجودة في كل مناطق الجزيرة السورية، لكن قيادات “قسد” المتشدّدة، وخصوصاً قادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية التي تمانع بشدة حدوث ذلك، وتريد أن تبقى تلك المراكز والمخيمات تحت إشرافها وإدارتها، حفاظاً على المكاسب التي تجنيها من هذا. إضافة إلى سعيها للإبقاء على “قسد” الذراع البرّية الوحيدة للتحالف الدولي ضد “داعش”، كي تبقى قوة فاعلة، وتستخدمها ورقة قوة ضاغطة في المعادلة السياسية التي تتحكّم بالوضع السوري، وبشكل يمكّنها من توظيفها من أجل فرض شروطها للاندماج في وزارة الدفاع السورية.
ليس هنالك ما هو معلن رسمياً بشأن الخطوات التي قطعت لانضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكن تقارير إعلامية تحدّثت عن وجود تفاهمات أولية بين الحكومة السورية والطرف الأميركي بشأن تنسيق الجهود في محاربة هذا التنظيم، من خلال السماح لقوات وزارة الدفاع السورية وللقوى الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بالقيام بعمليات ضد التنظيم داخل الأراضي السورية، بالتنسيق مع قيادة قوات التحالف الدولي. وسبق لتنظيم داعش أن حذّر الرئيس السوري أحمد الشرع في إبريل/ نيسان الماضي من انضمام سورية إلى التحالف الدولي، لكن هذا لم يمنع وزارة الداخلية السورية من التنسيق مع القيادة العسكرية الأميركية في أكثر من عملية برّية ضد “داعش”، وجرى تنفيذها في محافظات حلب وإدلب والبادية.
ليس هنالك ما هو معلن رسمياً بشأن الخطوات التي قطعت لانضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية
تجادل الإدارة الجديدة بأنها تمتلك تجربة في محاربة تنظيم داعش، الذي يستفيد من الفراغ الأمني الكبير الحاصل على الخطوط الفاصلة بين قوات الأمن السورية و”قسد”، وتقع أبرزها في محافظة دير الزور، وخصوصاً المناطق الحدودية مع العراق، وفي ريفي حلب والرّقة. وهي مناطق معروفة بتضاريسها المعقدة، والمساحات الشاسعة التي يمكن الاختباء فيها والانخراط بين أهالي تلك المناطق، بالنظر إلى التداخل الحاصل بين النازحين الموجودين فيها مع أبناء تلك المناطق، والذين يسهل الاندماج معهم، ولا تتوفر إحصاءات أو معلومات للموجودين فيها. ويستغل التنظيم الدمار الذي طاول تلك المناطق، وتردّي الأوضاع المعيشية فيها من أجل تجنيد بعض شبان تلك المناطق، الذين يعانون من العوز والفقر.
الأجدى بالولايات المتحدة الدفع باتجاه تنفيذ اتفاق العاشر من مارس/ آذار (2025)، الذي وقعه الرئيس أحمد الشرع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، والبدء باتخاذ خطوات لتنفيذه تدريجياً، بدءاً من نقل السيطرة الإدارية والأمنية على محافظة دير الزور ذات الغالبية العربية إلى السيادة السورية، وتمكين الحكومة السورية من إدارة المعابر الدولية في الشمال الشرقي مع العراق وتركيا، إلى جانب تمكينها من تولي إدارة آبار النفط والغاز واستثمارها، كي تعود بالفائدة على كل السوريين. ولا شك في أن ذلك كله سيساهم بشكل أكثر فاعلية في محاربة “داعش”، وتأمين الاستقرار في سورية ما بعد نظام الأسد.
المصدر: العربي الجديد





